أعود اليوم وبطلب من بعض القراء الى موضوع الحوار مع الأخ الدكتور محمد الهاشمي الحامدي مدير مجموعة المستقلة التلفزية, لأتوقف في هذه المناسبة على توقيت غير بريء اختاره زميلنا مدير القناة اللندنية لطرح موضوع المصالحة الوطنية على معشر التونسيين والتونسيات ولاسيما المنفيين منهم والمنفيات ... وفي مقدمة ماسأطرحه من اراء وأفكار في هذه الحلقة أود التذكير في تواضع جم بمسائل هامة 1- أود تذكير كل المعنيين بالشأن السياسي التونسي وكل أصدقائنا العرب الذين يتابعون ماأكتبه من اراء وأفكار بأننا لم نرفض فيما سبق اطلاقا انخراط المعارضة التونسية وكل مكونات الفضاء السياسي التونسي في مشروع مصالحة وطنية عادلة وصادقة تعيد الحقوق الى أصحابها وترفع هذه البأساء والضراء عن طيف واسع من التونسيين والتونسيات ,بل اننا دعونا سابقا ومازلنا ندعو الى رأب الصدع تونسيا وعربيا بين الشعوب والحكومات على أرضية أن التصدي للتحديات الخارجية بات أولوية وطنية مقدمة على تعميق الشقة بين المعارضات والحكومات بالمنطقة العربية. 2- اننا نعتبر المصالحة العادلة والاخذة بالشروط الموضوعية للاصلاح من قبيل الهدف الجمعي الذي ينبغي لنا كمعارضين ووطنيين العمل من أجله مهما اشتدت القطيعة بين النخبة الحاكمة والوسط السياسي المعارض ,ومن ثمة فاننا لسنا من أنصار القطيعة مع قوى الاصلاح من داخل السلطة أو من خارج هياكلها ,بل اننا نعتبر أن الحل الواقعي للأزمة السياسية في تونس لايخرج عن اطار استعمال أدوات الضغط السلمي والمدني من أجل اجبار النخبة الحاكمة على التسليم للمجتمع بحقوق المواطنة الأساسية وبحقوق المشاركة السياسية . 3-ان اعتراضنا على المصالحات المغشوشة أو ماأسميته في مقالي السابق باللبن المغشوش هو اعتراض مبدئي لايمكن التراجع فيه على ضوء مجموعة من الاغراءات التي تلوح بها السلطة هنا وهناك لبعض حاملي لواء التسويق والترويج لشروط غير عادلة لمصالحات هشة تهدف الى كسب الوقت واطالة أمد الأزمة . 4-يبقى خيار المراهنة على الحلول الثورية والجذرية في استبدال الأنظمة "المستبدة" بأخرى جديدة "عادلة" ومن صلب المعارضة ,من قبيل الأحلام الوردية ,ولاسيما في مثل هذا التوقيت الذي تعرف فيه المنطقة رسميا تحالفا استراتيجيا بين طيف عريض من الأنظمة العربية وبين عواصم صناعة القرار الدولي ,ومن ثمة فان تنسيب الحلول والرضا بسقف معقول من التغييرات السياسية ذات المنزع الاصلاحي هو من قبيل "رحم الله امرئا عرف قدره "... 5- هناك سقف أدنى للمعارضات العربية لايمكن التنازل عنه-ومن بينها التونسية قطعا- ,وهو في كيفية طلب الاصلاح أو عرض مااصطلح عليه بالمصالحات الوطنية , اذ لابد أن يراعى في سياق نضالات كل معارضة عربية كيفية طرح مطالب الاصلاحيين ,التي لاينبغي تقديمها في أشكال من التذلل أو التسول أو تجريم نضالات الشرفاء والوطنيين أو تلميع صورة الجلادين وتقديمهم للعالم بصورة المصلحين والبنائين والرواد والتقدميين , وبالمقابل فان هذا لايعني بأن مسيرة المعارضات لم تخل عربيا من أخطاء سياسية وزلات وعثرات ينبغي الوقوف عليها بالتقويم والمراجعات والمصابرات والمكابدات ,وهو مايعني أن عملية الاصلاح الداخلي للأحزاب والهيئات ينبغي أن تسير بالتوازي مع مطالبة الأنظمة السياسية الحاكمة باعتماد أجندات اصلاحية ترفع حالة الاحتقان وتوسع من دائرة المشاركة وتضع حدا للمظالم الحقوقية والاعلامية والسياسية في مجتمعاتنا ... وبالعودة الى منطلق حديثنا وهو مافعلته مجموعة المستقلة على مدار الخمس سنوات الأخيرة في علاقتها بالشأن التونسي ,فاننا نلحظ وبشكل قاطع اختلال الشأن المهني والحرفي في تعاطي "المستقلة" وشقيقتها "الديمقراطية" مع الشأن التونسي , اذ بات بالمكشوف أن الأخ د.محمد الحامدي يقوم بعملية تبييض وتلميع لصورة حقوقية وسياسية مشوهة لايمكن الدفاع عنها أو الترويج لها مهما سيق لنا من مبررات ... ولعلني أضطر في هذا السياق الى التذكير بأن مما يحذر منه أكاديميا لدى المختصين في الشأن الاعلامي هو الوقوع في الأخطاء الموضوعية الفادحة ,ويقصد بذلك على سبيل المثال الترويج للأنظمة القمعية على أنها أنظمة سوية أو على أنها صنوان في قيمتها للنظم الديمقراطية , وهو الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه أخونا د.