تلميذ يعتدي على أستاذه بسكين..وزارة الأسرة تتدخل..    وزيرة التربية تتعهد بإنتداب الأساتذة النواب    رفعَ ارباحه ب 43%: بنك الوفاق الدولي يحقق أعلى مردود في القطاع المصرفي    معرض تونس الدولي للكتاب يفتح أبوابه اليوم    تجهيز كلية العلوم بهذه المعدات بدعم من البنك الألماني للتنمية    عاجل/ مسؤول إسرائيلي يؤكد استهداف قاعدة بأصفهان..ومهاجمة 9 أهداف تابعة للحرس الثوري الايراني..    الداخلية تعلن إلقاء القبض على عنصر إرهابي ثالث..#خبر_عاجل    الاحتلال يعتقل الأكاديمية نادرة شلهوب من القدس    كأس تونس لكرة السلة: إتحاد الانصار والملعب النابلي إلى ربع النهائي    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات مقابلات اليوم من الدور السادس عشر    إصابة 23 سائحا في حادث إنزلاق حافلة سياحية.. التفاصيل    عاصفة مطريّة تؤثر على هذه الدول اعتباراً من هذه الليلة ويوم غد السبت    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    معرض تونس الدّولي للكتاب يفتح اليوم أبوابه    غوغل تسرح 28 موظفا احتجّوا على عقد مع الكيان الصهيوني    حراك 25 جويلية يناشد رئيس الجمهورية الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة    عاجل/ بعد منع عائلات الموقوفين من الوصول الى المرناقية: دليلة مصدق تفجرها..    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    في اجتماعات الربيع: وزيرة الاقتصاد تواصل سلسلة لقاءاتها مع خبراء ومسؤولي مؤسسات تمويل دولية    الوكالة الفنية للنقل البري تصدر هذا البلاغ    وزير السياحة يلتقي رئيس الغرفة الوطنية للنقل السياحي    بعد فيضانات الإمارات وعُمان.. خبيرة أرصاد تكشف سراً خطيراً لم يحدث منذ 75 عاما    التوقعات الجوية لهذا اليوم..سحب كثيفة مع الأمطار..    عاجل/ زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب هذه الولاية التركية..    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    بورصة تونس: "توننداكس" يقفل حصة الخميس على استقرار    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    عاجل: القبض على عنصر إرهابي ثان بجبل السيف بالقصرين    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    ارتفاع نوايا الاستثمار المصرح بها خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية ب6.9 %    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمائة خلال شهر فيفري 2024    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إخفاق ولادة الشرق الأوسط الجديد من فوضى الحروب

قبل أربعين عاما، وقبل أن يتسلم أيضا قيادة الدبلوماسية الأميركية. وكان جورج واشنطن يشاطره هذا الرأي. ففي خطاب الوداع الذي حذر فيه مواطنيه من التدخل في شؤون أوروبا القديمة، كتب إلى صديقه لافاييت ما يلي:« إنه رد فعل طبيعي جدا أن نعتقد، أن نظامنا السياسي سيتقدم أيضا إلى شعوب أخرى... لقد غرسنا بذرة الحرية والاتحاد التي ستنبت شيئا فشيئا في كل الأرض. ويوما ما ستتشكل الولايات المتحدة الأوروبية على نموذج الولايات المتحدة الأميركية. وسوف تكون أميركا المشرع لكل القوميات».
بيد أن هذه المقاربة في اعتبار النظام السياسي الأميركي نموذجا يحتذى به على الصعيد الكوني لم تهيمن دائما على سلوك الزعماء الأميركيين. فيمكن أن نلمس تشكل أربع مدارس فكرية وسياسية في هذا الصدد: مدرسة الفيدرالي الرئيس الكسندر هاملتون (1757 - 1804) القريب جدا من جورج واشنطن، والمهتم بحماية التجارة أكثر منه بفضائل الديموقراطية. ومدرسة الرؤساء جيفرسون (1743 - 1826) الذي قدم خطابا معارضا، واشترى ولاية لويزيانا من نابليون. ومدرسة أندرو جاكسون (1767 - 1826) الداعي إلى تأسيس سلطة قوية ومركزية، مدعومة من قبل جيش قوي. وأخيرا مدرسة وودرو ويلسوزن (1856 - 1924)، هذا النبيل المثالي الذي برر دخول الولايات المتحدة الأميركية في الحرب العالمية الأولى من خلال ضرورة جعل العالم«مضمونا للديموقراطية»، فكان مشروعه إنشاء عصبة الأمم التي تدين بولادتها لإرادة ولسون شبه الرسالية، والمستمدة من روح النظام السياسي الأميركي. ومع ذلك، رفضت أميركا الانتساب إليها، من دون أن يمنعها ذلك، بعد زهاء ربع قرن من الزمن، أن تبادر هي نفسها، إلى إنشاء منظمة الأمم المتحدة بالتعاون مع الحلفاء، على قاعدة المبادئ التي أرساها ولسون.
