بعدما ظلت تونس على مدى 14 عاماً في منأى عن ظاهرة الجماعات المسلحة والعنف الاصولي، التي سيطرت على الأحداث لدى جيرانها طيلة العقد الماضي، أظهرت الاشتباكات الأخيرة ان البلد مقبل في العام الجديد على أخطار لم يتعود عليها. وألقت التعزيزات الأمنية وحواجز التفتيش في الطرقات، خصوصاً في العاصمة وضواحيها ظلالاً من الترقب والقلق لم تبددها البيانات الصحافية الغامضة التي توزع بين وقت وآخر ولا تحمل أجوبة عن الاسئلة التي ترددها الألسن. وظلت البيانات الرسمية التونسية تتحدث عن «مجرمين خطرين» لليوم العاشر على التوالي، إلا ان مراقبين رجحوا ان يكون الأمر متعلقاً بجماعات مسلحة تنتمي الى التيار الجهادي. والارجح ان العناصر التي اشتبكت معها قوات الدرك والجيش استطاعت التكتم على وجودها فترة لتجميع أفرادها في المخابئ الجبلية وتأمين الأسلحة اللازمة لها. وافيد ان بينها عناصر جزائرية وموريتانية، وهو الخيط الذي قاد الى ترجيح صلتها ب «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» الجزائرية التي دربت تونسيين في إطار التفويض الذي تلقته من تنظيم «القاعدة» بصفتها ممثلتها في شمال افريقيا. وفي هذا الإطار أفيد ان طلاباً موريتانيين في تونس تم التحقيق معهم في إطار التحريات الجارية لمعرفة خيوط الجماعات التي شاركت في الاشتباكات الأخيرة مع الجيش. كذلك تحدثت مصادر حقوقية عن «حملة اعتقالات» في صفوف عناصر متدينة في العاصمة وضاحيتها الجنوبية وبنزرت (شمال) ومناطق أخرى للاشتباه بعلاقتها بالعناصر المسلحة. وبحسب مصادر مطلعة، استمرت المطاردات والاشتباكات، بين رجال الجيش وقوات الدرك من جهة وعناصر الجماعات المسلحة من جهة ثانية، منذ 23 الشهر الماضي حتى صباح أمس من دون ان تعطي وسائل الاعلام الرسمية معلومات عن مواقع الاشتباكات وهوية المهاجمين وأهدافهم. ورغم ان محيط مدينة سليمان (30 كيلومتراً جنوب العاصمة)، خصوصاً الأحراج القريبة منها كانت مسرح المعارك الأعنف أول من أمس، فإن المصادر تحدثت عن اشتباكات في مناطق أخرى، لكن لم يتسن الحصول على تفاصيل عنها. ودل طول سريان المعارك في سفوح المناطق الجبلية جنوب العاصمة، على ان حركات جهادية مغاربية نقلت نشاطها الى داخل البلد. وأوضحت المصادر ان عدد القتلى في الجانبين تجاوز 25 قتيلاً، بينهم عناصر من الدرك والجيش. ونشرت صحيفة «لابراس» (الصحافة) الرسمية أول من أمس نعياً لملازم أول في القوات المسلحة مع صورته من دون ايضاح ظروف وفاته، فيما نفى مصدر رسمي تصريحاً سابقاً لمسؤول أمني قدر حصيلة الاشتباكات ب25 قتيلاً. وأكد المصدر ان العدد لم يتجاوز 12 قتيلاً من دون تحديد ما إذا كانوا من القوات النظامية أو من المسلحين. وكثفت قوات الشرطة الحواجز على الطرقات المؤدية الى منطقة سليمان، وأخضعت الشاحنات والباصات والسيارات الكبيرة للتفتيش. وانتشر الجيش في المناطق الزراعية والجبال المتاخمة للمدينة. كذلك لوحظت ملاحقات وعمليات تفتيش عن عناصر مسلحة في البيوت، خصوصاً في الاحياء المتاخمة للجبال. وسيطر التوتر على مناطق عدة في داخل البلد بالنظر الى الاجراءات الأمنية المشددة التي دفعت اليها مخاوف من ظهور جماعات مسلحة أو أعمال عنف في محافظات أخرى.