الهاشمي الحامدي الذي أراد الخلط بين أهدافه السياسية غير المعلنة وبين مهمات اعلامية تشترط مهنيا وعالميا الخضوع لمواصفات دقيقة في العمل الاعلامي . هناك بلا شك عربة سياسية تونسية بمحرك بخاري لم تواكب الحداثة القانونية والسياسية ومعايير السلامة والوضوح في الوجهة والمسار ,بل ان هذه العربة تمارس أدوارا مشبوهة منذ أن انحرفت عن مساراتها الطبيعية بداية التسعينات من القرن الماضي ,حيث دخلت في نفق مظلم لم تشارف على الخروج منه بعد ,أمام دخول قادتها وسائقيها في دائرة مفتوحة من المحاكمات السياسية وغمط الحقوق وغبن المواطنين , وهو ماعنى أن النبيه والعاقل كان عليه أن يقفز من على ظهر هذه العربة البخارية المشبوهة حتى لاتلوثه بسوادها ولاتضيعه وراء انحراف مسارها بين سلسلة من الأنفاق والمنعرجات والانكسارات... الغريب في الأمر هو أن أخانا الدكتور محمد الهاشمي قد اختار التعلق بأهداب هذه العربة البخارية المشبوهة عبر تصويرها على أنها عربة سوية وذات محرك صناعي حديث وذات معدن فضي أو ذهبي خالص ونفيس , وذات توجه حضاري ومدني معاصر زاخر بالمنجزات ..., بل انه لم يكتف بنظم قصائد المدح في هذه العربة البخارية القديمة والمشبوهة ,وانما اختار الركوب فيها ظانا بنفسه قد ركب عربة حديثة وذات محرك نفاث ستقوده والمائة الممضين على عريضة مقدمة الى رئيس الجمهورية الى ديمقراطية "كوالالامبور" و"سان باولو" أو "سان فرانسيسكو" أو ديمقراطية عاصمة الضباب ...! الطريف في الأمر أن المعارضين التونسيين والنهضويين هذه المرة كانوا على غاية من الدهاء ,اذ ترك الأخ الدكتور محمد الحامدي لوحده على ظهر العربة البخارية المشبوهة ليمتنع العشرات من شباب تونس المكويين بضجيج وسواد بخار هذه العربة عن الركوب ... غير أن الأغرب في قصة العربة البخارية المشبوهة أن مدير مجموعة المستقلة وأخونا الدكتور محمد الهاشمي مازال مصرا ولحد هذه الساعة على ضياع بريق قناة المستقلة ولهيب قناة الديمقراطية وراء وهم وسراب تونسي رسمي يعدنا ويمنينا في كل مرة بالاصلاح ,ومايعدنا الا غرورا ... بل ان اية الغرابة أن الأخ محمد الهاشمي مازال متوهما بأن العربة البخارية المشبوهة مازالت تحتاج الى تجربة ثلاث سنوات أخرى من الركوب الجماعي حتى توصلنا جماعيا الى ديمقراطية "كوالالمبور" أو حداثة "سان باولو" أو أمان "سان فرانسيسكو" ...! لم يبق أمام مجموعة المستقلة كي تنقذ نفسها ومديرها من تلوث وضجيج وتيه العربة البخارية المشبوهة ,الا القفز العاجل من على ظهر عربة التيه والضياع والالتحاق بأنظف وأقرب محطة قطار ثم الالتفات في غير غفلة أو دهشة الى "فقه القطارات المقارن" ,حيث تأتي مجموعة من العربات الفولاذية ذات المحركات الهادئة والحديثة وذات الطلاء الرائع والجميل من العاصمة لندن لتقول للأخ العزيز دكتور محمد الهاشمي " ارفع رأسك انك بعاصمة الملكة "اليزبيث" عاصمة الحداثة السياسية والاعلامية الأوروبية ,وقد نجاك الله تعالى من عربة القرون الوسطى التي تحتاج الى صيانة وتحديث وقد حان الوقت كي تتطهر من لوثات العربة البخارية المشبوهة القادمة من بلد كان يفترض فيه اطلاق عربات فولاذية , حداثية , براقة , ناصعة وبيضاء ! " ... دمتم في رعاية الله وحفظه والى حلقة قادمة نركب فيها جميعا قطار الحداثة والاصلاح من العاصمة السياسية تونس بمشيئة الله... حرر بتاريخ 26 ماي 2007- 10 جمادى الأولى 1428 ه *كاتب واعلامي تونسي/رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية [email protected] مقالات وتحاليل للكاتب متعلقة بالموضوع 1- الغيرة الوطنية ليست كسرا للعظام وانما تصحيح للمسارات 2- دعوة الى التطهر الاعلامي 3-تونس المصالحة العرجاء على طبق سياسي مسموم...! 4-كلمات للتاريخ أرفعها الى صاحب مجموعة المستقلة بئس اللبن المغشوش ! 5-ضاعت مجموعة المستقلة وراء عربة قطار بخاري مشبوه !