بعد جلسة عاصفة ومنهكة للبرلمان الهولندي استغرقت 14 ساعة، واستمرت حتى الثالثة صباحًا، وافقت الوزيرة المكلفة بشؤون الهجرة "ريتا فيردوك"، وبعد ضغوط غير مسبوقة وافقت على مضض فيما يبدو على بحث إمكانية النظر في وسائل جديدة تستعيد من خلالها البرلمانية المستقيلة "أيان هيرسي علي" جواز سفرها الهولندي. جاءت هذه الجلسة البرلمانية الخاصة والعاجلة، بعد أن قررت الوزيرة "فردونك" أن "هيرسي علي" قد فقدت جنسيتها الهولندية، وبالأحرى لم تحصل عليها أصلاً؛ لأنها منحت الجنسية عام 1997 بموجب معلومات كاذبة. احتلت الوزيرة طيلة الجلسة موقع المدافع عن مواقفها، ولم تتمتع بلحظة تسترد فيها الأنفاس. لقد تعرضت لهجمات من مختلف الفرق الجزبية، بل وحتى من حزبها أصلا. لم يستطع البرلمان أن يتقبل السرعة التي قررت بها الوزيرة كون "هيرسي علي" لا تعتبر حاصلة على الجنسية الهولندية؛ نتيجة للمعطيات الكاذبة التي قدمتها أثناء طلب الحصول على الجنسية. يأخذ عليها زملاؤها في البرلمان تسرعها في اتخاذ القرار، وعدم التمهل، وعدم استشارة عدد كاف من المختصين. واجهت "ريتا" الحديدية الهجموم الكثيف عليها في البرلمان بثباتٍ، ولم يرمش لها جفن، وهي تكرر مرة تلو الأخرى نفس ما قالته للمتحدث السابق للذي يليه بكلمات أخرى، بل وضحت بهدوء تام وبشكل مقنع: لماذا اضطرت إلى فعل ما قامت به؟"؛ لأنه لم يكن هناك مطلقا حل آخر"، كما تقول، وتؤكد أن ما فعلته مبني على القانون. غير أنها أُحرجت ولا شك تألمت كثيرًا عندما تقدم حزبها بالتماس يطلب فيه أن تراجع قرارها، سيما وعندما حظي الالتماس بدعم أحزاب برلمانية مختلفة.. منها حزب العمل، الحزب المسيحي، حزب ديمقراطيي 66، حزب اليسار الأخضر، حزب الاتحاد المسيحي، والحزب الاشتراكي، ويؤكد الالتماس الرفض التام لقرار "فيردونك"؛ إلا إذا قبلت بحل يرضي الجميع. الحل الذي يرضي جميع الأطراف بسيط. ما على السيدة "فيردونك" إلا أن تصلح الاسم وتاريخ ميلاد "أيان هيرسي علي" أو "أيان هرسي ماغان" في نسخة جديدة من الجواز الهولندي. لقد منحت للوزيرة مهلة أسابيع، يرجى خلالها أن تستجيب لطلب البرلمانيين. ونفس المدة منحت أيضًا ل"هيرسي علي"؛ من أجل تقديم طلب رسمي بالطعن في قرار الوزيرة. على الوزيرة أن تفكر جيّدًا في مخرج قانوني يسمح لها بتحقيق أمل البرلمان الهولندي؛ إذ ترى الأغلبية في البرلمان أنها تستطيع أن تحقق رغبتهم؛ بناء على أساس أحكام الهيئة القضائية العليا نفسها؛ بحيث يمكن ترجمتها بشكل أو بآخر لصالح "هيرسي علي". إن موقف الوزيرة الذي لم يتغير بعد الجلسة "الماراثونية"، لا يوحي بأنها ستأتي بجديد لإرضاء الأغلبية الكبيرة في البرلمان. ريتا فيردوك يعتبر العديد أن ما قامت به "فيردونك" بشأن "هيرسي علي"، يدخل في إطار الحملة ضد زميلها الشاب في الحزب الليبرالي "مارك روته"، على تزعم اللائحة الحزبية الانتخابية أثناء الانتخابات التشريعية التي ستجرى العام المقبل. إذا كان ما تقوم به السيدة "فيردونك" بالفعل لغرض في نفسها، فإنها مخطئة. وقد أعلنت المندوبة الأوروبية "نيلي كروز" إحدى أقوى نساء الحزب الليبيرالي الهولندي عن تخليها عن تأييد السيدة "فيردونك" لقيادة الحزب الليبرالي في الانتخابات القادمة. "لم تعد تستحق مساندتي بعدما حدث".. تقول "نيلي كروز". سيذهب صوت "نيلي"؛ الذي له وزن كبير داخل الحزب إلى الشاب "مارك روته". وبذلك فإن أول ما تخسره "ريتا" في هذه المعمعة، سيبب لها ألما عظيما لا محالة. تجدر الإشارة إلى أن مسألة "هيرسي علي" أثارت الجدل داخل المجتمع الهولندي، كما أثارت الاهتمام الدولي أيضًا، واتضح من الندوة الصحفية التي عقدتها "هيرسي علي" أنها انتقدت قرار "فيردونك"، وأكدت إحساسها بالانتماء لهولندا. كما أعلنت "هيرسي علي" أثناء الندوة على إنهاء عضويتها للبرلمان الهولندي في الحال، والرحيل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية. لم يكن السبب وراء ذلك قرار "فيردونك" بسحب الجنسية الهولندية منها فقط، وإنما قرر القاضي أيضا أن تغادر "هيرسي علي" منزلها المحروس في مدة لا تتعدى الأربعة أشهر، وذلك بعدما قدم الجيران شكوى لدى المحكمة تفيد عدم إحساسهم بالأمان في جيرة "هيرسي علي" المهددة في حياتها. لقد ظهر من استطلاع للرأي يوم أمس، بعد الندوة الصحفية أن الشعب الهولندي منقسم في موقفه من "هيرسي علي".. هناك من يتعاطف معها ويتفهم وضعها، وهناك من يرى أن من الأفضل أن تحمل حقائبها وترحل؛ لتترك المجتمع في أمان كاد أن يتلاشى بسبب بعض مواقفها.