رئيس الدولة: "التونسيون أمام خيارين لا ثالث لهما"..    هاو وين تمشي فلوسك... 26٪ من شهريّة التونسي تمشي للمواد هذه    عاجل/ 20 شهيدا في غزة من بينهم 5 من منتظري المساعدات..    الشهر الماضي ثالث أكثر شهور جويلية حرارة على الأرض..علماء يكشفون..#خبر_عاجل    النادي الصفاقسي يُعلن ضمّ ترافيس موتيابا    كرة اليد: منتخب الشاطئية يفوز على الصين    بطل العالم للسباحة احمد الجوادي: "استقبالي من قبل رئيس الجمهورية رسالة تحفيز على مزيد التألق"    محمد العبيدي: من اختصاص الآثار إلى كلية الطب بالمنستير رسميًا بعد تصحيح التوجيه    عاجل : فرصة عمل للتونسيين في السفارة الألمانية: شهرية محترمة وظروف عمل مميزة    وفاة والدة براد بيت عن عمر 84 عامًا    منى نور الدين: مصدومة من جمهور سوسة... المسرح كان شبه خالٍ رغم تعبنا    تاكل برشة من الغلة هذي؟ راك تعرّض في صحتك للخطر    البحر صالح للسباحة اليوم؟ هذي التوقعات    السخانة طلعت شويّة: شنوّة يحكيلنا الطقس اليوم؟    عاجل: قرار صارم ضد الحكم حسام بولعراس بعد مباراة الترجي والملعب    عاجل : الحاضر يعلم الغايب ...الصولد يبدا ليوما يا توانسة    قصة الغواص اللي ضاع في بحر الهوارية...التفاصيل الكاملة    تحب البطاطا المقلية؟'' هذا علاش ممكن تجيبلك مرض السكري!''    قراءة قانونية معمّقة في تنقيح الفصل 96 من المجلة الجزائية ... حوار مع الأستاذة نجاة البراهمي الزواوي    وزارة الداخلية: صفحات تعمدت ترويج مغالطات ضد المؤسسة الامنية و يجري تتبعها قضائيا    "عربون" لعماد جمعة على ركح مهرجان الحمامات: عرض كوريغرافي يرقص على جراح الفنان التونسي في ظل الوجع والتهميش    اليوم : أنغام تُجري عملية جراحية دقيقة في ميونخ    ترامب يعلن دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ    حزب الله: "سنتعامل مع قرار تجريدنا من السلاح كأنه غير موجود"    تونس وجهة صحية إقليمية: اجتماع وزاري لدعم السياحة العلاجية وتصدير الخدمات الصحية    فرنسا تعلّق إعفاءات التأشيرة لجوازات السفر الدبلوماسية الجزائرية وماكرون يلوّح بتدابير "أشد حزماً"    رئيس الجمهورية يقلد بطل السباحة العالمي أحمد الجوادي بالصنف الأول من الوسام الوطني للاستحقاق في قطاع الرياضة    الجزائر.. مقتل 4 أشخاص في سقوط طائرة بمطار جيجل    5 دول إفريقية تدفع ثمن سياسات ترامب بشأن "وسائل منع الحمل"    رئيس الجمهورية يستقبل البطل التونسي أحمد الجوادي    الخطوط الجوية الفرنسية تعلن عن اختراق أمني لبيانات المسافرين... وتحذر من رسائل مشبوهة    "قتلوا للتو بيليه فلسطين " .. أسطورة مانشستر يونايتد يهاجم إسرائيل    قيس سعيّد: الشعب التونسي سيُحبط محاولات التنكيل به وتأجيج الأوضاع    تعرض لأزمة صحية شديدة.. نقل الفنّان المصري محمد منير الى المستشفى    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة..    سياحة: تونس تسجل أرقاما قياسية في عدد الوافدين والإيرادات خلال النصف الأول من عام 2025    المهرجان الصيفي «مرايا الفنون» بالقلعة الكبرى .. عبد الرحمان العيادي في الإفتتاح وسنيا بن عبد الله في الإختتام    تاريخ الخيانات السياسية (38): قتل باغر التركي    20 ألف هكتار مهددة: سليانة تتحرك لمواجهة آفة 'الهندي'    في دورتها الثلاثين... تتويج مبدعات تونسيات بجائزة زبيدة بشير... التفاصيل    مبادرة لتنظيم "الفرنشيز"    مدير جديد لوكالة التحكم في الطاقة    مكانة الوطن في الإسلام    مدنين: فتح تحقيق في ملابسات وفاة شاب أثناء شجار مع عدد من الأشخاص    توننداكس يسجل تطورا ايجابيا قارب 31ر16 بالمائة خلال النصف الأول من سنة 2025    تعليق إضراب جامعة النقل المبرمج ليومي 7 و8 أوت    فتح باب الترشح للطلبة التونسيين للتمتّع بمنح دراسية بمؤسّسات جامعية بالمغرب وبالجزائر    نجم المتلوي يعزز صفوفه بالمهاجم مهدي القشوري    ما هي التطورات المتوقعة في قطاع الاستهلاك الصيني؟    عاجل/ رئيس قسم طب الأعصاب بمستشفى الرازي يحذر من ضربة الشمس ويكشف..    الحمامات: وفاة شاب حرقًا في ظروف غامضة والتحقيقات جارية    ماء الليمون مش ديما صحي! شكون يلزم يبعد عليه؟    بعد اقل من اسبوعين من تعيينه : مستقبل القصرين يفك علاقته التعاقدية مع المدرب ماهر القيزاني    الرابطة المحترفة الاولى : شبيبة العمران تعلن عن تعاقدها مع 12 لاعبا    مهرجان قرطاج الدولي 2025: الفنان "سانت ليفانت" يعتلي ركح قرطاج أمام شبابيك مغلقة    تاريخ الخيانات السياسية (37) تمرّد زعيم الطالبيين أبو الحسين    عاجل- في بالك اليوم أقصر نهار في التاريخ ...معلومات متفوتهاش    التراث والوعي التاريخيّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخلاص الفردي : عندما يتعب المناضل يستفيق الوهم

دخلت مقولة الخلاص الفردي حقل التداول السجالي في الساحة الوطنية منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، وتحديدا منذ أن طرح السيد الحامدي مبادرته الاولى لما سماه بحل ملف الاسلاميين بعد مقابلته لرئيس الدولة يومها .
