علي الرغم من الهجمات التي تعرض لها عمال النفط في الجزائر مؤخرا، والمتاعب التي واجهتها الحكومة بعد الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، فان الطلب المتزايد علي النفط والغاز الطبيعي سوف يدفع الشركات الأجنبية لتحمل المخاطر والبقاء في هذا البلد الغني بالنفط والغاز. في العاشر من الشهر الجاري هاجمت مجموعة مسلحة حافلة تقل عمال نفط أجانب يعملون لدي شركة براون أند روت كوندور ، وهو مشروع مشترك مع شركة النفط الوطنية الجزائرية (سوناطراك) والشركة الامريكية العالمية العملاقة كيلوغ. ومن المعروف أن لدي شركة براون أند روت كوندور خبرة كبيرة في العمل في مناطق تشهد اضطرابات أمنية خطرة مثل كوسوفو والعراق وأفغانستان. بعد الهجوم أعلنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر مسؤوليتها عن الهجوم والذي أسفر عن مقتل جزائري وهو سائق الحافلة وجرح 8 من العمال الأجانب وجزائري آخر. وسارعت الحكومة الجزائرية الي تشديد الرقابة علي الشركات النفطية الأجنبية وفرضت حراسة أمنية علي الحافلات التي تنقل عمالها الأجانب. وجاء الهجوم بعد أكثر من شهر ونصف من انفجار شاحنتين مفخختين خارج مراكز للشرطة في الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية قتل فيها ثلاثة أشخاص وأصيب 20 آخرون بينهم 14 شرطيا. علي الرغم من أن الهجوم استهدف عمالا أجانب فان محللين قالوا بأن الوضع الأمني لن يؤثر بشكل كبير علي عمل شركات النفط والغاز في الجزائر أو علي انتاج هاتين المادتين علي المدي البعيد. وأضاف هؤلاء بأن هذه الشركات أثبتت قدرتها علي العمل في ظروفٍ خطرة، لكنها قد تطالب بشروط أفضل من أجل استئناف العمل في مثل هذه المناطق. وقال المحلل في مجموعة يوراسيا في الشرق الاوسط وافريقيا جيوف بورتر انه من المرجح أن تبقي الجزائر موردا رئيسيا للهايدروكاربون، مشيرا الي أن ذلك سوف ينطبق علي الغاز أكثر من النفط، مؤكدا علي الدور الذي سيظل يلعبه البترول في المستقبل. وأضاف بورتر لا أعتقد بأن هجوما واحدا سوف يغير بشكل أساسي نشاط هذه الشركة في الجزائر ، لكنه قال اذا استمرت مثل هذه الهجمات فان بعض الشركات سوف تبحث عن استثمارات بديلة . في سياق ذي صلة، قال البروفوسور جان روبرت ليغري فيلوكس من جامعة سانت لويس وهو اختصاصي في الارهاب الدولي والشرق الأوسط ان شركات النفط تستخدم البيئة الجغرافية الطبيعية من أجل حماية نفسها من الهجمات التي قد تتعرض لها. وأوضح فيلوكس ان المنشآت النفطية بعيدة عن مراكز التجمع السكاني حيث تنشط العناصر الثورية ، مشيرا الي أنه في حرب الاستقلال وخلال الحرب الأهلية وفرت لهذه المنشآت درجة معينة من الحماية . وتابع انه علي الرغم من بعد هذه المنشآت عن أماكن الكثافة السكانية الا أن عمال النفط الأجانب في الجزائر لا يزالون عرضة للخطر، لافتا الي أن الكثير من الشركات الخاصة لا تزال تعمل في العراق، متوقعا أن يرتفع سعر الانتاج تبعا لذلك. وحسب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) تعد الجزائر من الدول الرئيسية المصدرة للنفط ولديها أكثر من 12 ألف مليون برميل من احتياطي النفط المؤكد ما يجعلها ثالث أكبر دولة في أفريقيا من حيث انتاج النفط بعد ليبيا ونيجيريا والثانية عشرة علي مستوي العالم. وقفزت كميات النفط التي صدرتها الجزائر بنسبة 23% في عام 2003 و 21% في عام 2004، وارتفعت كمية انتاج النفط العام 2006 الي 1.4 مليون برميل يوميا وتسعي الي بلوغ مليوني برميل يوميا العام 2010، فيما بلغ انتاجها من الغاز