وفي الوقت الذي كان سلفه البعيد يحلم بديموقراطية سلمية للعالم، فإن الرئيس الحالي جورج بوش يعتقد جازما وشرعيا بضرورة اللجوء إلى القوة والحرب من أجل أن تتقدم أفكار المحافظين الجدد، لا سيما مشروع الشرق الأوسط الجديد. وكان الرئيس الحالي له فكرة كبيرة لجهة انتظاره نتائج الانتخابات التي جرت في هذا« الشرق الأوسط الكبير»، والتي أثارت مخيلته السياسية: ولم يكن يشك أن تكون نتائج الانتخابات مغايرة لطموحاته وأمنياته.
فالهندسة الديموقراطية، التي كان يجب أن تكمل«الحرب على الإرهاب» من خلال الإفساح في المجال للوصول إلى السلطة نخب عربية ليبرالية موالية للغرب منبثقة من المجتمع المدني، ترجمت، في معظم البلدان التي جرت فيها انتخابات حرة، أو نصف حرة، الى تحقيق بعض النجاحات الصغيرة من جهة، إذ جرت أنسنة النظام في المغرب، واستدارت ليبيا إلى توطيد العلاقة مع الغرب، وتحرر لبنان من الوصاية السورية. ومن جهة أخرى، قادت الى فوز الحركات الإسلامية المعادية للغرب. فهذه النجاحات هي مبررة من قبل رفض الناخبين العرب الموافقة على سياسة أميركية أحادية، ومؤيدة بصورة مطلقة لإسرائيل فكان الإخوان المسلمون المستفيدين الرئيسين من الانتخابات التعددية التي جرت في مصر. أما في حال العراق، فقد كان الوضع دراماتيكيا. فالسكان توجهوا بكثافة لانتخاب برلمان جديد حر وديموقراطي، لأول مرة في تاريخهم، بيد أن هذه الإمكانية التي منحت لهم، لم تكن كافية لكي يتفق الشيعة، والسنة العرب، والسنة الأكراد، على الوسائل الكفيلة لتقاسم السلطة، بل إن العراق غارق اليوم في فتنته الطائفية.
في غضون ذلك، وبينما نجد الولايات المتحدة الأميركية غارقة في الوحل العراقي في إطار مواجهة المقاومة السنية - التي جاءت كرد فعل طبيعي على تهميش المحتل الأميركي للعرب السنة - تغتنم إيران هذه الفرصة بوصفها الداعم الرئيس للأحزاب الشيعية العراقية، وحليفها اللبناني حزب الله الذي أمطر حيفا لأول مرة بالصواريخ، لتأكيد طموحاتها النووية مع الدعوة في الوقت عينه من قبل رئيسها أحمدي نجاد إلى«محو إسرائيل من الخارطة». وهذا إن دل على شيء فهو يدل على عجز واشنطن المرتبكة في بغداد، عن ضمان أمن حليفتها الرئيسة إسرائيل.
وهكذا، اتخذت إدارة الرئيس بوش موقفا عدائيا من سورية وإيران، وترسخ الاعتقاد لدى الإدارة هذه، أن أميركا وإسرائيل تستطيعان تشكيل تحالف قوي يسيطر على منطقة الشرق الأوسط، وتستطيعان بموجبه تجاهل حقوق دول المنطقة.
في واشنطن، كانوا يقولون:«إن طريق القدس تمر عبر بغداد» للتعبير عن أن الفلسطينيين، المحرومين من دعم العالم العربي المذهول والمهزوم بفعل سياسات أنظمته، سوف يستسلمون لشروط أرييل شارون الذي دمر بصورة منهجية كل البنية التحتية للسلطة الفلسطينية قبل الانسحاب من غزة. بيد أن تدمير السلطة الفلسطينية من قبل إسرائيل قاد إلى فوز ساحق لحركة حماس في الانتخابات الديموقراطية التي جرت في فبراير 2006، وهي الحركة الإسلامية الراديكالية التي ترفض وجود إسرائيل.
وكانت الشراكة الأميركية-الاسرائيلية في حرب يوليو 2006 على لبنان، قد تحولت إلى ثلاث حروب متداخلة ومتشابكة مع بعضها بعضا: الحرب بين حزب الله وإسرائيل، والحرب من أجل مستقبل لبنان، والحرب الإميركية الإيرانية المتعلقة بإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط.