ولأن منهج الطرح الذي أنطلق منه السيد الحامدي(1) كان مغموزا اخلاقيا، فقد حملت تلك المقولة شحنة سلبية داخل أوساط المناضلين الاسلاميين وقدرا من الاستهجان خارجهم . وهي تحيل في معناها المباشر على التخلي عن القضية والمقايضة بالتاريخ من أجل الامن على النفس .
الخلاص الفردي في الحالة التونسية، يعني بالضبط سعي المناضل عبر الوسائط المؤسساتية للدولة بالخارج ،للحصول على عهد أمان على نفسه في حالة عودته، مقابل إنسحاب كامل من الدائرة النضالية. و غالبا ما يرفق ذلك السعي بتوقيع وثيقة ،يطلب فيها عفوا أو يلتزم من خلالها بعدم ممارسة السياسة .
فمطلب العفو في ذاته شطب ارادي للماضي النضالي، واستعداد ذاتي لدفنه والتبرأ منه على أنه مسار جريمة تستوجب الاقرار بها والندم عليها والتوبة عنها واستجداء العفو لأنها تستوجب العقاب.
العقد في الحالة في غاية المعقولية من حيث الشكل والمضمون، فالسلطة تمتص الصفة السياسية "للمناضل" باستقباله كحالة انسانية وملف قضائي تعالجه إداريا، وفي نفس الوقت تستعمله وتستغله و تستفيد منه سياسيا، سواءا من جهة تثبيت شرعية سياستها، أو من ناحية بث روح اليأس والاحباط والفرقة في صفوف رفاقه.
فالمناضل السياسي يسعى الى خصمه في الحالة بعد أن يخلع رداءه النضالي وكل ما يرمز اليه من قيم تاريخية أطرت وجوده الفردي ضمن تاريخ عام وقضية وطنية
ومن السابق نستنتج أن الخلاص الفردي، هو بالأساس تأمين للذات على حساب أمن القضية فهو حل لمشكلة شخصية بالتنصل من قضية عامة، حل يحضر فيه جلاد متسامح وضحية خاضعة وقضية هي الثالث المرفوع والغائب الموؤود .
والسؤال المطروح من هم أصحاب الحل الفردي
1 هم مجموعة أبناء شعبنا التي شاركت في حمل همومه، وناضلت من أجل تطلعاته ودفعت ثمن اختياراتها .
2 هم جلهم او كلهم ممن مارسوا العمل العام من خلال تنظيم حركة النهضة، عايشوا تجربتها، وتربوا داخل مؤسساتها على قيم الانخراط في الشأن العام على انه واجب شرعي وديني أساسا.
3 هؤلاء كلهم خرجوا من النهضة أوخرجوا عليها، إما استقالة، أو تجميدا، أو طردا، وقلة منهم كتب حول تجربته مع النهضة ودواعي الخروج منها أو عليها وأغلبيتهم أنسحبوا بصمت وأختاروا انهاء مشوارهم النضالي والحركي بدون ضجيج .
4- أغلب من خرج لم يطرح على الساحة رؤى أو مشاريع جديدة يمكن أن تحيل على تجاوز تاريخي لمشروع وخط حركة النهضة، فأسباب الخروج لم تكن عموما حول برنامج بديل بقدر ما اتصلت بمشاكل ذات صبغة علائقية وتنظيمية بحتة، منها ما كان موجودا قبل تعرض تلك الحركة لمحنة 91، ووجدت في ملابسات التقييم لتلك المحنة فرصة للتعبير عن إختلافاتها ومبررا لأنسحابها أو ردتها أصلا عن المشروع وأهله.
