هل تذكرون هذه الكلمات؟ لم أعد أذكر اسم الشاعر .. لكننا تغنينا بها سنوات طويلة بعد أن أصبحت أغنية تبث من الإذاعات العربية، وما عادت أي إذاعة عربية تبث أغنية قومية أو وطنية أو «فلسطينية» مخافة أن تتهم بأنها تحض على الكراهية وتدعو إلي العنف، وهي بالتالي آداة من أدوات تأجيج الأحقاد وتشجيع الإرهاب. هذه الأغنية القصيدة لم تخرج إلى النور بعد هزيمة حزيران/ يونيو 1967 بل ولدت بعد نكبة العرب وهزيمتهم الأولى في 1948 والثأر فيها ليس ثأرا «للأراضي العربية المحتلة» وكانوا يعنون بها الجولان وسيناء وغزة والضفة الغربية - بل هو ثأر لكل شبر اغتصب من فلسطين ، وكل دم حر أبي أريق على تراب فلسطين. يالهزيمتنا وانكسارنا وذلنا وهواننا على الناس .. لم نعد نجرؤ على إنشاد الأشعار وسماع الأغنيات .. هل تذكرون متى استمعتم إلى «أخي جاوز الظالمون المدى» و «ياقدس يا حبيبة السماء» و «زهرة المدائن» و «أحلف بسماها وبترابها» و«خلي السلاح صاحي» و «والله زمان يا سلاحي» و «سأحمل روحي على راحتي»؟ هل تذكرون متى قرأتم قصيدة عن القدس أوعن حقنا في فلسطين؟ آخ يا أمتي ... آخ يا فلسطين .. يا جرحًا يرفض أن يندمل .. ياعرقًا يأبى أن يتوقف عن النزيف .. آخ يا ثأرا امتزج مع النبض فصار للقلب نبضًا وصار للعروق دما .. وصار للعقل فكرًا .. وصار للروح معني.. أقلقني سنوات طوالاً - وما هدهدته لينام .. لأنه عصي على النوم والموت .. لن ينام ولن يموت، ولو سخر الذين باعوا الضمائر والعقول والنفوس قبل أن يبيعوا الأرض والحقوق بدريهمات قليلة، أقل من ثلاثين من فضة. يستوي في هذا الكاتب الذي امتهن البغاء الصحفي والأدبي ويلوث يوميا شرف الحرف والكلمة والحبر والورق و«عبد الذهب» الذي لا يهمه من أين يأتي الكسب ولو كان على حساب شرف أمه وأمته، والذي نصب نفسه أو نصبه أزلامه زعيمًا ليتاجر بفلسطين - والمتشدق بالواقعية الذي لايمانع في مساكنة من اغتصب أخته. لن ينام الثأر وإن طال مداه. نحلم؟! ولم لا؟ وهل كان نور الدين زنكي وصلاح الدين إلاحالمين؟ وهل كان الثوار في كل مكان في العالم سوى حالمين بالحرية والحق والعدالة؟ وهل كان «غيفارا» سوى حالم كبير؟ لن ينام الثأر .. تخلي عنه الحكام وباعوه رخيصًا .. قتلوه في صدورهم، أو هو لم يكن ثأرهم .. إنه ثأر المتبعيين الفقراء الشرفاء .. وما سمعت يومًا بمن يكنز الذهب ويقاتل .. أسكتوه .. وحاولوا قتله في صدور الناس، ولكنهم خسئوا فالناس مازالوا مؤمنين بالثأر .. ولايصدقون الحكومات ولايسيرون معها، وانظروا إلى شعب مصر العظيم.. وانظروا إلى الشرفاء في لبنان كيف قاتلوا .. وانظروا إلى الشرفاء في العراق. إن الذين باعوا ويبيعون الشرف والكرامة كثيرون، وأكثر منهم من يرفضون بيع الشرف وماذا يبقى من الرجال إن باعوا شرفهم وأرضهم وعرضهم تبقى الكنوز والمكاسب الرخيصة؟ ومن يذكر أصحاب الكنوز والذين يتمسحون بأعتاب البيت الأبيض ويحجون إليه؟ من سيحترم الذين يحرصون على صداقة أولمرت (وأي سفاح إسرائيلي) أكثر مما يحرصون على صداقة شعوبهم؟ احلموا أيها الشرفاء .. وعضوا على حلمكم بالنواجذ .. واحرصوا على ألا ينام الثأر أورثوه لأولادكم ليورثوه لأولادهم .. وخلّوا الجرح ينزف. اعصبوا على الجرح ملحا ليؤلمكم.. لاتتخلوا عن الحلم والثأر .. فهما الحياة وهما الكرامة وهما المصير. أقيموا للثأر صروحًا في بيوتكم .. وفي عقولكم .. وفي نفوس صغاركم .. لا تعمد هدوه كي لاينام .. ولاتصدقوهم فكل ما يقولون إفك وبهتان .. تمسكوا بثأركم .. واجعلوه كتابكم .. وبوصلتكم وسيأتي يوم تنهض فيه هذه الأمة من «كبوتها» فتجرف كالسيل كل غثاء، وتحقق ثأرها. *أرسل هذا المقال الى الوسط التونسية من قبل الصديق التونسي الفاضل عز الدين من فرنسا فله من ادارة الوسط جزيل الشكر والتقدير وستقوم الوسط التونسية باهدائه رائعة محمد عبد الوهاب "أخي تجاوز الظالمون المدى" كعربون وفاء منها على رسالته القيمة والمفعمة بمشاعر الصدق لرئيس تحريرها : وصلة الأغنية المقال بقلم نزار عابدين. *