"الله وحده يعلم اذا كان ولداي سيدخلان الجنة"، هكذا تؤكد بحذر رشيدة والدة عبد الفتاح وايوب الرايدي اللذين فجرا نفسيهما بحزامين ناسفين في 11 اذار/مارس الماضي و10 نيسان/ابريل الجاري في الدارالبيضاء. ولكن لسان حال هذه السيدة ذات الواحد وستين عاما التي تقيم في كوخ لا تتجاوز مساحته خمسة امتار مربعة بحي سكويلا في ضاحية سيدي مومن الفقيرة بالدارالبيضاء يقول انها تميل الى الاعتقاد بانهما حصلا على "الشهادة" التي كانا يتمنيانها. ولا تدين ما قام به عبد الفتاح (23 عاما) وايوب (19 عاما) وتكتفي بالقول "لقد فقدتهما". اما شقيقهما الاصغر نبيل (14 عاما) فهو يعرض بزهو "الصورة الوحيدة التي يمتلكها لعبد الفتاح" وهي صورته لحظة خروجه من السجن بعفو ملكي في ربيع 2005 بعد ان اعتقل لمدة عامين في اعقاب تفجيرات 16 ايار/مايو 2003 في الدارالبيضاء. في هذه الصورة يقف عبد الفتاح مبتسما ورافعا المصحف الى اعلى بيده اليمنى وهو يرتدي جلبابا قصيرا ويحمل لحية طويلة. وتروي الام ان عبد الفتاح تزوج بعد خروجه من السجن بفترة وجيزة واقام في الرباط وانجب طفلا عمره الان اربعة شهور ولكنه لم يره لانه جاء الى الدنيا بعد ان قرر والده التواري عن الانظار والانتقال الى العمل السري منذ ان بدات الشرطة في البحث عنه مجددا في تموز/يوليو الماضي. اعتنق عبد الفتاح مثل شقيقه ايوب والانتحاريين الاربعة الاخرين الذين لقوا مصرعهم في تفجيرات الدارالبيضاء الاسبوع الماضي ما بات خبراء الحركات الاسلامية يصفونه ب"ثقافة الموت" او "فقه الموت". ولم يعد، براي علماء السياسة والاجتماع وعلماء النفس، الفقر والتهميش كافيين لتفسير انتشار هذا "الفقه" الجديد الذي وضعه تنظيم القاعدة بل ان تقاطع عوامل عدة على المستوى المحلي مع الاختلالات على المستوى الدولي افرز هذه الظاهرة التي باتت "عابرة للدول". ويقول استاذ العلوم السياسية والاجتماعية بجامعة عين الشق في الدارالبيضاء محمد طوزي ان "مدينة متروبوليتانية الطابع مثل الدارالبيضاء تفرز بالضرورة مظاهر عديدة للعنف الحضري مثل السرقة بالاكراه والمخدرات والاغتصاب والدعارة فضلا عن الهجرة غير المامونة التي يسميها المغاربة ب'الحريق' لان المهاجرين غير الشرعيين على متن القوارب الصغيرة يحرقون انفسهم ويحرقون المسافات".. "ولكن الظاهرة المثيرة" برايه هي "كيف يتجه هذا العنف الحضري الى الانخراط في ما يعرف بفقه الموت" اي العمليات الانتحارية. ويرى طوزي ان ظهور "فقه الموت" هو نتاج "التقاء العنف الذي تفرزه مدينة مثل الدارالبيضاء مع التطورات التي عرفتها الحركات السلفية الجهادية والنموذج الذي باتت تشكله الان حرب القاعدة في العراق". ويقول انه "مع انحسار دور حركات الاسلام السياسي التي تم تدجينها داخل النظم السياسية القائمة" فان "الفاعلين المحليين لا يتحكمون في اليات تنشئة الشباب وانما يصبح المؤثرون فعليا هم شيوخ الحركات السلفية الجهادية عبر مواقعهم على الانترنت وعبر الصور التي تعرضها التلفزيونات يوميا للعمليات الانتحارية في العراق وافغانستان". ويشير الى ان "غياب اي تأطير سياسي من خلال حركات الاسلام السياسي التي تم تدجينها داخل النظم السياسية خلق فراغا سدته الحركات السلفية الجهادية الوهابية التي تتبنى الان فقه الموت". وتنشط على الساحة السياسية في المغرب حركتان اسلاميتان هما حزب العدالة والتنمية المنبثق عن حركة التوحيد والاصلاح وجمعية العدل والاحسان ذات الطابع التربوي والنزعة الصوفية. ويعتبر طوزي ان كليهما "يعمل من داخل النظام السياسي ولا يشكل بديلا" ولذلك فان "تاثيرهما يبقى محصورا في حدود الطبقة الوسطى والشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى وليس لهما القدرة على تأطير شرائح كبيرة من الطبقات الاجتماعية الدنيا". ويشير خبير الحركات الاسلامية محمد ظريف ان الحركات السلفية الوهابية بدأت بالظهور في المغرب في النصف الاول من ثمانينات القرن الماضي بتشجيع انذاك من السلطات التي كانت تخشى مدا شيعيا بعد قيام ثورة الخميني في ايران عام 1979. ويؤكد ان بعض الحركات السلفية في المغرب تاثرت في ما بعد باسامة بن لادن وتنظيم القاعدة الذي نجح في خلق "ظاهرة الاستشهاديين" واشاعة "ثقافة جديدة للموت" بعد ان قدم النموذج في اعتداءات 11/9 في الولاياتالمتحدة. ويضيف ان "هذه الثقافة لا تكتفي فقط بتوظيف الدين من خلال ابراز منزلة الشهداء عند الله وانما تجعل للموت وظيفة اجتماعية اذ تعتبر ان الامة التي لا تستطيع التضحية بارواح ابنائها لا تستحق الحياة". اما استاذ الطب النفسي في جامعة الدارالبيضاء عمر بطاس فيعتقد ان المحرك الاساسي ل"الاستشهادي" هو "الشعور بالانتماء الى مجموعة معنية والتماهي فيها" وان الفكر السلفي القائم على فكرة "العزلة" عن المجتمع والتبرؤ منه يساهم في الاعداد النفسي للانتحاريين من خلال تسهيل "انسلاخهم" عن محيطهم. ويؤكد ان "هشاشة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والشعور بالتهميش يمكن ان يكون عاملا يساهم في اقناع الشباب" بفكرة "التماهي في مجموعة ما ويتم توظيف الدين وفكرة الشهادة للدفع باتجاه فكرة الانتحار الارادي".