تتصدر «إسرائيل» رأس قائمة المستفيدين من نقل الخبرات والتقنيات العلمية وتوظيفها واستغلالها وتطويرها، بما في ذلك علوم الفضاء الخارجي، حيث تحتل المرتبة الثامنة في «نادي الدول الفضائية»، بعدما دخلت مجال الفضاء في العام 1988، بإطلاقها القمر الاصطناعي الإسرائيلي الأول (أوفيك 1) من منصة إطلاق متحركة، إسرائيلية الصنع أيضاً، وواصلت شق طريقها الخاص وصولاً إلى إطلاق القمر الاصطناعي (أوفيك 5) المخصص لعمليات التجسس. إضافة إلى القمرين الاصطناعيين (عاموس 1 وعاموس 2) اللذين أطلقا لأسباب تقنية من جزيرة الأشباح في غويانا الفرنسية، والقمر الاصطناعي (تكسات) الذي أطلق من روسيا في العام 1998. ويوجد ل «إسرائيل» الآن خمسة أقمار اصطناعية تدور في الفضاء الخارجي هي (عاموس 1، عاموس2، إيريوس، أوفيك 5، تكسات). يعود الفضل في تطور القدرات الإسرائيلية في علوم الفضاء الى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد)، الذي استطاع الحصول على التقنيات العالمية بوسائل متعددة. ويحاط عمل وكالة الفضاء الإسرائيلية (ساله) حتى اليوم بالسرية المطلقة، علماً أن البروفسور بوفال نئمان أسسها في العام 1983، بإشراف جهاز الموساد، وألحقت بوزارة العلوم الإسرائيلية، وكان هدفها المعلن، القيام بتعاون دولي في مجال علوم الفضاء خدمة للقطاعين العام والخاص في إسرائيل، وبحسب ما ذكره المدير السابق لوكالة الفضاء الإسرائيلية آفي هار في التقرير الإستراتيجي الإسرائيلي للعام 2006 «يتم النشاط الفضائي في إسرائيل على مستويين: المستوى المدني، بوساطة وكالة الفضاء الإسرائيلية، والمستوى الأمني بوساطة جهاز الأمن، ويوجد بالطبع نشاط بين المستويين». وتنشط إسرائيل في مجال تطوير خبراتها من خلال تعاونها مع دول العالم المتقدمة في علوم الفضاء، وأبرز النشاطات الإسرائيلية الدولية على هذا الصعيد، التلسكوب العلمي تواكس الذي بدأ بشراكة مع روسيا، لكنها ألغيت بسبب مصاعب وكالة الفضاء الروسية، فاستعاضت إسرائيل عن ذلك بشراكة مع الهند، وأطلق التلسكوب على متن قمر اصطناعي هندي في العام 2004. كما تشاركت «إسرائيل» مع هولندا في مشروع القمر الاصطناعي التجريبي «سلوس سات» في رعاية وكالة الفضاء الأوروبية، وتتشارك إسرائيل أيضاً مع فرنسا في مشروع «فينوس» للأقمار الاصطناعية، ومع وكالة الفضاء الأوروبية في مشروعها الهادف إلى استبدال نظام الأقمار الاصطناعية الأميركية - جي بي س - بنظام أوروبي جديد. وعلى رغم التصريحات المتكررة للعاملين في وكالة الفضاء الإسرائيلية عن رجحان الاستخدامات المدنية لعلوم الفضاء في إسرائيل، إلا أن الوقائع تثبت عكس ذلك، فصناعة معدات الفضاء في إسرائيل ومراكز أبحاثها، ترتبط في شكل مباشر بسد حاجات الصناعات الجوية العسكرية الإسرائيلية، وتطوير تقنيات عمل أجهزة الاستخبارات، وهو ما يكشف عنه الرئيس السابق لسلاح الجو الإسرائيلي أيتان بن - إلياهو في بحث نشره في التقرير الإستراتيجي الإسرائيلي للعام 2006، يقول بن: «الأساس الذي يحدد التصور الأمني لدولة إسرائيل، ويخطط لقوة الجيش الإسرائيلي هو ما أعيد تسميته «سيناريو النسبة»، هذه محاولة للتنبؤ سلفاً كيف ستبدو الحرب، إذا ما اندلعت وعندما تندلع، وأين ستتم المعركة، وأي الوسائل سيستعمل العدو، وأي وسائل يحتاجها الجيش الإسرائيلي لمنع الحرب ما لم تندلع، ومن أجل هزيمة العدو إذا ما اندلعت وبعد ذلك. تدل التجربة على أن الجيش الإسرائيلي يجب أن يكون مستعداً لثلاثة أنواع من الحروب: الحرب الشاملة، وحرب الاستنزاف، والحرب بشدة ضعيفة... وفي «سيناريو النسبة» فإن الوجود الإسرائيلي في الفضاء الخارجي ضروري». ويضيف أيتان بن: «من أجل الرد رداً ملائماً على سيناريوات النسبة يحتاج الجيش الإسرائيلي إلى ما يأتي: معلومات إستخبارية للإنذار، معلومات في ميدان القتال، قوة مدرعة للتماس المباشر، قوة جوية للدفاع عن الجبهة الداخلية ودعم القوات البرية، قوة بحرية». جنود اسرائيليون في لحظة استراحة لكن أيتان يستدرك بالقول: «في السنوات العشرين الأخيرة حدث تغير جذري للخريطة الأمنية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، واقتضى الوضع الجديد تحديد «سيناريو نسبة» يخالف ذلك الذي أملاه مبنى قوة الجيش الإسرائيلي إلى الآن، واقتضى تحديد تخطيط جديد للتصور الأمني، يسمى «الدائرة البعيدة» وتميزه النقاط الآتية: نصب صواريخ بالستية في منطقة الشرق الأوسط، ففي الظروف الجديدة الزمن الذي ينقضي من لحظة القرار حتى الإصابة قصير جداً، إذ تمتلك الدول التي تقع على مبعدة قطر يبلغ ألفي كيلومتر حول إسرائيل وسائل وإمكانات لإطلاق صواريخ في زمن الإنذار. قد تحدث الحرب في عديد من الجهات المتباعدة، وهذا يحتاج إلى الوجود في الفضاء من أجل مراقبة جميع الجهات... الخ». والأمر الخطير الذي يخلص له أيتان بن هو تأكيده أن ثمة حاجة مستقبلية لاستخدام القوات الإسرائيلية في ميادين قتال بعيدة، وهو ما يزيد الحاجة الى تزويد هذه القوات بالمعلومات الاستخبارية في الوقت المناسب، وفي الوقت ذاته تمكين رئاسة الأركان الإسرائيلية من السيطرة عليها وقيادتها. بناء على ما سبق من الواضح أن العقيدة الجديدة لسلاح الجو الإسرائيلي وللجيش الإسرائيلي عموماً تعتمد بالأساس على تطوير القدرات في مجال علوم الفضاء، ضمن تصور دمج الغلاف الجوي مع الفضاء الخارجي بالحدود القصوى، وهذا يحقق توسيع الفجوة بين إسرائيل والدول العربية في التكنولوجيات والعلوم المتطورة وفي تطبيقاتها العملية للاستخدام المدني والعسكري على حد سواء، بما يعزز قوة اقتصادها وتفوقها العسكري. وغني عن الذكر أن الدول العربية تتأخر عن ركب علوم الفضاء عقوداً، ويشكل هذا تحدياً مصيرياً للعرب دولاً وشعوباً، وفي حال عدم تدارك الأمر، سيقوض في شكل نهائي مفهوم الأمن العربي في المدى الإستراتيجي المتوسط والبعيد. * كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.