في ظل نظام مؤسسات الجمهورية الخامسة، المعززبانعكاس روزنامة الانتخابات(التشريعية تعقب إجباريا الرئاسية)، تعتبر معركة قصر الإليزيه أم كل المعارك الانتخابية.والحال هذه،يتركز انتظارفرنسا على هذا الاستحقاق، كماعلى الشخصيات القادرة على الفوزبه. ويعتبر هذا الانتظار قويا جدا بالنظر إلى الأسئلة الثقيلة التي تنخرالمجتمع الفرنسي ( النقاش حول "الجمود"،القوة المطالبة بالتغيير في مجتمع بات يخشى أن يفقد مكاسبه الديمقراطية و الاجتماعية،وتسلط مسألة الهوية، و تعطل المصعد الاجتماعي)، و التي لم تجد أجوبة واضحة . تقليديا ،كانت حكمة الاستحقاقات الرئاسية في فرنسا،تريد أن تكون الدورة الأولى فرصة للإختيار بين المرشحين ، أما الدورة الثانية ، فتكون مناسبة لإقصاء واحد من المرشحين. أما في هذه الانتخابات الرئاسية ، فقد جرى العكس تماما. إذ كانت الدورة الأولى مناسبة لإقصاء عدد كبير من المرشحين ، فيما أصبحت الدورة الثانية التي ستجري يوم الأحد 6 أيار/ مايو المقبل فرصة للإختياربين مشروعين . و بصرف النظر عن حالة الغموض التي سيطرت على مجريات الحملة الانتخابية ، فإن المشروع الوحيد الذي يجابه مشروع نيكولا ساركوزي ، و يرتكز على قوة سياسية قادرة على الحكم ، هو مشروع سيغولين رويال . بيد أن الحسم لا يزال بعيدا عن متناول أيّ من مرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية، بانتظار ما ستظهره استطلاعات الأيام المقبلة، ولا سيما بعد المناظرة المرتقبة بين نيكولا ساركوزي وسيغولين رويال الأربعاء 2مايو الجاري،التي عادة ما تحدد هوية الفائز في الدورة الثانية. كل هذا يشكل مادة دسمة للفرنسيين الذين ينتظرون بفارغ الصبر "المناظرة التلفزيونية" المرتقبة ، والمتوقع أن تمثّل تحولاً في مسار الخط الأخير قبل الوصول إلى الإليزيه؛ إذ ينتظر المراقبون أن تكون المناظرة بمثابة "صراع جبار" حامي الوطيس بين شخصيتين قويتين، وأن تحوي من "الإثارة والصدامات" ما يجعلها تنافس أفضل برامج ال "تيلي رياليتي"، حيث يكون التشديد على نفسيات "المشاركين" وشخصياتهم وسرعة بديهتهم وتفننهم بالتراشق الكلامي وبإخراج الجمل القاتلة. فقد سبق فوز ميتران في الدورة الثانية لانتخابات العام ,1981 تفوقه في المناظرة على جيسكار ديستان. وقبل أن يدخل جاك شيراك سبعة أعوام إلى الإليزيه في العام 1995 كان قد سحق خصمه الاشتراكي ليونيل جوسبان أمام الكاميرات، قبل أن يستكمل نصره التلفزيوني بنصر في صناديق الاقتراع. بعد أن استفادت المرشحة الاشتراكية من انضمام كل مرشحي اليسار الأنتي ليبرالي الذين حصلوا مجتمعين على 9% في الدورة الأولى ،متراجعين عن الانتخابات الرئاسية في عام 2002، عندما حصلوا على 13،8%،و الذين رفعوا شعار "أياً كان إلا ساركوزي" منذ بداية الحملة الانتخابية،تخوض سيغولين رويال معركة كسب ناخبي الوسط السبعة ملايين الذين صوتوا لمصلحة مرشح الوسط فرانسوا بايرو ، باعتبارهم سيلعبون دورا كبيرافي لعبة الأيام الأخيرة. واستطاعت سيغولين رويال أن "تشد بايرو" لمناظرة تلفزيونية قبل أيام وظهرت كأنها "مرشحة الانفتاح على الآخرين"، في حين أن نيكولا ساركوزي رفض "السجال مع الخاسر".