بدى الخوف الشديد مخيما على التونسيين بعد مرور أسبوعبن كاملين على اخر مواجهة أمنية مسلحة بين عناصر سلفية متشددة وقوات الأمن والجيش الوطني بمدينة سليمان التونسية-30 كم جنوب العاصمة تونس-. فوسط تحول أحداث المواجهة الساخنة التي استمرت حوالي ثلاثة أسابيع الى شبه أسطورة روائية وخبرية يتداولها التونسيون في أكثر من ركن وزاوية,بدى المشهد الأمني والسياسي بعد مرور أسبوعين كاملين على الحدث متوترا ومحاطا بكثير من الألغاز والطلاسم التي زادت في تغذيتها الاشاعات , حيث مازالت الكثير من الروايات الشعبية وغير الرسمية وحتى القريبة من أوساط المعارضة تتداول أنباء عن علاقة لبعض أجنحة الحكم بما حدث من مواجهات دموية لم تعرفها تونس منذ عقدين ونصف . ليس للتونسيين من سؤال محاط بكثير من الفضول والخوف في ان واحد سوى سؤال من يقف حقيقة وراء أحداث حمام الأنف وجبل الرصاص وقرمبالية وباب بنات وباب سعدون ومدينة سليمان ؟ لقد سلمت الروايات الشعبية والنخبوية وروايات المعارضة نفسها برواية وقوف عناصر سلفية وصفت بالاجرامية والمتطرفة وراء هذه الأحداث ,غير أن الرأي العام ظل يطرح سؤالين هامين في الظرف الحالي ,تمحور كلاهما حول الجهة التي حركت هذه العناصر أو الجهة السياسية الرسمية التي من الممكن أن تستفيد بشكل مباشر من تطورات الوضع الأمني في تونس؟. ففي الوقت الذي تشهد فيه تونس هذه الأيام حملات تفتيش مكثفة وعمليات مراقبة غير تقليدية لحركة المرور والمارة ,كما حملات اعتقال واسعة في صفوف العناصر الشبابية المشتبه في سلفيتها,وفي الوقت الذي تواترت فيه الأنباء من جهات حقوقية متحدثة عن حالات تعذيب غير معهودة منذ فترة طويلة ,برزت على الساحة مجموعة من المعطيات والأنباء التي تتداول في الشارع التونسي دون تأكيدها من الجهات الرسمية أو من جهات موثوقة ومستقلة,حيث تناقل التونسيون خبر مقتل عقيد من الجيش على يد دورية أمنية , كما أوردت مصادر من جنوب البلاد خبر اعتقال معتمد في جهة بن قردان -أقصى جنوب البلاد ,كما ذكرت مصادر أخرى خبر اعتقال شخص مشتبه في علاقته ببعض المجموعات السلفية بمنزل شخصية مقربة جدا من أعلى دوائر القرار. هذا ولايزال الكثير من التونسيين متسائلا عن الموقف الحقيقي للقوى العالمية النافذة من مستجدات العنف الدموي الذي عاشته تونس أواخر شهر ديسمبر ومطلع شهر جانفي الجاري ,حيث يشكك البعض في مدى قبول الرواية الرسمية الأخيرة من قبل دول عظمى بحجم الولاياتالمتحدةالأمريكية أو بعض بلدان الاتحاد الأوربي ,اذ يرى الكثير من المراقبين في تعدد روايات السلطة وتغيرها في ظرف زمني وجيز حافزا أكبر لهذه القوى من أجل متابعة الوضع عن كثب في بلد كثيرا ماافتخر القائمون عليه بالاقتدار الفائق على فرض الأمن واشاعة أسباب استقراره ,ولو دون الخوض في مداخله السياسية والحوارية المتعلقة بجوهر قضايا الحريات وحقوق الانسان. وبلاشك يجمع التونسيون من خلال ملامستهم لهذا الموضوع الخطير الذي صدم شرائح عريضة من المجتمع وجهاته الرسمية ,بأن تونس على أبواب الدخول في مرحلة سياسية غير تقليدية وصفها البعض بالخطيرة في حين رأي فيها البعض الاخر أفقا جديدا من أجل مراجعة سياسات حقبة لم تحض باجماع حتى داخل الدوائر الحكومية الرسمية ,اذ تذكر بعض الروايات وجود حالة من التململ داخل الجهاز الحزبي للدولة على خلفية عدم استساغة الكثير من الكوادر التجمعية لمبررات الحزم الصارم في التعاطي مع المعارضات المدنية التي لم يتجاوز سقف مطالبها قضايا الاصلاح من داخل المنظومة السياسية وقضايا تحسين الوضع الحقوقي ورفع لواء المطالبة بالعفو التشريعى العام أوادخال ديناميكية مقبولة ومعقولة على قطاع الاعلام . وفي سياق اخر على علاقة باستقراء افاق التطورات السياسية الواردة في ظل دخول معطى العنف الدموي الى حلبة الخلافات السياسية التونسية ,يرجح مراقبون ومتابعون عن كثب لتفاصيل الوضع السياسي التونسي بأن البلاد مقبلة على مرحلة قد تكون تاريخية في صورة مااذا تكررت مثل هذه الأحداث الأليمة التي عرفتها البلاد ,خاصة وأن قوى مثل أمريكا وفرنسا وايطاليا ودول الجوار الأوروبي سوف لن تبقى مكتوفة الأيدي تجاه أوضاع قد تهدد مصالح اقتصادية وسياسية وأمنية ذات بعد استراتيجي قد تخفى في زوايا احصائية دقيقة على معظم التونسيين ولكن لاتخفى على دول كانت تظن في خيار القبضة الأمنية التونسية أسلوبا ناجعا في القضاء النهائي على مخاطر سياسية ودينية واردة ,ولكن بدى من خلال الأحداث الأخيرة بأن العلاج الأمني لايشكل وحده أسلوبا أمثل في التعاطي مع تحديات التحديث والتطوير ومطالب الاصلاح. نشر بالتزامن على الحقائق اللندنية+ صحيفة الوسط التونسية *مدير الوسط التونسية + كاتب ومحرر بصحيفة الحقائق الدولية: [email protected]