ستظل حالة الاحتقان السياسي في مصر وكأنها قدر مكتوب على المصريين لا يجدون منها فكاكاً. فالبلد يخرج من أزمة ليدخل في أزمة أخرى، ولا يلوح في الأفق برنامج جدي للإصلاح السياسي والاقتصادي تمارسه إرادة مجتمعية مشتركة. أزمة التعديلات الدستورية هي آخر الأزمات المتتالية، وهي تعبير عن عجز القوى الفاعلة في المجتمع المصري حكومة ومعارضة ومؤسسات مجتمع مدني عن وضع برنامج توافق وطني لمعالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية الكبرى التي يواجهها البلد. الحكومة المصرية تتصرف بمنطق أن كل شيء على ما يرام، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وكما يقول المصريون «ما فيه حاجة تخر الميه»، والمعارضة تطرح أن كل شيء فاسد، وأنه ليست هناك بارقة أمل، وترى، وراء كل خطوات الحكومة، مؤامرة وفسادا ومصالح. الحكومة في تعديلاتها الدستورية تعتقد أن مواجهة التطرف والعنف واستخدام الدين لأغراض سياسية يمكن أن تتم بمزيد من قانون التشدد ضد الحريات الشخصية، وهو فهم قاصر للمسألة، فمواجهة التطرف يتطلب تحسين ظروف حياة الناس وخلق حالة من الشعور بالأمن والاطمئنان وتحسين ظروف المعيشة ومعالجة البطالة والفساد. لكن الحكومة تقرأ المسألة بشكل آخر، معتقدة أن التشدد في قوانين مكافحة الإرهاب والاستمرار في حالة الطوارئ يمكن أن يحل مشكلة، وليست هناك تفرقة بين الإرهاب كظاهرة، ووجود بيئة صالحة للإرهاب يجب مواجهتها عبر برنامج اقتصادي واجتماعي. المعارضة المصرية هي الأخرى في أزمة، فهي تجمع لتناقضات فكرية واجتماعية، وهي تحت شعار مواجهة الحكومة تؤلف مجموعة من المتناقضات، التي لا يجمعها جامع كالإخوان والتجمع والوفد واليسار وهم يتفقون على محاربة ما هو قائم من دون أن يكون لديهم أدنى فكرة عما هو قادم! وهي معارضة ليست لها بدائل ولا برامج تنموية ومستقبلية. الغائب الأكبر هو الناس الذين لا يشاركون في الحياة العامة أصلا. والغائب الأكبر هو مؤسسات المجتمع المدني، التي ذهبت ضحية الصراع بين الحكومة والمعارضة. والشيخوخة هي العامل المشترك بين الحكومة والأحزاب، فليس هناك تجديد للدماء ولا تجديد للبرامج. وليس هناك رؤية للحوار الموضوعي والاتفاق على برنامج حواري يمنع الانهيار ويحفظ بلدا كبيرا، مثل مصر، من إمكانيات الكارثة التي ستحرق الجميع، لا سمح الله.