في مصر هناك حرب شرسة ضد الفنانات المحجبات، والاحتجاج ضد منع عرض مسلسلاتهن في شهر رمضان، كان عالي الصوت لكن بلا صدى. يعتبر البعض أن ارتداء المرأة للحجاب عبارة عن تفرقة بين طائفة وأخرى! والمضايقات مستمرة ضد المتحجبة. وفي تركيا، هناك عودة للحجاب والحشمة رغم اعتراض الليبراليين- الذين يعتبرون تركيا جزءاً من أوروبا- لدرجة أن مصمم أزياء تركي عكف على تصميم زي للبحر خاص بالمحجبات. والغريب أن كل من يشنّ حملة ضد الحجاب كان محسوباً على حركات تحررية عريقة، تنادي بضرورة احترام الحريات وأولها الحرية الشخصية. ما هذا التناقض الفج؟ ما الفرق بينهم وبين العامة وهم النخبة المثقفة وكانوا من أصحاب الفكر المستنير الذين يعول عليهم المجتمع في النهوض بالعمليات التنموية نحو الأمام. فالحجاب ليس غطاء للعقل كما يروجون، وليس شكلا دينيا صرفا، فقد تحول إلى عادة، وإلى فرصة اختباء من وضع اقتصادي قاهر. فالعرف الاجتماعي في صعيد مصر على سبيل المثال، يلزم المرأة بتغطية رأسها حتى وإن كانت فتاة صغيرة، وهذا قياس ينطبق على المجتمعات الخليجية والعربية عموماً. وكان دائماً فرصة لوقار المرأة، حتى أن المسيحية التي تذهب لحضور جنازة تغطي رأسها بوشاح أسود دلالة على مشاركة وحزن. وماذا عن حجاب الراهبات في مختلف الطوائف المسيحية؟ لماذا يتكلم هؤلاء ضده وادعوا أن الراهبة تفقد عقلها إنْ التزمت بزي الراهبات؟ كلها مسوغات فارغة وبعيدة عن الحقيقة والمنطق، فالأمر في أوله وآخره حرية شخصية مطلقة، ويتنافى رفضه مع كل دعوات الاحترام الإنساني مهما قل شأنه أو كثر. هل الحجاب وحش يمكن أن ينقض على المارة إنْ أسدلته المرأة واحترمت عفتها؟! هل تحول الالتزام بأوامر المشرع الإلهي الأعظم إلى نوع من الخروج عن الفعل الإنساني البسيط؟ والمضحك هو الحوار الذي ساد ويسود في أوساط هؤلاء مدعي التحرر، بأن الإسلام لم يفرض الحجاب إلا على أمهات المؤمنين، وهو حوار يكاد يهترئ من كثرة ما تداول منذ عقود مضت وما زال حديثا مستمرا. لماذا لا يكون حرية شخصية صرفة عن أية اعتبارات أخرى، وإنْ كانت الاعتبارات متعلقة بالتصديق بإجماع الفقهاء بالحجاب على اختلاف مشاربهم الفقهية؟ معيب جداً ما يحدث، ومخزٍ لدرجة أن الأدعياء باتوا يعيثون الفساد ويشنون حرباً، لسنا في حاجة لها، ولا تعني إلا مضيعة وقت وجهد، ويعني جهلاً صريحاً وفكراً منقوصاً وشعارات تافهة، لم تعد تعكس حقيقة فكرهم الضيق. هل لابد من امرأة متبرجة، مسلمة، مستغلة كدمية؟ أزعم أن أول أولويات تحرير المرأة احترام كونها إنساناً بالحجاب أو من دونه، وبالتالي احترام قراراتها الخاصة بها التي تعني أن هناك فكراً ملتزماً، حري بالاحترام مهما كان اختلافنا. ولعل هذا ما ينقص احترامنا للآخر، وهو الفعل الثقافي الأصدق على الإطلاق. *