لا حديث في تونس هذه الأيام سوى عن الانتخابات الليبية التي تجري على التخوم الشرقية لأرض الخضراء. فالتونسيون بصدد انتظار نتائج هذه الانتخابات على أحرّ من الجمر نظراً للترابط الكبير بين الشعبين وتأثير ما يحصل هنا على ما يحصل هناك والعكس صحيح. فإذا كانت الجزائر هي الأقرب روحيا وعاطفيا للتونسيين، فإن ليبيا هي البلد الذي لا غنى عنه لعيشهم نظراً لما تحقق بين البلدين من شبه تكامل الاقتصادي واندماج في مراحله الأولى. فما ينقص تونس متوافر لدى ليبيا، والعكس صحيح، وهو ما يفسر ازدهار التجارة البينية بين البلدين والانصهار بين أبناء الجنوبالتونسي والشعب الليبي اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. وهو ما يفسر أيضا انتفاضة الشعب الليبي على نظام القذافي أسوة بجاره التونسي الذي انتفض على نظام بن علي. توقعات ويعتبر هذا الاقتراع الأول في ليبيا منذ نهاية ستينيات القرن الماضي، تاريخ الاطاحة بالملكية واعتلاء القذافي سدة الحكم حيث ألغيت الانتخابات وأحدثت اللجان الثورية التي تدور في فلك القذافي والتي عهدت لها مهمة تسيير البلاد طيلة قرابة العقود الاربعة ولم يعرف فيها الشعب الليبي سوى معمر القذافي ونظامه. وتوقع المراقبون في تونس قبيل انطلاق عمليات الاقتراع فوزاً ساحقا للإخوان المسلمين على حساب القوى الليبرالية نظرا لحداثة عهد هذه الأحزاب. فالقذافي منع أي تواجد للأحزاب السياسية واعتبرها رمزا من رموز التخلف وعهود الجمهوريات التي سيكون مآلها الزوال لأن العصر بحسب رأيه هو عصر الجماهيريات. في حين أن الاخوان المسلمين متواجدون على الساحة منذ وقت بعيد ونشطوا في سرية زمن حكم القذافي وهم متمرسون أكثر من خصومهم على العمل السياسي يساندهم نظراؤهم في تونس ومصر ويقدمون لهم كل أشكال الدعم المادي والمعنوي. ويأتي في هذا الاطار تسليم البغدادي المحمودي من قبل السلطات التونسية للسلطات المؤقتة الليبية لدعم حاكم طرابلس العسكري عبد الحكيم بلحاج ذي التوجهات الاسلامية بحسب كثير من المحللين. نتائج أولية لكن النتائج الأولية يبدو أنها ستكذب التوقعات حيث تفيد الأنباء الواردة من طرابلس بتقدم الليبراليين في أكثر من دائرة انتخابية تم فرزها إلى حد الآن، وهو أمر إن تأكد مع الاعلان عن النتائج النهائية سيزعج جيران ليبيا شرقا وغربا، أي تونس والقاهرة، اللتين نجح الاسلاميون فيهما في الوصول إلى السلطة. لكن الأمر سيكون بخلاف ذلك بالنسبة للجزائر التي يخشى نظامها الجماعات الاسلامية في المنطقة التي إن تمكنت من بسط نفوذها على منطقة الشمال الافريقي ستسعى لمساندة من يقاسمونها ذات التوجهات في الجزائر وزعزعة أركان أهل الحكم. لذلك فإن النظام الجزائري هو أبرز الرابحين من فشل وصول الاسلاميين إلى الحكم في ليبيا فيما إسلاميو تونس ومصر سيكونون حتما أبرز الخاسرين. فنجاح ليبراليي ليبيا سيعطي دفعا معنويا لنظرائهم في تونس ومصر على العمل للفوز بالانتخابات القادمة في كلا البلدين، وهم الذين كانت نتائجهم هزيلة جداً خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة في كلا البلدين، وتلقوا ضربات قاصمة وباتوا ينعتون في تونس على سبيل المثال بجماعة "الصفر فاصل" في إشارة إلى الأرقام التي حققوها خلال الانتخابات. وسيلقى بالتأكيد ليبراليو تونس ومصر دعما من النظام الليبي الجديد إن نجح الليبراليون في الانتخابات الليبية وشكلوا حكومتهم التي من المرجح أن تضم بعض معارضي القذافي في المنافي المتشبعين بالفكر الغربي والذين عاشوا لعقود في كبرى عواصم صنع القرار، واتهم بعضهم بالعمالة لجهاز الاستخبارات هذا أو ذاك. أما إذا فاز الاسلاميون في ليبيا فإن حظوظ حركة النهضة في تونس ستتدعم خلال الانتخابات القادمة وستتشكل جبهة إخوانية قوية تسيطر على شمال القارة السمراء لأن ليبيا هي همزة الوصل بين مصر وتونس، ويرغب النظامان في أن تكون همزة الوصل تلك مندمجة ومتجانسة فكريا وإيديولوجيا مع ما يؤمنان به من أفكار، وهو ما يتم تداوله في كواليس حركة النهضة وبين أنصارها المتطلعين بأنفاس محبوسة إلى ما يحصل في ليبيا في انتظار ما ستفرزه صناديق الاقتراع. خشية لكن ما يخشاه جيران ليبيا وكذا الليبيون هو أن لا يتم احترام إرادة الشعب الليبي ويحصل تزوير في الانتخابات يزيد من حالة الفوضى التي تعيشها البلاد في ظل انتشار المظاهر المسلحة والميليشيات التي لم تسلم سلاحها بعد إلى السلطة، وفي ظل عدم تمكن السلطة المؤقتة من السيطرة على حدود البلاد الشاسعة والمترامية الأطراف حيث يمكن أن يلج كل من هب ودب التراب الليبي خصوصا من الأماكن المتاخمة لدول إفريقيا جنوب الصحراء. فحالة الفوضى إن استمرت ستؤثر سلبا على استقرار المنطقة ولا يوجد بلد مغاربي يرغب، ومن منطلق مصلحي، في استمرار حالة الفوضى في ليبيا. لذلك فإن الشعب التونسي الذي يعيش أزمة سياسية وتنازعا في الاختصاصات بين رئيس بلا صلاحيات وحكومة "تغوّلت" على كل شيء حتى على أصل السلطات في البلاد المجلس الوطني التأسيسي، وضع أزماته ومشاكله السياسية جانبا وإلى حين، بانتظار ما ستفرزه صناديق الاقتراع في بلد جار يجمعه بالتونسيين أكثر من رابط. -صحيفة الانتقاد اللبنانية - 10 جويلية 2012