"ليس هناك ما أكثر ألماً من لدغة الحية سوى ابن جاحد"...هكذا اشتكى "الملك لير" على لسان شكسبير في إحدى مسرحياته. لكن الملك لم يعرف من الجحود ونكران الجميل سوى ما أظهره ابنه العاق مشبهاً مرارته بلدغة الأفعى، فماذا لو كان الجحود الذي أشار إليه الرئيس بوش قادماً من بلد محتل بأكمله مثل العراق؟ فقد بث بوش حسرته في برنامج "ستون دقيقة" التلفزيوني عندما سأله "سكوت بيلي"، محاوره من شبكة "سي. بي. إي": "هل تعتقد أنك مدين باعتذار للشعب العراقي لعدم قيامك بأداء جيد هناك؟" فجاء رد بوش سريعاً "من الذي لم يقم بواجبه نحن، أم هم؟... لقد حررنا العراق من ديكتاتور، لذا أعتقد أن العراقيين مدينون لنا بالشكر... إننا بذلنا الكثير من التضحيات لمساعدتهم. والشعب الأميركي يتساءل عما إذا كان هناك مستوى معقول من التعبير عن الشكر في العراق". والواقع أنني فكرت كثيراً فيما قاله بوش ووجدت أنه ربما لن يخسر العراقيون شيئاً لو رموا جنودنا بالورد حتى لو جاء ذلك متأخراً. فتذكروا دائماً أيها العراقيون أننا خلصناكم من صدام حسين مع بعض المساعدة التي قدمها منفذو الإعدام الذين أصروا على أن يتحول موقف الإعدام المهيب إلى حفلة انتقام وتشفٍّ تقطر بالطائفية وهتافات باسم "مقتدى الصدر". لكن لا يهم فتلك مجرد تفاصيل عابرة. وعلى أي لم تكن الإطاحة بصدام كل ما قدمناه للعراقيين، فقد علمنا العراقيين مثلاً مبادئ الحفاظ على الطاقة. فقبل الغزو الأميركي كان العراقيون المدلَّلون من سكان بغداد يستهلكون ما بين 16 إلى 24 ساعة من الكهرباء يومياً. أما اليوم وبفضل الولاياتالمتحدة فإنهم أصبحوا أكثر اقتصاداً إذ يكتفون بأقل من ست ساعات من الكهرباء في اليوم. كما تعلم العراقيون، تحت وصايتنا ترشيد استهلاك الوقود الأحفوري، لاسيما وأن إنتاج النفط مازال أقل من معدلاته قبل الحرب. وإدراكاً منهم بأن الاستخدام المكثف للسيارات يتسبب في انبعاث الغازات الملوثة، آثر العراقيون اللجوء إلى تفخيخ سياراتهم. فيا له من تفانٍ في حماية البيئة! ولم نكتفِ بذلك بل قمنا أيضاً بمعالجة مشكلة الاكتظاظ السكاني التي تعاني منها بعض المدن العراقية. فبمقتل أكثر من 34 ألف عراقي خلال 2006 فقط، حسب تقديرات الأممالمتحدة، وبرحيل أكثر من مليوني عراقي خارج الوطن ساهمت الحرب في تقليص عدد سكان العراق بحوالي 10%. حسناً، لعلكم مازلتم تتساءلون عن تلك التضحيات الكبيرة التي تحدث عنها الرئيس بوش. ألم يسقط أكثر من ثلاثة آلاف جندي أميركي في العراق، فضلاً عن 47 ألفاً من الجرحى؟ أليست تلك تضحيات من الشعب الأميركي حتى ولو كان عدد قليل منه فقط تطوع للحرب في ظل غياب التجنيد الإجباري؟ لكن مهلاً، إياكم أن تلجأوا، أعزائي الأميركيين، إلى التواضع لإخفاء مساهمتكم الكبيرة. فعندما ذكَّر أحد الصحفيين الرئيس بوش بأن "المتطوعين في الجيش وعائلاتهم هم وحدهم الذين ضحُّوا في حرب العراق" عارض الرئيس هذا التقييم بقوله "بل هناك العديد من الأشخاص المنخرطين في الحرب. أعني، أنهم يضحون براحة بالهم عندما يضطرون إلى مشاهدة تلك الصور الفظيعة للعنف على شاشات التلفزيون في المساء". هذا صحيح تماماً، فقد شعرت شخصياً أني ضحيت كثيراً براحة بالي دون أن يفكر عراقي واحد بأن يبعث لي رسالة شكر. والأكثر من ذلك أني استجبت لنداء الرئيس بوش بمحاربة الإرهاب من خلال "مشاركتي في الاقتصاد ووضع ثقتي به". وهكذا عندما طلب مني بوش "الإكثار من التسوق لدعم الاقتصاد" قفزت لتوي ورحت أتجول في المراكز التجارية حتى تآكل نعلي تماماً كما تتآكل نعال الجنود في صحاري العراق. لكن يبدو أن الرئيس نسي وهو يتحدث عن تضحيات الشعب الأميركي الإشارة إلى التضحية الأهم، ربما تواضعاً منه، والمتمثلة في مبلغ 200 مليار دولار الذي ينفق سنوياً على الحرب. لذا لا تشعروا بالخجل، أعزائي الأميركيين، من ذكر تضحياتكم الكبيرة التي قدمتموها للعراق. فكما أن الجندي الذي يصاب بطلق ناري لا يشعر بالألم تحت وقع الصدمة، فإنكم أيضاً ستنتظرون طويلاً قبل أن تستفيقوا على التضحيات الجسمية التي بذلتموها في العراق.