قرأت في القدس العربي، أن مائة شاب تقدموا لخطبة صابرين!! وتناهى إلى سمعي، أن أمير المؤمنين (المهاجر) طلب من مبايعيه أن ينتقموا لشرف هذه المرأة، وأن يريقوا دم العدو أنهارا....... لاشك أننا أمام قضية مصيرية، ومنعطف تاريخي والدليل، أن اسم صابرين أصبح أكثر شيوعا من اسم باولو كويلو، (الذي يتوجب عليّ حين ذكره، القول إنه كاتب برازيلي، حاز على نوبل للآداب، وكتب رواية الكيميائي).. ولجدية الأمر، سألزم نفسي ببعض التجهم المأتمي، فالقصة تختزن على ما يبدو شحنة ميثولوجية، مثقلة بالرمزية والعاطفة والغموض السحري المقدس!! لكن اسمحوا لي أن أتناولها، بطريقتي.. فأنا أكتب (لوجه الله) ولنفسي، في محاولة لتحرير عقلي والحؤول دون اغتصابه أو مفاخذته.... في البداية، أود أن أحيي هؤلاء الشباب المائة الذين، تقدموا لخطبتها، خصوصا بعد أن ذكّرتني ابنتي، بما كتبه فرانس فانون في (معذبو الأرض)، عن أهل الجزائر، الذين تسابقوا وتفاخروا ونالوا شرف الاقتران بفتيات جزائريات، اغتصبهن جنود الاحتلال الفرنسي... ولا أخفي بأن صابرين قد سحرت الجميع بعيونها الرائعة، مما دعا أحد أصدقائي أن يقول: لولا ضيق اليد وذات الحال، لانضممت إلى طابور الخاطبين، ولزرعت حيّ العامل تحت أقدامها، وردا وياسمينا وقدّاحا، ولا أدري إن كان صديقي، سيزرع (أمورا أخرى) على جوانب الطرق؟؟ عذرا مرة ثانية لهذا الكلام... فالأمر ليس انتقاصا من آلام الناس ومكابدتهم، فالقضية برمتها قد غادرت خصوصية البيوت وحميميتها، وأصبحت شأنا عاما تتلاقفه الألسن، وتتداوله الميديا.. وبالمناسبة لابد من شكر دور الأزياء الوهابية، التي سمحت لنا برؤية هذا النذر اليسير من الصورة، التي زادت من سحرية المشهد وغموضه، ويسّر للماكينة الإعلامية تحويله إلى جريمة لا تغتفر، في وقت ظلّ اغتصاب العراق مسألة فيها نظر!! نعم أجد صعوبة في الحديث عن اغتصاب امرأة، في بلد تقطع فيه الجثث وتثقب فيه الرؤوس وتلقى على المزابل!! في بلد أصبح حق الحياة فيه ترفا وأمنية، وفي بلد استبيحت مدنه ومتاحفه وثرواته، وسحقت شوراعه وكرامة أهليه بسلاسل الدبابات، وفي بلد تكالبت عليه شريعة الغاب الكولونيالية، وشريعة التصحر الديني.. إن القضية تدخلني في حالة من العبثية والسوريالية، فأي جدوى يجلبها الحديث عن انتهاك العرض، عندما تنتهك الطائرات خطوط الطول والعرض، وتلقي قنابلها على المدن الآمنة.... كيف يمكنني أن أتحدث عن اغتصاب، وأنا أشاهد حالات الزواج القسري في بلادنا، أو صفقات المصاهرة القهرية، أو زواج (طويل العمر 90 سنة، من فتاة بعمر الرياحين) كيف أتحدث عن اغتصاب، ومازالت بعض العقول القروسطية تعرّف الزواج بأنه عقد وطء، ينتفع فيه الذكر بفرج أنثى، مقابل أن تنتفع بأجر معلوم (مهر... الخ)!!! لكن ما علينا!! دعونا نسأل عن هذه القصة؟ وعما جرى؟ أليس الاغتصاب جريمة شنيعة تحدث في السلم كما في الحرب، وتحدث في سويسرا كما في الصومال؟؟؟ ذكرت في المطلع عن رمزية الأحداث، وقدرتها على شحن بطارية المخيّال الجمعي (بوامعتصماه) إنها محاولة لاستفزاز الوعي الجمعي (السنّي) من خلال إظهار صورة رمزية للمهانة (التي سببها الشيعة الروافض)؟؟؟.. إن من يتتبع قضية احتلال العراق لابد يلاحظ بالعين المجردة، دور الجرّافة الإعلامية، التي تكاد تسحق وجودنا التاريخي، لتحوله إلى كينونة ممسوخة ومحكومة بالتوتر واستهلاك اللحظة.. فالمسلسل بدأ مع من أسلحة (السخام) الشامل، والعلاقة الشبحية بين محمد عطا مع السفارة العراقية في براغ، ثم انتقل إلى نشر الديمقراطية، ووضع الأصابع البنفسجية في الأنوف، إلى الزرقاوي، الذي انطفأ نجمه وانتهى دوره، مع تدمير مراقد سامراء (انتهاء شيطنة الإسلام السنيّ) وبداية (شيطنة الإسلام الشيعي) من خلال فرق الموت بوزارة صولاغ، وصولا إلى الذروة الدرامية، بإعدام صدام حسين، في مشهد عبقري بدا فيه الرئيس السابق، كما لو كان قديسا مسيحيا تقوده غوغاء (مقتدى مقتدى) في ساحات روما!!! كل ذلك جرى، في إطار محاولة لبناء جدار من الكراهية بين الشيعة والسنّة.. وفي محاولة لتمزيق النسيج الاجتماعي والنفسي، ثم في محاولة أخيرة لسحل إيران في أزقة الشرق الأوسط الجديد... لذا فإن قصة صابرين لا تخرج عن هذا السياق، وقد لخصها أحد الظرفاء على الشكل التالي: أمر المستشار الأمريكي في وزارة الداخلية، مجموعة من الضباط باغتصاب صبية حسناء. أمر مستشار آخر، لشؤون الوقف السنّي، بتصوير الصبية المغتصبة وإرسال الصور للجزيرة. أمر مستشار ثالث، رئيس الوزراء (المملوكي)، بتكريم الضباط المتهمين. ورحم الله والديكم!! أخيرا، يحضرني بهذا المقام، ما كتبه المبدع أمين معلوف، عن فترة وهن الخلافة العباسية، وخضوعها المذلّ لهيبة السلطان السلجوقي الأعظم.. إذاك أمر السلطان الأعظم، الخليفة العباسي أن ينكحه ابنته اليافعة.. لكن الخليفة اعتذر وتذرع ورفض.. ومع إصرار السلطان ازداد توسّل الخليفة وبكاؤه، حتى أنه تنازل عن بساتينه ودساكره حول بغداد مقابل أن يتنازل السلطان عن فكرته النكاحية... وعندما أزفت ساعة الحقيقة، دخل السلطان قصر الخليفة، على صهوة جواده محفوفا بفرسان السلاجقة وسيوفهم اللامعة، ثم ترجّل وولج مضجع الأميرة الصغيرة وضاجعها عنّوة... ويسجّل معلوف أن السلطان قال (ما معناه): ويحكم أيها العرب؟؟ أتتخلّون عن الملك والأرض، من أجل فخذي امرأة.. وبهذا يمهر التاريخ شهادة ناصعة للعرب، رغم أنف السلطان.