أثارت فتوى الدكتور يوسف القرضاوي، التي أباحت للمغاربة شراء سكن بواسطة قرض ربوي، جدلا واسعا خرج عن مجاله الفقهي ليتحول إلى "قضية" سياسية. وازداد الجدل حين اعتبرت يومية "الاتحاد الاشتراكي" الناطقة بلسان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المشارك في الحكومة المغربية أن الفتوى تسيء للمغاربة، وتجعل من المغرب "دار كفر" وأن القرضاوي تطاول بفتواه على "مؤسسة إمارة المؤمنين". بينما اعتبرت يومية "التجديد" الناطقة بلسان حركة التوحيد والإصلاح، والقريبة من حزب العدالة والتنمية (الإسلامي)، أن موقف الصحيفة اليسارية هو محاولة لاستعداء المؤسسة الملكية وعلماء المغرب. وفي موقف مفاجئ، دخل علماء المغرب على خط المواجهة، حيث أُعلن في المغرب أن "لجنة الفتوى في المجلس العلمي الأعلى ستعقد اجتماعا السبت للنظر في فتوى صدرت عن بعض علماء الشرق الأوسط، في شأن اقتراض المغاربة لغرض اقتناء السكن". ويتطلع الرأي العام المغربي إلى موقف لجنة الفتوى، الذي من المنتظر أن يتم الإعلان عنه رسميا السبت، بعد انتهاء اللقاء الذي سيعقد لوضع حد لمعركة سياسية بدأت تلوح في الأفق بين الإسلاميين واليساريين وخصوصا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يتهمه حزب العدالة والتنمية، بالوقوف وراء منع قيام بنوك إسلامية في المغرب، بعد أن رفض وزير المالية الاتحادي فتح الله ولعلو أكثر من مقترح في هذا الاتجاه. وكان الشيخ يوسف القرضاوي، الذي وصفه بيان علماء المغرب ب "أحد علماء الشرق"، قد قال بجواز الاقتراض الاضطراري من أجل السكن بالنسبة للمغاربة. ولم يتأخر الحزب الأول في الحكومة المغربية عن الرد على هذه الفتوى، فسارعت يومية "الاتحاد الاشتراكي" إلى نشر مقال على صدر صفحتها الأولى، لتؤكد من خلاله استياء "أوساط حكومية" من فتوى القرضاوي، مضيفة أنه أساء للمغرب والمغاربة" عندما لمح إلى أن التشريع المغربي تشريع علماني غير إسلامي". وقالت اليومية "إن مصادر حكومية اعتبرت أنه ليس من حق يوسف القرضاوي أن يفتي للمغاربة مع وجود هيئات مسئولة عن الفتوى موجودة في بلادنا وفي أمور هي من صميم الحياة الوطنية"، حسب تعبيرها. واستنادا إلى نفس المصادر، فإن الاستياء الرسمي تجاوز "المصادر الحكومية" إلى هيئات دينية رسمية أكدت أن "المغرب له مجلس الفتوى، كما أن جلالة الملك قد أنشأ لجنة للفتوى تهتم بالإفتاء في البلاد (...) وأن يوسف القرضاوي قد وضع نفسه فوق إمارة المؤمنين، معتبرة أن نشر فتواه على صفحات يومية "التجديد" "جرأة ما بعدها جرأة". وفي ردها على يومية "الاتحاد الاشتراكي" اعتبرت يومية "التجديد" الناطقة بلسان حركة التوحيد والإصلاح، أن يومية الصحيفة اليسارية "أرادت أن تلعب دورا قذرا للإيقاع ليس فقط بين القرضاوي وأهل العلم بالمغرب، ولكن لاستعداء أمير المؤمنين على هذا الرجل العالم" حسب تعبيرها. مضيفة أن المصادر الحكومية التي أشارت إليها اليومية والتي ربما أحرجتها فتوى القرضاوي، تتعلق بالوزير الاتحادي فتح الله ولعلو "فقد سبق لوزير المالية أن وقف بقوة ضد المصارف الإسلامية بالمغرب. وقد اعتبر والي بنك المغرب "حل المشكلة المالية، يكمن في رفع سقف الادخار، وهو ما يعني الاستفادة من ادخار المغاربة الذين لا يتعاملون مع البنوك الربوية إلى السوق النقدية" كما تقول يومية "التجديد"، ذات التوجه الإسلامي. واعتبرت فتوى القرضاوي "ذات نَفَس اجتماعي من فقيه أراد أن ينفس كربة الناس، في الوقت الذي يعجز فيه الوزير الاشتراكي عن إبداع حلول اجتماعية للمساكين الذين لم يستطيعوا بسبب سياسته الاقتصادية التفقيرية أن يحلموا مجرد الحلم بمسكن يصرفهم عن ابتزاز المالكين". ولمنع تطور الجدال بين الطرفين، والحسم في الفتوى من وجهة نظر فقهية صرفة، قررت لجنة الإفتاء التي عينها العاهل المغربي محمد السادس والتابعة للمجلس العلمي للإفتاء، أن تعقد اجتماعا طارئا السبت للنظر في الفتوى التي تبيح للمغاربة الاقتراض من البنوك الربوية اضطرارا للحصول على سكن، استنادا إلى فتاوى سابقة أباحت نفس الأمر بالنسبة للمسلمين المقيمين في دول غير إسلامية.