أكثر من 62 مليار متر مكعب سنويا مع سعيها الي بلوغ 85 مليار متر مكعب مطلع 2010. وحققت شركتها للمحروقات (سوناطراك) التي تسيطر علي قطاع النفط في البلاد وتحصل علي أكبر نسبة في أي عقد تبرمه مع الشركات النفطية العالمية عوائد قياسية بلغت 45.6 مليار دولار العام 2005، وهي تتوقع أن تصل عوائدها 50 مليار دولار بنهاية العام الجاري. وتعتمد الجزائر في تحريك اقتصادها الوطني علي مداخيل النفط والغاز التي تشكل قرابة 98 في المئة من عوائدها من العملة الأجنبية. وفي اشارة الي الحركات الاسلامية المتطرفة قال فيوليكس لا شك أن تقويض الاقتصاد يعد أحد الأهداف. ان وجود اقتصاد مستقر يعد أمرا ضروريا بالنسبة للجزائر اذا أرادت استعادة عافيتها بعد الفوضي التي تسببت بها الثورة . وأضاف بأن الاسلام الراديكالي لا يزال قوة فعالة وهو لا يزال يحلم في اقامة دولة اسلامية في الجزائر، وهو لم يتخل عن العنف علي الرغم من أن ذلك كلفه خسارة جزء كبير من شعبيته . وأسفرت الحرب الأهلية في الجزائر عن مقتل أكثر من 150 ألف شخص وخسارة نحو 30 مليار دولار وأعادت البلاد الي الوراء لحوالي عقد من الزمن بعدما ألغت السلطة بدعم من الجيش نتائج الانتخابات التشريعية العام 1992 التي فازت بدورها الأول الجبهة الاسلامية للانقاذ المحظورة حاليا. أصبحت الجزائر أكثر استقرارا بعد اقتراح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ميثاق السلم والمصالحة الذي يمنح عفوا كليا في حالات وجزئيا في حالات أخري للمسلحين وعرضه علي استفتاء شعبي في 29 سبتمبر-أيلول عام 2005 والذي حاز علي تزكية 97 في المائة من الناخبين الجزائريين. الا أن الجماعة السلفية كبري الجماعات المسلحة في الجزائر التي يقودها عبد الملك دروكدال (36 عاما) والمدعو أبو مصعب عبد الودود أعلنت رفضها للميثاق وجددت مواصلتها للحرب ضد الحكومة. قال فيوليكس الكثير يرون بأن برنامج العفو الذي أعلنته الحكومة هدفه حماية أولئك الذين ارتكبوا فظاعات بدعم من الحكومة خلال مواجهتهم للاسلاميين . لكن بورتر قال ان الوضع الأمني يعتمد علي قوات الحكومة علي الأرض، وهذه ليست لديها الخبرة التي اكتسبها أولئك الذين قاتلوا خلال الحرب الأهلية . من جانبه قال مدير الأمن الوطني العقيد علي تونسي ان القوات الحكومية في أيد كفوءة . يقيم تونسي علاقات قوية مع قوات الأمن الاميركية في الولاياتالمتحدة وأوروبا ويمتلك خبرة واسعة في وسائل مكافحة التمرد. وأضاف فيولكس الكثير سوف يتوقف علي مدي فعالية القيادة السياسية خلال العقود المقبلة. هل بالامكان جعل البيروقراطية فعالة و تقليص الفساد بدرجة كبيرة؟ هل بالامكان خفض مستوي البطالة علي الرغم من ازدياد معدل النمو السكاني؟ هل بامكان القيادة (الجزائرية) العمل مع الاتحاد الأوروبي؟ هل سيحصل البربر علي قدر كاف من الاهتمام بحيث لا يشكلون عنصر عدم استقرار؟ . وأضاف بكلام آخر لا تزال الجزائر تواجه الكثير من المشاكل وقد بدأت بشكل بطيء الخروج من الحفرة التي هي فيها ويشكل التكامل السياسي والفعالية أمران أساسيين بالنسبة اليها . ورأي بأن الذين يعملون في مجال النفط اعتادوا علي المخاطر، مضيفا بأنه اعتمادا علي عائدات صناعة النفط فان المستثمرين سيظلون مستعدين لقبول المخاطر. انها مسألة توازن، واذا بدا بأن البلد يسير في الاتجاه الصحيح حتي مع وجود نكسات فان ذلك سوف يشجع علي الاستثمار . وحققت الشركات النفطية العالمية العاملة في الجزائر أرباحا بلغت 3 مليارات دولار العام 2004، بينما فاقت 4 مليارات العام 2005.