تواجه العلاقة بين حركة "حماس" وجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، منذ بعض الوقت، أزمة صامتة ذات طابع نظري أكثر منه عمليا، تولدت عن تصويت متقابل في المؤسسات القيادية لدى الجانبين بشأن العلاقة التنظيمية بينهما، باعتبار "حماس" قسم فلسطين في الجماعة. مصادر "الوطن" تكشف عن أن المكتب السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية وجه كتابا رسميا للمكتب التنفيذي للجماعة في الأردن يتضمن قرارا اتخذته الأطر القيادية في "حماس" بإنهاء العلاقة التنظيمية مع الجماعة. القرار الحمساوي جاء ليمثل تحصيل حاصل لطبيعة العلاقة القائمة فعلا، ذلك أن المكتب السياسي ل "حماس" كان يرفع للمراقب العام للإخوان المسلمين، منذ بضع سنوات، تقارير شكلية عن تحركات ومواقف ونشاطات الحركة. غير أن الأمر تطور داخل أطر الجماعة بشكل غير متوقع، إذ بعد أن وافق المكتب التنفيذي للجماعة على قرار حركة "حماس"، وبالإجماع، كانت المفاجأة في رفض مجلس شورى الجماعة في دورة انعقاده الأخيرة القرار الحمساوي بأغلبية صوتين..! وهنا تكمن الأزمة الحالية في العلاقة بين الجانبين..ذلك أن قرار فك العلاقة التنظيمية الذي اتخذته "حماس" أصبح مرفوضا من قبل الجماعة، فقرار من الذي سيتم الإلتزام به..؟ مصادر مسؤولة في "حماس" أكدت صحة معلومات "الوطن" بشأن وجود توجه لدى "حماس" لإنهاء العلاقة التنظيمية مع الجماعة في الأردن، في حين تحرجت شخصية قيادية مرموقة في جماعة الإخوان المسلمين لدى طرح الأسئلة عليها. المصدر الحمساوي قال إن التنظيم الإخواني في ضفتي نهر الأردن ظل واحدا قبل احتلال الضفة الغربية، وبقي الأمر كذلك بعد حرب 1967 وحتى تأسست "حماس" سنة 1987، وهو (التأسيس) الذي مثل ايذانا بعدم استمرار العلاقة..خاصة وأن "حماس" كبرت، وأصبحت تنظيما موصوما ب "الإرهاب" من قبل الغرب. وفي ضوء هذا أصبح يطرح منذ عدة سنوات أنه لا داعي لاستمرار الصورة السابقة من العلاقة، خاصة وأنه لا قيمة عملية لها، وهي تحولت إلى علاقة شكلية. وقد طرح موضوع فك العلاقة بشكل جاد لأول مرة حين اهتزت ثقة "حماس" بقيادة الجماعة حين سيطر جناح الوسط الذهبي على المكتب التنفيذي للجماعة، ونجح المهندس عماد أبو دية (المنظر السابق لجناح الوسط الذهبي) بالوصول إلى موقع نائب المراقب العام. يومها طرح أبو دية فكرة عودة قيادة "حماس" للداخل الفلسطيني، على اعتبار أن هناك مرحلة جديدة قد بدأت في تاريخ الشعب الفلسطيني تستلزم اعادة الأمور إلى نصابها. وقد تم تجاوز المسألة التي نجمت عن هذا الطرح مع طرد قادة "حماس" إلى خارج الأردن في آب/اغسطس 1999. إثر ذلك بدأ الحكم في الأردن يطرح على الإخوان اسئلة عديدة حول علاقتهم ب "حماس". وفي خضم الأزمة التي نشأت عن قرار طرد قادة "حماس" طرح عبد الرؤوف الروابدة رئيس الوزراء في حينه سؤالا محرجا على المراقب العام السابق عبد المجيد الذنيبات وأعضاء المكتب التنفيذي للجماعة: هل أنتم تنظيم اخواني اردني سلمي..؟ وقال لهم إذا كنتم كذلك فأنتم مرحب بكم، ولا مشكلة لنا معكم، لكننا لا نقبل أن تكونوا تنظيما اردنيا وتشرفون على تنظيم فلسطيني. وقد ظل هذا الأمر يطرح على قيادة الجماعة باستمرار من قبيل الغمز من قناتها. وتم تضمين الصيغة الأولية لبيان تموز/يوليو الماضي الذي طلبت الحكومة الأردنية من جماعة الإخوان المسلمين اصداره باسم الجماعة كمدخل لحل قضية نواب زيارة التعزية بالزرقاوي، وكان بعنوان "هذا بيان للناس"، نصا ينفي وجود علاقة تنظيمية للجماعة بحركة "حماس"، غير أنه تم الإستعاضة عنه بنص غير مباشر يفيد ذات المعنى، دون أن يذكر إسم "حماس". وحين حاولنا العودة إلى النص الذي اصدرته الجماعة في حينه، فوجئنا بأن موقع الجماعة أبقى على عنوان البيان فيما تم شطب البيان نفسه..! وكانت قضية العلاقة بين الجماعة و"حماس" أثيرت مرة أخرى على هامش أزمة نواب التعزية. ولذا فقد أعيد طرح مسألة عدم وجود داع لبقاء التنظيم الأردني الفلسطيني الواحد لجماعة الإخوان المسلمين، ما دامت تشكل أرقا للحكم في الأردن، وحجة على الإخوان المسلمين، وتحملهم مسؤوليات وأعباء لا قبل لهم بها. وحين طرح الأمر في حينه تبين أن جناحي الحمائم والوسط يدفعان باتجاه انهاء العلاقة التنظيمية مع "حماس". وكان عبد المجيد الذنيبات المراقب العام السابق للجماعة من أشد المتحمسين لذلك. أما في "حماس" فقد ظل موضوع قطع العلاقة التنظيمية مطروحا طوال عام 2006، حيث وافق عليه المكتب السياسي بالإجماع. مجلس شورى الجماعة حين عرض عليه الأمر باعتباره محصلة لحوارات مع المكتب السياسي ل "حماس" لم يوافق على الفكرة، وذلك بالرغم من أنه أقر بشكلية العلاقة، وأن لا قيمة للحديث عن تنظيم موحد. لكن المجلس ارتأى ضرورة الإبقاء على الوضع القائم لأهميته من الناحية المعنوية والرمزية. هل سيعاد طرح الأمر مرة أخرى على الأطر القيادية للجماعة..؟ لا أحد يستطيع التنبؤ المسبق، لكن المؤكد وفقا للمصادر هو أن هذه العلاقة قد أصبحت علاقة نظرية، تغطي واقع الإنفصال بغربال. ومع هذا، فإن مصادر الجماعة في الأردن تتحفظ جدا حين تفاتح في هذا الأمر. ويرفض الأستاذ سالم الفلاحات مراقب عام الجماعة كمثال نشر أي حرف على لسانه في هذا الشأن، فيما يمكن تلخيص ما يقال في السر، وداخل جلسات غير مخصصة للنشر بأن الجماعة لم تستلم أي كتاب من المكتب السياسي لحركة "حماس" يتضمن قرارا بفك العلاقة التنظيمية مع الجماعة، وأن المكتب التفيذي للجماعة لا يتلقى كتبا من المكتب السياسي، وأنه لا علاقة تنظيمية قائمة مع "حماس"، وهي "تنظيم مستقل عسكري ومدني نحبها ونؤيدها وندعمها ونتمنى لها التوفيق". وحين يطرح أمر من طراز أن المهندس ابراهيم غوشة الناطق الرسمي السابق باسم "حماس" سبق أن أحال صحفيين للمراقب العام السابق للجماعة ليجيب على أسئلة طرحت عليه من قبلهم بصفته مرجعية "حماس"، يكون الرد بهدف اغلاق الملف "يوجد شيئ عاطفي لا معنى له، ليس أكثر". ويشار إلى أن "حماس" وقعت مؤخرا اتفاق مكة دون العودة للجماعة، وأن لها علاقاتها العربية والدولية بشكل مستقل عن الجماعة. ولا تستمع لأي تعليق حين تفاتح مستمعيك من قادة الجماعة بأن المكتب السياسي ل "حماس" يزود المكتب التنفيذي للجماعة بتقارير عن نشاطات الحركة وعلاقاتها واتصالاتها.