ولم تفعل سيغولين روايال سوى تمثل أسلوب فرانسوا ميتران . أمام هذه الاستفادة ، كشفت رويال للمرة الأولى في تصريح لصحيفة "لوموند" الفرنسية يوم الاثنين الماضي ، عن احتمال أن تكلف برئاسة حكومتها الأولى الاشتراكي دومينيك شتراوس خان، وهو وزير الاقتصاد السابق، وزعيم الجناح الديموقراطي الاجتماعي اليميني في الحزب الاشتراكي، وهي رسالة واضحة لناخبي الوسط الذين يعتبرون شتراوس كان، قريباً جداً من مرشح الوسط فرانسوا بايرو، وقد يرفع ذلك من حصتها بين السبعة ملايين ناخب الذين اقترعوا لبايرو في الدورة الأولى، والذين تقول الاستطلاعات إن 60 في المئة منهم قد اختاروا سيغولين رويال، فيما اختار 30 في المئة نيكولا ساركوزي. هذه القاعدة التي اختارتها سيغولين رويال هي أيضا قديمة قدم الانتخابات الرئاسية.فمنذ عام 1965، كان كل مرشح اشتراكي يصل إلى الدورة الثانية ، يحاول ، لكي يفوز في الدورة الثانية ، أن يحصل على دعم ناخبي الوسط.في عام 1965، عندما وصل فرانسوا ميتران إلى الدورة الثانية بوصفه مرشح الاشتراكيين و الشيوعيين ، بحث في كسب قسم من ناخبي جان لوكانييه. و في عام 1974،عندما كان فرانسوا ميتران مرشحا وحيدا للحزب الاشتراكي و الحزب الشيوعي، عمل الشيء عينه لجلب ناخبي جاك شابان دالماس. هاتان المحاولتان من "التحريض "الانتخابي لم تحققا اختراقا إلى غاية عام 1981، عندما يسّر جاك شيراك سرا فتح أبواب قصر الإليزيه لفرانسوا ميتران ، فاتهمه جيسكار ديستان آنذاك مرشح اليمين التقليدي أنه ارتكب "خيانة متعمدة". لكي تبرهن سيغولين رويال عن حريتها إزاء حزبها الاشتراكي ، فقد اختارت الانفتاح على الوسط بدعم قوي من كبار بارونات الحزب الاشتراكي ميشال روكار، وبرنار كوشنر، ودومنيك شتراوس خان . صحيح أن فرانسوا بايرو لم ينضم إلى تحالف مع رويال ، لكنه انتقد بشدة ساركوزي. و هناك توافق في المصالح بين ساركوزي و بايرو. فرويال كانت تبحث من خلال اللقاء مع بايرو تبادل الأفكار لتحديد النقاط المشتركة، إذ قالت إنها لا تنتظر منه أن "ينضم إليها في نهاية اللقاء"، الذي "يسمح بالعمل معاً لنهضة فرنسا". وقد وافقها بايرو على وجهة النظر هذه. منذ مؤتمر إيبيناي عام 1971، عندما كان فرانسوا ميتران متحالفا مع الشيوعيين ، والحزب الاشتراكي يحاول أن يجسد القطيعة مع الماركسية، على غرار بقية الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية. الآن تتمتع سيغولين رويال بهامش من الحرية بوصفها مرشحة للانتخابات الرئاسية، فقد استطاعت أن تكسر عدة طابوات ، كان الحزب الاشتراكي يرفض التحرر منها،و هي الآن شرعت في بلورة خط جديد اشتراكي – ديمقراطي إصلاحي يقف بين فرانسوا ميتران و طوني بلير، الاشتراكية –الليبرالية و مناهضة العولمة. ومهما كانت نتيجة 6 مايو ، فإن الحزب الاشتراكي لن يعود إلى نقطة البداية. أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني.