يبدو أنّ الظّروف الاقتصادية غير المرغوب فيها سوف لن تقف عند حدّ ظرف التهاب أسعار البترول العالمية بنحو 50% في أقلّ من سنة بل ستمتدّ موجتها إلى مواد استهلاكية أخرى وأساسيّة للدول المورّدة لها وتتمثّل في الحبوب (القمح اللّين والصّلب، الشعير والذرّة) بعد مراجعة مجلس الحبوب الدولي (CIC) مؤخرا توقّعاته بخصوص إنتاج الحبوب العالمي للموسم 2006-2007 وهو ما سينعكس بالارتفاع على منحى أسعار هذه المادّة الغذائية في الأسواق العالمية لخضوعها لمبدأ الطلب والعرض. وتعتبر تونس مورّدة لهذه المواد حيث تمثّل نحو 43% من إجمالي وارداتها من المواد الغذائية وهو ما يبرز ثقلها على أعباء ميزانيّة الدولة خاصة أنّ هذه السلع الاستهلاكيّة من بين المواد التي تتبع سياسة الدّعم في تونس من خلال صندوق الدّعم الذي تقدّر مصاريفه هذه السنة ب282م.د مقابل 243م.د لتمثّل نحو 7،0% من النّاتج المحلّي الإجمالي. وحسب بيان صحفي صدر عن مجلس الحبوب الدولي فإنّ الانتاج العالمي للحبوب في موسم 2006-2007 سيبلغ 588 مليون طن أي بتقلّص ب7 مليون عن التوقعات الأوّلية. كما تقلّ هذه التوقّعات ب4،4% عن إنتاج الموسم الحالي (2005-2006) والذي يقدّر ب615 مليون طن. ويشمل هذا الانخفاض بالخصوص الدول المحاذية للبحر الأسود (أوكرانيا، بلغاريا، رومانيا، تركيا، جورجيا وروسيا) بسبب موجة البرد القاسي التي اجتاحت هذه المنطقة وهو ما أثّر بالسّلب على هذه النّوعية من الزّراعات. في ذات المنحى، يتوقّع المجلس إنتاج 35 مليون طن من الحبوب الموسم القادم بروسيا مقابل 6،47 مليون طن الموسم الحالي و12 مليون طن بأوكرانيا مقابل 7،18 مليون طن. في المقابل يتوقّع زيادة ب5،5 مليون طن بدول الاتحاد الأوروبي إلى نحو 128 مليون طن في حين أنّ الانتاج في أمريكا الشمالية سيتّسم بالانخفاض. ذات المصدر يشير إلى أنّ الاستهلاك العالمي لهذه المواد سيتقلّص ب13 مليون طن إلى 605 مليون طن بسبب النّقص المتوقّع في الأعلاف المستخرجة من الحبوب. هذا المنحى لا يعكس توجّه الواردات المتصاعد العالمية لمواد الحبوب بسبب الاستهلاك المتزايد لأكبر دولة من حيث عدد السكان وهي الصّين، حيث يتوقّع مجلس الحبوب الدولي أن الواردات العالمية ستبلغ 110 مليون طن مقابل 108 مليون طن هذه السنة. ويبقى المؤشّر الأهم بهذه المعطيات العالمية ذلك المتعلّق بمخزونات أو احتياطات الحبوب التي قد تنزل إلى أدنى مستوى لها منذ ثمانينات القرن الماضي إلى 120 مليون طن وبتراجع ب16 مليون طن مقارنة بتقديرات الموسم الحالي. واجهة أخرى في تونس التي عاشت منذ فترة غير بعيدة أحد أزمة لمجال الحبوب بسبب سنوات الجفاف (2000-2002) وتأرجح الأسعار العالميّة وهو ما كبّدها نفقات تتجاوز ال300م.د، فإنّ المتابعين لأطوار السّوق من منطلق اختصاصهم سوف لن يغفلون عن هذا الظرف الذي يفترض الاستعداد له حتى لا تفتح واجهة أخرى تضاف إلى واجهة البترول. وتؤكّد الأرقام التي تحصّلت عليها «الصباح» من مصدر رسمي الاستباقات العالمية بخصوص أسعار الحبوب في الأسواق العالمية التي «تطبخ» بالأساس في بورصتي شيكاغو ونيويورك بالولايات المتحدة تحت مؤشّر «النّايماكس» (NYMEX). هذه الأرقام تتمثل في تزايد نسق التوريد في الرّبع الأوّل من السنة (+26%) وهو ما يدعو إلى التكهّن بفرضية مجهودات تموينيّة إضافية تحسّبا لظرف ارتفاع أسعار هذه المواد بالإضافة إلى عامل تأرجح سعر الصّرف خاصة وأنّ محرّري وثيقة الميزان الاقتصادي ل2006 يتوقّعون تراجعا في إنتاج كميّات الحبوب التي ناهزت 2،2 مليون طن الموسم المنقضي (2004-2005). يذكر أنّ الأسعار العالمية لهذه المواد قد عرفت تراجعا ب3% تقريبا العام الماضي حسب المنظمة العالمية للتجارة (OMC). ويقدّر استهلاك تونس للحبوب بنحو 5،2 مليون طنّ إلاّ أنّ عامل التّخزين احتسابا للظّروف الطارئة التي قد تمسّ هذه المادة «الحسّاسة جدّا» نظرا لأهميّتها الاستهلاكية والاجتماعية يعمل على تكثيف مجهودات التوريد التي قد تناهز ذات الحجم المنتج محليّا خاصة بعد دخول شركات خاصة في تونس مجال توريد الحبوب ولو بنسبة ضئيلة، حسب مصدر رسمي. عائشة بن محمود