مازلت وقافا على مايكتبه د.الهاشمي الحامدي من كلمات ملبسة بالعسل قصد استدراج عناصر جديدة من حركة النهضة الى كعكة مغشوشة تحمل مسمى المصالحة ... ولازلت وقافا عند اصراره على استنطاق الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة بطريقة بوليسية فيما يخص دعوة كريمة وقديمة من رئيس الجمهورية التونسية عبر فيها شفاهة وبطريق الهاتف عن استعداده لفتح ملف الاسلاميين التونسيين واعادة النظر فيه من زوايا الصحيفة والجمعية الثقافية ... وكم كنت مسرورا لو أن رئيس الجمهورية التونسية-اذا صح مانقل عنه في هذا الصدد- استوعب تطبيقا وعملا بأن قضايا الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان واحترام كرامة المواطن وتمتيع الهيئات والأحزاب بحقها في التنظم والنشاط القانوني وفتح أبواب حرية الاعلام وغلق ملف المحاكمات السياسية وطي صفحة الماضي الأليم وايقاف جرائم التعذيب في المخافر والسجون... , كم كنت مسرورا لو رأيت رئيس الجمهورية يعيد النظر قولا وعملا في طريقة تعاطي الدولة وأجهزتها مع مثل هذه القضايا بعيدا عن الهواتف والوساطات التي لاتسمن ولاتغني من جوع ... لقد نسي السيد الحامدي بعد مرور ثماني أو تسع سنوات على مكالمته المذكورة مع شخص رئيس الجمهورية بأن قضايا الحريات الأساسية وحقوق المواطنة ورفع المظالم واسترداد الحقوق هي من الموضوعات التي لاتعالج الا بقرارات شجاعة و بالتمسك بنص الدستور والقوانين الأساسية والمعاهدات الدولية التي أمضت عليها تونس في هذا الغرض ,وبمعنى اخر لايمكن تعطيل مصالح التونسيين وحقوق مواطنتهم الدستورية على مضمون مكالمة هاتفية مر عليها مايقارب العقد .. وعلى افتراض أن الشيخ راشد الغنوشي رفض العرض الكريم والسامي من سعادة أخينا الحامدي ,فهل يمكن رهن مصير مئات السجناء السياسيين ومصير الالاف من المنفيين ومصير مستقبل سياسي وحقوقي لشعب بأكمله لمكالمة هاتفية ؟!... يبدو أن السيد الحامدي نسي أن تاريخ تونس وشعبها لايتوقف من حيث المصير على مكالمته الكريمة مع رئيس الجمهورية التونسية ,بل ان مصيرها كبلد وشعب مرهون بارادة أبنائها ونضالاتهم وتضحياتهم من أجل تجذير قيم دولة الحق والقانون ... اننا لانريد للزعامات السياسية ولا لأصحاب العلاقات العامة من أمثال أخينا الحامدي أن يرهنوا حرياتنا ومواطنتنا الى الهاتف والفاكس ومصالح البريد ... فالطريق حينئذ يادكتور محمد الهاشمي واضح المعالم , اذ أن بحثك عن مؤازرة الدكتور أحمد المناعي عبر حديث عن محطة تاريخية مضى عليها حوالي ثلاثين سنة ضمن لقاء سابق بين وزير دفاع تونس عبد الله فرحات والشيخ الغنوشي لايمثل في نظرنا الا رغبة منك في تصدر الواجهة من جديد بعد أن فشلت في اقناعنا بمشروعك الاعلامي الذي لم يقدم للتونسيين الا برامج في المدائح والأذكار لفخامة رئيس الجمهورية ومنجزات اقتصادية أو اجتماعية لايمكن تثبيتها دون اصلاحات سياسية وحقوقية واعلامية حقيقية ... انك اذ لم تفلح اليوم في اقناعنا بمشروعك الاعلامي تونسيا-عبر طرح قضايا الوطن الحقيقة دون غش أوتلبيس- فلن تفلح أبدا في لعب أدوار سياسية أو الاضطلاع بأدوار وساطة لانحتاجها لا منك ولا من غيرك طالما أن طريق اعادة الحقوق الى أصحابها والالتزام بتعهدات الدولة الدستورية والقانونية لاتحتاج الى هواتف وفاكسات وتعهدات خطية بعدم ممارسة النشاط السياسي أو طلب العفو الذي يخضع لتزكيتك الشخصية في العشرات من الحالات من عاصمة الضباب لندن ,في رسائل كنت توجهها عبر الفاكس الى المصالح "المختصة " ... أما عن الاستشهاد بكلام من تقرير لزميلنا الأستاذ صلاح الدين الجورشي بخصوص اعراض النهضويين عن مساعيك الحميدة لدى أعلى هرم السلطة ,فهو من ضعيف الرواية وفقدان الموضوعية في توصيف النصف الثاني للكوب , حيث أن مهمة الاعلامي كما هو الحال مع زميلنا الجورشي تكمن في نقل مايتداول من روايات سياسية واعلامية مع الاحتراز طبعا وهو مافعله في تقريره الذي أوردت جزءا منه في مقالك هذا اليوم الأحد 27 ماي 2007 . ان ماكتبه الأستاذ الجورشي في هذا الغرض -مع احترامنا الكبير لادائه الاعلامي المتميز- ليس قرانا منزلا وهو في حاجة أيضا الى تنسيب ,حيث أنني لازلت شخصيا من الموقنين بأن اطلاق سراح المئات من مساجين حركة النهضة نهاية التسعينات لم يكن مكرمة أو هدية مقدمة الى شخص الدكتور الحامدي , بقدر ماأنه جاء نتيجة طبيعية لرغبة الدولة في التنفيس السياسي في فترة زمنية عرفت استحقاقا انتخابيا هاما سلطت فيه أضواء الاعلام عالميا على الوضع الداخلي في تونس ... أما فيما يخص وجود مارب أخرى لتدخلك لدى شخص رئيس الجمهورية , فان هذا مما متيقن به حيث سبق لك وأن صرحت وعلى شاشة المستقلة بأن لديك رغبة في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وبأن كل الخيارات مازالت مفتوحة لديك ,وهو ماعنى تهميشك لاحقا من قبل صانعي القرار في تونس عن سياق لعب أي أدوار مستقبلية بعد أن استقر لديهم الرأي بأن أدوارك لم تعد بريئة على النحو الذي تقدمه في كتاباتك المعسلة بالنص الديني والتلطف بين يدي قرائك من النهضويين ... في الختام لقد أردت من خلال هذه المصافحة وضع النقاط على الحروف بعد أن أراد أخونا محمد الحامدي الظهور مجددا بمظهر الوسيط البريء والحريص على مصلحة الوطن بالتوازي مع دور اعلامي مشبوه ومزيف للحقائق وملبس على الناس ,صور لنا فيه الوضع العام في تونس على الشاكلة السويسرية وسوق لنا فيه شهادات زيف على العصر على لسان عناصر متزلفة ومتملقة ومتسلقة من داخل الجهاز الرسمي للدولة ... انك يادكتور مدعو اليوم الى التطهر الاعلامي والسياسي من شهادات الزور التي قدمتها للناس على شاشتي الديمقراطية والمستقلة حول أوضاعنا الحقوقية والسياسية في تونس ...كما أنك مطالب قبل أن تستنطق الشيخ الغنوشي بطريقة بوليسية بالكشف عن الجهة الرسمية التي دعتك الى لعب ورقة المصالحة المغشوشة في مثل هذا التوقيت السياسي بالذات ... واذا استعادت المستقلة والديمقراطية مصداقيتهما في الشأن التونسي عبر فتح منبريهما على أصوات الحرية والتعديية والمشاركة الاعلامية الثرية والحقيقية وكشفت لكل التونسيين والتونسيات عن الجهة التي طلبت منك هذا الدور المشبوه وقت تصاعد عملية خنق واهانة الحريات , فانني سأقف بعدها معك في مطالبة النهضة بواجبها الوطني في مسألة المراجعات ,والتي أظن أنني تحدثت عنها فيما سبق ضمن عشرات المقالات ولم أدخر يوما وسعا في رفع الصوت من أجل تحقيقها ولكن ليس على حساب الحقوق الأساسية وكرامة المواطنين ومطمح دولة القانون والمؤسسات . حرر مساء 27 ماي 2007-11 جمادى الأولى 1428 ه . ينشر بالتزامن على مجموعة من الصحف والشبكات الاخبارية *كاتب واعلامي تونسي/رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية