قال مخرج مسرحية تونسية مثيرة للجدل عن "التشدد الإسلامي" والحجاب، انه قد آن الأوان لمواجهة تنامي ظاهرة التطرف الديني عبر منابر الفن بتقليص الرقابة وتوسيع الحريات، وليس باعتماد الأجهزة الأمنية. وبدأ في تونس يوم الجمعة الماضي عرض مسرحية (خمسون) للمخرج فاضل الجعايبي للمرة الأولى، بعد انتظار دام ستة أشهر بسبب مطالبة وزارة الثقافة بتعديل مقاطع منها قبل أن تسمح بعرضها. وقال فاضل الجعايبي لرويترز في مقابلة، "الحل في القضاء على التطرف الإسلامي بتونس لا يكمن في المواجهة الأمنية فحسب، بل يمر أساسا عبر التخلّص من الرقابة على الأعمال الفنية وفتح المجال لحرية التعبير وعدم كبتها، كي لا تتحول إلى ردود فعل مدمّرة". ويتزامن العرض الأول للمسرحية في تونس مع تزايد الجدل حول الطريقة الأنسب للتصدّي لزحف ما يُعرف بالتطرف الإسلامي في تونس، بعد اندلاع مواجهات مسلحة نادرة بين الأمن التونسي وجماعة سلفية في ضواحي العاصمة خلال الشهر الماضي، قتل فيها 14 مسلحا واعتقل 15 آخرون حسب مصادر رسمية. وأثارت المسرحية فضول العديد من المتفرجين، من بينهم أنصار للدفاع عن حقوق الإنسان منذ عرضها يوم الجمعة الماضي، بسبب جرأتها غير المسبوقة بين الأعمال الفنية في البلاد، ولتعرضها لوصف التنكيل بمعارضي الحكومة، وخصوصا الإسلاميين منهم. وقال الجعايبي "المنطق الأمني والرقابي الذي تستخدمه السلطات ضد معارضيها يزرع بذور التطرف، من بينها التطرف الإسلامي، لذلك ليس هناك حل سحري باستثناء فتح منابر الفن والإعلام بحرية للتصدي لهذا الغول الخطير". ويتجلى هذا الموقف، الذي يتبناه المخرج بوضوح، من خلال مشهد كاريكاتوري في المسرحية، تظهر فيه مقدمة أخبار في التلفزيون الحكومي التونسي لتنبؤ بتفجير إرهابي بعد ثلاثة أيام كاملة من وقوعه، وتقول "التحقيقات لا تزال جارية في كنف القانون". ونقلت المسرحية، التي تدوم ساعتين وأربعين دقيقة، مشاهد للتحقيق مع إسلاميين متهمين بتفجير إرهابي، استعملت فيها كل الأساليب الممكنة للتعذيب، وهذه أول مرة يتم الحديث فيها علنا عن التعذيب في عمل فني تونسي. لكن الحكومة تنفي تعذيب معتقليها، وتقول باستمرار إن جميع السجناء يحظون بمعاملة جيدة وفي إطار ما يكفله القانون. ويقول الجعايبي، الذي أخرج نحو 20 مسرحية وثلاثة أفلام "أنا والمؤلفة جليلة بكا،ر نعرف جيدا خطورة ما أقدمنا عليه، لكن أردنا أن نضع مشاهد التنكيل مرآة أمام السلطة والمعارضة والمواطن، ليتحمل الجميع مسؤولياته وتطرح مواقف بديلة يكون الحوار الحقيقي أساسها"، ويتابع "أنا سعيد لما أحدثته المسرحية من جدل وحراك فكري في صفوف المثقفين وعلى أعمدة الصحف، ومن استقطاب لأعداد واسعة من الجمهور قد تعجز أحزاب معارضة عن استقطابها". وتنبش المسرحية في عدّة حِقب تاريخية منذ استقلال تونس عن فرنسا عام 1956، لكن الجزء الأكبر خُصص للتركيز على تنامي ظاهرة التشدد الإسلامي ورفض ارتداء الحجاب الإسلامي، لدوافع سياسية. ويتطابق رأي المخرج، الرافض للحجاب، مع موقف الحكومة التونسية التي رفضت بدورها هذا اللباس واعتبرته زيا طائفيا، وهو ما أثار حفيظة الإسلاميين. وهنا يقول المخرج "ما هو الضرر إذا اتفق موقفي مع السلطة في رفض الحجاب (المسيس)، والبحث عن قيم الحداثة للمجتمع التونسي"؟ ويضيف "أنجزت هذه المسرحية دفاعا عن قيم الحداثة في المجتمع التونسي، ولكي لا تضطر ابنتي لارتداء الحجاب وتختار ما تريده". وتتلخص أحداث المسرحية حول عودة "أمل" إلى تونس من باريس، حيث انبهرت هناك بالحلم الإسلامي وانتقلت بذلك من الفكر الماركسي، الذي ورثته عن والديها المناضلين اليساريين، إلى الفكر الإسلامي. وتجد "أمل" نفسها متورّطة في قضية تفجير قامت بها صديقتها "جودة" الأستاذة. وتُحدث هذه الفاجعة اضطرابا في كامل البلاد محرّكة بذلك آليات مقاومة الإرهاب وواضعة وجها لوجه نظام سياسي صارم وديمقراطيين مغلوبين على أمرهم وإسلاميين متشددين ومواطنين راضخين وغير مبالين. لكن الأمر الذي زاد الجدل حدة، هو أن سِهام النقد في المسرحية لم توجه لحركات التشدد الإسلامية فحسب، بل طالت أيضا باقي أطياف المعارضة، التي وصِفت في أحد المشاهد بالجامدة وغير المؤثرة، إضافة لمؤيدي النظام الذين دأبوا على ترديد عبارات التطبيل. وخرج نشطاء يساريون غاضبون بعد مشاهدة المسرحية، لكن الجعايبي علق على ذلك قائلا "كيف يطالبون بديمقراطية ولا يقبلون حتى باختلاف الأفكار"؟