مع بدء الحرب، قالت كوندوليزا رايس: إن العالم يشهد مخاض ولادة شرق أوسط جديد، بيد أن هذه الفكرة بالذات ليست جديدة، وشيمون بيريز ليس صاحبها كما يعتقد كثيرون. المشروع لا يعني أن يندمج الكيان الصهيوني في المنطقة العربية ويصبح جزءا من المنطقة ومن تاريخها، إنما أن يصبح الكيان الصهيوني هو الرائد الأمني والعسكري والسياسي والاقتصادي.
هناك بعد آخر للفكرة أشد خطورة من البعد الجغرافي يتعلق بالانتماء والهوية. صموئيل ساندي بيرجر مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون يهودي وكان يتمتع بنفوذ واسع. في كلمة ألقاها في مقر«منبر السياسة الإسرائيلية» في واشنطن في أواخر التسعينات من القرن الماضي توقع أن تكون منطقة الشرق الأوسط في العشرين سنة التالية غير عربية، وأن الجيل القادم غير مؤهل لأن يحمل الهوية العربية، أي أن المنطقة العربية تتحول إلى منطقة شرق أوسطية لا هوية جامعة لها، والانتماء الثقافي والقومي يتحول الى انتماءات، وتكون إسرائيل مركزها ونواتها والمحرك الذي يحركها. أي أن مشروع الشرق الأوسط الجديد ليس بديلا لخريطة سايكس بيكو بالمعنى الجغرافي والحدود فحسب، إنما هي بديل بالمعنى الأشمل وهو الثقافي.
والواقع أن المتابع لتطور الأحداث التي شهدتها المنطقة منذ انطلاقة المقاومة عقب الغزو الصهيوني للبنان عام 1982، وإخفاق المفاوضات الإسرائيلية- السورية، وتقهقر الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بفعل ضربات المقاومة اللبنانية في مايو 2000، وانهيار مسار السلام الفلسطيني- الإسرائيلي، والإخفاق الأميركي المتمثل في الحرب على العراق، ومحاولات عزل وإحداث عدم الاستقرار في كل من سورية وإيران، كل هذه الاحداث المترابطة تؤكد حقيقة واحدة أن المقاومة أصبحت في نظر الادارتين الاميركية والاسرائيلية تشكل العقبة الأصعب تجاوزها لولادة شرق أوسط جديد أميركي- إسرائيلي، لذا التخلص منها مهما كلف الأمر. فكانت حرب يوليو 2006، لكنها فشلت ودفعت ثمن فشلها على كل المستويات.
إضافة الى ذلك، فالحرب الأميركية على العراق التي كانت تجسد في نظر المحافظين الجدد، العبور من الافكار التجريدية كال«كالشر» و«الديموقراطية» إلى مشروع ملموس من الفتح والاحتلال والتحول، والانتقال السريع الى دولة عراقية مستقلة ومستقرة وموحدة وعلمانية تكون نموذجا للديموقراطية في الشرق الأدنى، تحولت عوض ذلك، الى كارثة أودت بحياة آلاف الجنود وعشرات آلاف المدنيين، وهدمت قرى بكاملها وأعادت فتح طريق التعذيب من دون التوصل الى ضمان أمن المدنيين أو تزويدهم بالماء والكهرباء والغاز، وهكذا تحول مجتمع مهدم على وشك الوقوع في حرب أهلية وفق آراء كل المحللين المحايدين الى مصنع ضخم للإرهاب.
أما «مشروع الشرق الأوسط الكبير» الذي كان يهدف الى تطوير الديموقراطية في العالم العربي، فإنه لم يحمل أي مبادرات جديدة لتشجيع الإصلاح الديموقراطي الحقيقي، بل إن «إصلاح المنطقة» الذي تحتكره الولايات المتحدة من خلال مشروعها، اعتبرته الدول العربية انه«مفروض من الخارج» من دون استشارة مسبقة للمعنيين الرئيسين به، مما زاد الشكوك العربية بشأن رغبة واشنطن في فرض التغيير على العالم العربي، وتعتبر القوة المتنامية للأحزاب الإسلامية العنصر المفاجئ الأكبر الذي طرأ على رؤية إدارة الرئيس بوش لعملية استبدال الأنظمة الديكتاتورية بالديموقراطية.
فالشرق الأوسط الجديد الذي كانت تبشر إدارة بوش به كان ولا يزال مجرد فكرة، جوهرها استئصال النظم والقوى والافكار المعادية للسياسات الأميركية والصهيونية، وتمكين النظم والقوى والافكار المؤيدة لهذه السياسات، إذ ترى سياسة الولايات المتحدة الأميركية أن تحقيق السلام والاستقرار لا يمكن أن يتم إلا عبر خلق نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط يقوم على حطام السابق الذي كان هشا ومفبركا بدرجة غير قليلة، ومن خلال إحكام قبضتها كاملة على منطقة الشرق الاوسط في نطاق خلق نظام أمني ناجح تكون ركزيته إسرائيل، تدفعها إلى ذلك مثالية تحقيق سلام «المئة عام» الذي ساد في أوروبا من 1815 إلى 1914.
