كلمة عابرة قالها وزير الأمن الاسرائيلي يوم الخميس لا بد أن نضعها نحن العرب في سياقها التاريخي وهو يتحدث عما سماه تهديد أمن اسرائيل من قبل حماس وصواريخ القسام، حين قال للاذاعة العسكرية الاسرائيلية: لا بد من حسم الصراع بيننا و بينهم عسكريا. و هنا يجب أن نتوقف لحظة و نتأمل ما يقصده الوزير، و نحن نشهد تواصل المواجهات بين الفصائل الفلسطينية مجهولة الهوية و الأغراض و لا نقول بين فتح و حماس،لأنهما نحسب و الله أعلم ملتزمتان باتفاق مكة، وحيث يملأ الملثمون شوارع غزة مسلحين و متأهبين، وحيث يغرق مخيم نهر البارد في المأساة و يهرب الأبرياء منه تحت قصف المدافع اللبنانية، و حيث اختطفت قوات اسرائيل يوم الخميس 33 شخصية من حماس على رأسها ناصر الدين الشاعر وزير التربية و التعليم لاستخدامهم كرهائن، و حيث تستهدف اسرائيل اليوم خالد مشعل و اسماعيل هنية لتصفيتهما. فالوزير الاسرائيلي لا ينطق من فراغ و يقصد بعبارته( الحل النهائي أو العسكري) طي ملف القضية الفلسطينية على الطريقة النازية لا أكثر و لا أقل، أي الابادة الباردة و الممنهجة و التي لا تثير ردود فعل و لا راد لها مادام الرأي العام الدولي و حتى العربي و المسلم واقعين تحت التخدير الاعلامي المدروس، و ما دامت القوى العظمى لا ترى مانعا من انهاء الصراع بهذا الشكل. انها القارعة و ما أدراك ما القارعة، تطرق أبوابنا الموصدة لتعلن عن بداية الحل النهائي لشعب عربي أصابته نكبة 1947 و سلبته بقية وطنه نكبة 1967 وهو يبعث حيا من جديد كلما اعتقدنا بأنه مات و امحت معالمه من الوجود. هذا الشعب الذي كنت حاضرا وراء الرئيس بورقيبة في ميناء بنزرت لاستقبال زعيمه ياسر عرفات و بقية مجاهديه المغادرين لبيروت بعد النكبة الأخرى عام 1982 وهم يلوحون لنا من على ظهر الباخرة التي أقلتهم من لبنان الى قبرص و من قبرص الى بنزرت لتبدأ مرحلتهم التونسية استعدادا للخديعة العالمية الكبرى التي تسمى اتفاق السلام بأوسلو، وهي نكبتهم الرابعة حتى لو عاد منهم من عاد الى جزء يسير من تراب الوطن السليب. تلك النكبة التي انتهت بمجزرة جنين و قتل أبو عمار بالسم، وهو الذي قبل بأوسلو و صافح سفاحي شعبه و قاتلي محمد جمال الدرة و الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي و الشهداء البررة. لم يشفع له غصن الزيتون و لا التنازلات التاريخية فقتلوه و كتب بعد ذلك الصحفي الاسرائيلي أمنون كابليوك في مجلة لوموند دبلوماتيك بأن الذين قرروا تصفيته بالسم ثلاثة هم أريال شارون رئيس الحكومة و شاؤول موفاز وزير الدفاع و سيلفان شالوم وزير الخارجية. وهو ما أكدته صحيفة هاأرتز يوم 9 نوفمبر 2005 و أقام الحجة عليه كتاب صدر عن دار هاشيت الباريسية بعنوان( حرب اسرائيل السابعة ) الذي يقول بالحجة بأن شارون خاطب بالهاتف الرئيس بوش ليقول له يوم 4 نوفمبر 2004 بأنه في حل من وعده بالابقاء على عرفات حيا. هذه بعض نكبات فلسطين، فهل يمكن اضافة حلقة فتح الاسلام الراهنة في مدينة طرابلس اللبنانية الى هذا المسلسل الكارثي؟ و لبنان يتعرض بالرغم عنه الى عملية تدويل غير بريئة، بداية من ضخ السلاح الأمريكي و انتهاء الى انزال الجيوش الأجنبية لأداء المهمة عوضا عن الجيش اللبناني كما وقع عام 1958 مع الرئيس كميل شمعون. فالفرصة التاريخية متوفرة اليوم أمام أعداء لبنان و العرب، لتحويل لبنان بدعوى حمايته الى بؤرة اضافية من الصراع الدولي حول مناطق الهيمنة وفضاءات التأثير، و تحويل جيش لبنان عن عقيدة مواجهة المحتل الاسرائيلي الى عقيدة قتال الأشقاء في حال انتشار اللهيب. ألم يحن الوقت و لم تأزف الساعة لكي يجتمع العرب على كلمة سواء و أن يضغط القادرون منهم كما طالب بذلك الشيخ فضل الله على واشنطن و تل أبيب حتى على ضوء العلاقات القائمة بينهم و بين هاتين العاصمتين، من أجل تيسير الخروج من النفق بأقل التكاليف، أي برفع الحصار المضروب على الشعب الفلسطيني، و بتحقيق القرارات الأممية بشأن لبنان و بداية التخطيط لحل سياسي عادل في العراق. هذه هي الحلول الجذرية للأزمة العميقة التي تعصف بالشرق العربي كله وهو شرق بلا حدود لا جغرافية و لا طبيعية و لا ثقافية و لا تاريخية، وهو اقليم يقع في قلب العالم ويربط بين القارات و الحضارات منذ ثلاثة الاف سنة. و لا بد طال الزمان أم قصر أن تتوسع كوارثه اذا لم تعالج الى العالم بأسره. و حينئذ لا قدر الله ستكون القارعة العربية قارعة عالمية...و ما أدراك ما القارعة!