رغم ان ثورة تونس لم تكن تماما ثورة جوعى وفقراء اذ التحقت بها طبقات عديدة من المجتمع كانت تشكو من سلبيات حكم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بقبضة من حديد، الا ان الاستياء من الوضع المعيشي هو ما بدأها، وهو ما تواجهه الحكومة اليوم. مرت في الثالث والعشرين من أكتوبر / تشرين الاول الجاري الذكرى الاولى للانتخابات التونسية التي انبثق عنها مجلس تأسيسي وحكومة مؤقتة. ملامح مستقبل تونس السياسي بدأت تتشكل مع الاعلان عن ان الانتخابات البرلمانية المقبلة ستجرى في يونيو/ حزيران القادم وان النظام السياسي سيكون مختلطا يجمع بين الرئاسي والبرلماني. المجلس التأسيسي شرع ايضا في مناقشة مسودة الدستور الجديد للبلاد. لكن الصورة ليست هادئة ولا وردية في تونس، فاحزاب المعارضة قاطعت الجلسة الاحتفالية للبرلمان التي انعقدت في الذكرى السنوية لانتخابه احتجاجا على الاداء السياسي للحكومة والطريقة التي تدار بها البلاد. وانتشرت في الشوارع قطعات الجيش لتأمين الاماكن العامة كالمطار والسفارات الاجنبية الرئيسية خوفا من اي توتر شعبي. خلف كل هذا يكمن التحدي الاكبر الذي تواجهه تونس، الا وهو الوضع الاقتصادي الهش. لن ينسى العالم ابدا ان ما اصبح يعرف الان في الادبيات السياسية بالربيع العربي بدأته ثورة تونس. وثورة تونس أشعلها محمد البوعزيزي البائع المتجول الذي اشعل نفسه احتجاجا على تردي الوضع الاقتصادي في سيدي بوزيد وهي واحدة من افقر مناطق تونس. ورغم ان ثورة تونس لم تكن تماما ثورة جوعى وفقراء اذ التحقت بها طبقات عديدة من المجتمع كانت تشكو من سلبيات حكم نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي حكم البلاد بقبضة من حديد، الا ان الاستياء من الوضع المعيشي هو ما بدأها، وهو ما تواجهه الحكومة اليوم. تجولت في سوق شعبية في تونس العاصمة، وتعمدت ان اوجه معظم اسئلتي الى المرأة التونسية لأنها هي التي تدبر امور المنزل وهي اول من يحس بآثار الوضع المعاشي. جائني الجواب من معظم من سألتهن باللهجة التونسية، "برشة غالية الدنيا"، أي ان الاسعار مرتفعة وان كلفة المعيشة مرتفعة. حتى المتفائلون من الداعين لاعطاء الحكومة فرصة اقروا بصعوبة الوضع المعاشي. من جانبها، تقول الحكومة إنها حققت نسبة نمو بلغت 3,5 بالمائة، ولكن ماذا يعني ذلك للتونسي البسيط؟ طرحت هذا السؤال على رئيس المكتب لسياسي لحركة النهضة الحاكمة عامر العريض الذي قال لي إن الحكومة صادقة في وعودها مع الشعب وفي الملف الاقتصادي بالتحديد هي تعمل بجد من اجل تحسين الوضع. وقال إن الحكومة ورثت اوضاعا مزرية من آثار سياسات النظام السابق، وان الاصلاح الاقتصادي سيأخذ وقتا حتى يلمسه المواطن العادي لان ما تهدم في عقود لايمكن اصلاحه في سنة واحدة. وأقر العريض بانه غير راض عن الوضع الاقتصادي، بل ان الحكومة نفسها ليست راضية، لكنه اكد ان تونس تتقدم بالاتجاه الصحيح. مما لا يمكن نكرانه ان الحكومة الحالية حكومة منتخبة من الشعب، تقودها حركة النهضة ذات المبادئ والتوجهات الاسلامية ومنها رئيس الحكومة حمادي الجبالي والوزراء الرئيسيون. ولكن النهضة تحكم بالمشاركة مع حزبين علمانيين هما المؤتمر من اجل الجمهورية بزعامة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي والتكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات بزعامة رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر. في الذكرى السنوية لانبثاق هذه الحكومة تبارى قادتها لتعداد انجازاتها، حيث اكدوا ان الاقتصاد بخير وفي طريق التعافي بل ان احد الوزراء وصف نسبة النمو التي حققتها الحكومة بالمعجزة. من المفارقات ان الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك وصف تونس تحت حكم بن علي يوما بالمعجزة الاقتصادية، وكانت تلك واحدة من اكثر التصريحات السياسية اثارة للجدل. التونسيون الذين حدثتهم هنا لا يؤمنون بمعجزة ذلك الزمان ولا هذا، المعجزة الوحيدة التي يفخرون بها هي الثورة التي فجروها وفاجئوا بها حتى انفسهم وامتد تاثيرها بعيدا جدا عن حدودهم، ثورة تواجه اليوم تحديات الاقتصاد في هذا المرحلة الانتقالية المهمة من تاريخها. بي بي سي -تحديث: الأحد، 28 أكتوبر 2012