أسفرت الانتخابات البرلمانية التي أجريت بالنمسا يوم أمس عن مفاجأة لم تكن في الحسبان بفوز حزب الاشتراكيين الديمقراطيين؛ الذي أصبح أكبر حزب في البلاد، فيما تدحرج الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم الذي ينتمي له المستشار "فولغانغ شوسيل" للمرتبة الثانية. قليلون فقط توقعوا هذه المفاجأة سيما وأن الاشتراكيين كانوا يواجهون واحدة من أكبر الفضائح السياسية في تاريخهم. منذ شهرين فقط افتضح أن مصرف "باواك" التابع لاتحاد نقابات العمال اليساري قد خسر بضع بلايين يورو في مضاربات خاسرة على الأسهم، وقد اعتبرت الأوساط السياسية في النمسا تلك الفضيحة إيذانا بالهزيمة المؤكدة للاشتراكيين. استطاع الحزب الاشتراكي الديمقراطي الفوز ب 35,7 %، في حين خسر حزب الديمقراطيين المسيحيين أكثر من 8 % من الأصوات بنتيجة لم تتعد 34,2 % ، وتراجع بسببها إلى الصف الثاني، مما يعتبر هزيمة مريرة للمستشار "شوسل". :"إنها هزيمة عظمى، فقد خسرنا مئات الآلاف من الأصوات. يجب أن نبحث عن الأخطاء التي ارتكبناها منذ الانتخابات البرلمانية السابقة قبل أربعة سنوات". قد تكون الهزيمة عقابا له على سياسته المتعجرفة خلال السنوات الأربع الماضية 2002، فقد شكل ائتلافا حكوميا مع السياسي الشعبوي اليميني المتطرف المعروف "هايدر" بالرغم من أن الأغلبية كانت ضد هذا القرار. كما أنه أقدم على تعيينات غير شعبية مرات عديدة, واتخذ بعض الإجراءات دون أي اعتبار لرأي الشعب. عندما كان الاشتراكيون منشغلين بطرح قضايا اجتماعية، كان المسيحيون الديمقراطيون واثقين من تحقيق النصر عبر التذكير بفضيحة البنك و عبر وجه "شوسل" البارد، ويبدو الآن أنهم كانوا مخطئين تماما. يبدو وأن كل شيء يقود في اتجاه مستقبل حكومي من ائتلاف اشتراكي - مسيحي ديمقراطي، يقوده زعيم الحزب الاشتراكي ألفرد غوسنباور. وبالرغم من أن جوسباور الذي لا يتجاوز عمره 46 سنة، يتمتع بخبرة إلا أن الكثيرين ينظرون إليه فقط كحزبي شديد الولاء لحزبه. لكن المستشار "شوسل" الذي يتمتع هو الآخر بتاريخ سياسي طويل كان ممثلا أيضا، فقد اعتبر دائما بيروقراطيا باردا يمكن من تحقيق سمعة طيبة لنفسه بمنصب المستشار. وبالرغم من أن سياسيي الحزب المسيحي الديمقراطي ليسوا بعيدين عن سياسيي الحزب الديمقراطي الاشتراكي كثيرا في أغلب المجالات، إلا أن الائتلاف قد يبدو غريبا. منذ ائتلاف شوسل مع هايدر في العام 2000، لم يعد الجو السائد بين الحزبين يتسم بالدفء والتفاهم. يبدو أن شوسل، سيستقيل كزعيم للحزب عاجلا أم آجلا. تقول مصادر مقربة:إن احتمال تقليده لمنصب نائب المستشار في الحكومة الجديدة يعتبر ضعيفا للغاية، وفقا لعديد من المصادر الجيدة الاطلاع. كما أن أشهر سياسي نمساوي في البلاد وخارجها لم يتمكن من الاحتفال أمس، حزب يورغ هايدر الجديد تجاوز العدد الأدنى للأصوات اللازمة بنسبة 4 % غير أنه ليس مستحيلا بعد العد النهائي للأصوات أن يختفي الحزب وقائده سويا من البرلمان. شيء واحد يظل مؤكدا: إن ظاهرة هايدر التي طبعت لزمن طويل السياسة النمساوية تتحول ببطء لكن بكل تأكيد إلى شيء من الماضي. إنه تباين حاد بالمقارنة مع بضعة سنين مرت، ففي العام 1999، حقق حزب الحرية الذي يتزعمه هايدر انتصارا ساحقا بما يزيد عن 27 % من الأصوات ثم أصبح جزءا من الائتلاف الحاكم، أدى ذلك إلى نشوب مظاهرات ساخطة في العالم كله. أصبح هايدر نموذجا للسياسي اليميني الناجح، وكان سياسيون أوربيون مثل بيم فورتاون و فيكتور أوربان، يفتخرون لكونهم يقارنون به. يبدو أن مخاوف شوسل من تراجع شعبيته بسبب تحالفه في الحكومة مع هايدر، كانت في محلها. وبالرغم من تشديد سياسة اللجوء، فإن ذلك لم يؤد إلى تغيير أساسي في السياسة النمساوية. بعد ذلك، كانت النمسا لا تزال تعتبر دولة معتدلة وموثوق بها داخل الاتحاد الأوروبي. لم يكن وزراء حزب الحرية الذي يتزعمه هايدر يتمتعون بشعبية فائقة، لكنهم لم يعتبروا نشازا في السياق السياسي الوطني الأوروبي العام. انتقد الجناح المتشدد في الحزب المواقف المعتدلة للحزب في الحكومة و أقدم هايدر على تحول ملحوظ وانسحب من الحزب مصحوبا بأغلب وزرائه وبرلمانييه وأنشأ حزبا جديدا خاض به الانتخابات. لم يرحب مناصروه بهذه الخطوة. وبينما يحصل حزب هايدر على 4،2 % فقط من أصوات الناخبين، فاز هاينز كريستيان ستراش، الزعيم الجديد لحزب الحرية ب 11% من الأصوات ببرنامجه المتطرف في معاداته للأجانب. مات الملك، عاش الملك! لقد أعرب كل من الاشتراكيين و المسيحيين الديمقراطيين على عدم استعدادهم المطلق للتعاون مع ستراش. ميشيل دي فيرد إذاعة هولندا العالمية ترجمة كريمة إدريسي