وكانت هذه الترتيبات الأميركية تريد خلق وقائع جديدة مع متطلبات المرحلة الراهنة التي يشهدها العالم، في محاولة لنشر قيم الليبرالية الاميركية في الشرق الاوسط، وهذه الوقائع السياسية تسيطر فيها الفئات الليبرالية العربية التي تملك قدرة أكبر على التكيف مع التحولات التي يشهدها العالم، والتي تمتلك قدرة أكبر لتلبية ما يحتاجه النظام الأميركي من بحث في أمن واستقرار منطقة الشرق الاوسط، بما يجعل النظام الاقليمي العربي أكثر الاقاليم اندماجا في النظام الدولي الجديد، على قاعدة ضمان واحترام الامن الأميركي، الإسرائيلي بالتلازم، ومتحولا بشكل كامل إلى الغرب الرأسمالي المسيطر عليه أميركيا، إذ ترسم الولايات المتحدة الأميركية الآن حروبها، واقعا تاريخيا جديدا للعالم العربي، باعتباره إقليما مملوءا بالثروات والمشكلات، لا يحتمل أن يبقى متروكا كما وصفه أحد أبرز المعلقين الأميركيين بأنه«مجموعة من قبائل صغيرة ترفع أعلاما متفاوتة الألوان».
إنها صدمة قوية، لقوة عظمى امبراطورية كانت تتفاخر على الدوام بالطريقة التي اتبعتها لدمقرطة ألمانيا واليابان بعد هزيمتيهما في الحرب العالمية الثانية، وبرؤيتها لاندثار أعتى الديكتاتوريات العسكرية والشيوعية في النصف الثاني من القرن العشرين، معتقدة أن فلسفتها السياسية ستفرض نفسها في كامل أصقاع الأرض بقوة النموذج أكثر منه بقوة السلاح، مكرسة بذلك نهاية التاريخ.
وعلى نقيض روما القديمة، التي كانت تفتح البلدان من دون رادع، إذ إن الآلهة لم تكن بالضرورة نموذجا للفضيلة، فإن روما الامبراطورية الأميريكية في أساسها أمة مسيحية تقوم بوظيفة رسالة تمدينية وديموقراطية للعالم. يقول دي توكافيل:«الدين يمتزج مع كل المشاعر التي يخلقها الوطن، وهذا يعطيه قوة خاصة».إن واحدا من المقومات الاساسية لأي إمبراطورية في العالم هي تسلحها بمشروع العمومية، أي القدرة على التعامل بالمساواة مع الأفراد والشعوب والأمم المختلفة، فقد كانت الثورة الفرنسية حاملة لمشروع العمومية، حين نادت بمبدأ الحرية للجميع، بينما عاملت الشيوعية التي تعتبر الايديولوجيا الاكثر عمومية بعد الثورة الفرنسية، جميع الشعوب المغلوبة بالتساوي، أما الولايات المتحدة الأميركية التي بشرت بمشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد، فهي تشهد تراجعا كبيرا في العمومية بوصفها إدراكا ووعيا ومشروعا يقوم على المساواة والعدالة والمسؤولية للعالم، إن العمومية مورد أساسي لكل دولة. سواء أكانت تسعى الى السيطرة وتنظيم الأمور في العالم العربي والاسلامي، أو تسعى إلى فعل ذلك في فضاء أوسع متعدد الإثنيات وإمبريالي.
إن ترجع العمومية وانحسارها داخل المجتمع الاميركي، يجعل إدارة الرئيس بوش تنظر الى العرب والمسلمين على أنهم ليسوا مخلوقات بشرية، كما أن الديمقراطية لم تعد من أولوياتها، ولهذا يشهد لبنان والعراق وغزة حروبا، تؤكد إخلاص أميركا لإسرائيل، الى جانب انتهاج واشنطن علاقة معادية شاملة مع العالم العربي، وبصورة أوسع مع العالم الإسلامي.
ومن الواضح في سياق كهذا، أن الهدف الرئيس الذي كانت تسعى اليه الولايات المتحدة من وراء الحرب الإسرائيلية السادسة على لبنان هو منح إسرائيل الفرصة كاملة لتدمير البنية العسكرية لحزب الله، ثم الاستدارة بعد ذلك لتصفية«حماس» وإسقاط حكومتها، وتشكيل تحالف دولي وإقليمي قابل لإغراء سورية بالانضمام إليه، يعمل على عزل إيران وتقليص نفوذها في المنطقة تمهيدا لتصفية نظامها إن أمكن، وهذه هو «الشرق الأوسط الجديد» الذي كانت أميركا تعتقد أنه سيولد من رحم الحرب اللبنانية.
* كاتب تونسي
أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني-23 جويلية 2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.