5- هؤلاء منظورا إليهم بتاريخ نضالنا السياسي الحديث هم أبطال الحرية ،فقد دفعوا ثمن انخراطهم في الشأن العام غاليا من النفس والنفيس
6 - لا أحد يملك حق الوصاية على القيم العامة ولا أحد يملك ان ينزع عن هؤلاء صفة النضالية، فمن حق المناضل أن يتعب، ومن حقه أن يتقاعد، ومن حقه أن ينهي مشواره بالصيغة التي تريحه ضميرا وجسدا، فإستقلاليته تفترض منطقا حقه في تقرير مصيره وإن كان مصيره عودة تخلع عن سنين معاناته رمزيتها النبيلة. ومن المؤسف أن نقرر أن هؤلاء السادة قد دخلوا تاريخ النضال الوطني من بوابة الشرف وخرجوا منه عبر شباك صغير يفتح على إسطبل قطيع .
والحال مع هؤلاء المناضلين، هو حال من توكل في ورشة بناء تطوعي وطلب الانخراط فيها، ا فمن أعطى من حياته ساعة واحدة - فضلا عن سنين عددا - لتلك الورشة، فالشكر له موصول ساعة يقرر أن يترك الورشة ومن فيها. ولكن المشكلة إذا أبتعد عنها أمتارا ثم رماها بحجر من سجيل عندها، وعندها فقط من حق القائمين الدفاع عن الورشة ومن فيها وأن يذبّواعليها بما أستطاعوا لأن إعتداء ذوي القربى أشد إيلاما من عدو بعيد ومن كان عاملا في تلك الورشة يعلم أنها ليست زاوية درويش مفتوحة للمساكين في نأي عن ضجيج المدينة وتهارجها بل و تحاربها أحيانا، فهل ينسى هؤلاء أن البناء أقيم في سوق المدينة، وأن تاريخ المدينة هو نفسه تاريخ السياسة، نادرا ماكتب بحبر وحتى الاستثناءات التي غلبت فيها روح المسيح عند بناء المدينة وكتب تاريخها بحبر نُقّطت الحروف بالدماء.
لعل اسجابة بعض المناضلين الاسلاميين لدعوى تسوية وضعياتهم فرديا، يعود اساسا الى أن جزءا كبيرا من هؤلاء لم ينخرط في العمل العام على قاعدة السياسة، وانما على أرضية دينية دعوية، ومن الطبيعي أن يخبط بعضهم خبط عشواء وهو يحاجج على أرضية السياسة مجال الحيلة والمناورة والمكر النبيل، وهؤلاء نسأل الله أن يجازيهم عن الأمة والوطن خير الجزاء ونتمنى لهم حقيقة تقاعدا مريحا وعودة ميمونة وتوبة خالصة من فعل ساس وأخواته وبنات عمه. فمصاهرة تلك العائلة نادرا ماكانت مريحة، تماما كمصاهرة قابيل لأبيه ضرورة دفعت الى قتل الشقبق، أو هكذا تحدث السطر الأول في كتاب الاستخلاف.
ويحضرني هنا سؤال مركب حد التعقيد أطرحه على الساحة للتداول والنقاش وهو كيف نفسر نجاح المستقلين من تنظيمات اليسار التونسي - وهي لم تكن في حجم النهضة جدية وامتدادا وتأثيرا - في إعادة إنتاج فرديتهم على مربع الابداع والإشعاع الوطني والدولي وفي مواقع التأثير الاعلامي والسياسي والمدني. هذا في حين يبدو الخارجون من تنظيم النهضة ارقاما كمية قليل مكتوبهم يلتحف لحاف التشويش على أخوة الدرب الجميل أكثر مما يرتدي زينة الاظافة والابداع
فهل يعود الامر الى استفادة اليسار التونسي من الاممية الشيوعية التي كانت تقتسم العالم مع القطب الليبرالي في مقابل الرفض المبدئي الذي لقاه الاسلامي من الشرق والغرب وهو الذي تبنى مبكرا شعار لا شرقية ولا غربية ؟
وهل الامر يتصل فقط بالواقع الموضوعي أم بالمرجعية الايديولوجية للاسلامي والتي لم تحسم موقفها الفكري والشرعي من العديد من أدوات التعبير الفني كالنحت والفنون التشكيلية والسينما والمسرح وهي مجالات ابداع سجل فيها اليساريون التونسيون حضورا متميزا في الساحة الوطنية والدولية؟؟؟؟
سنعود لمحاولة التطارح على أرضية ذلك السؤال الاشكالي في مقاربة مستقلة خاصة وأنه يتجاوز في مفاصله الأساسية الساحة التونسية ويشملل تجربة المدارس الايديولوجية الكبرى في عالمنا العربي والاسلامي
ولكن يحضرنا فيما يتصل بموضوعنا سببا مباشرا وراء عقم الحاسة التفكيرية والسياسية لأغلب المستقلين الاسلاميين، وهو ما يتصل بما نسميه بعقدة المرآة العاكسة فحالهم حال من يقود سيارة وبصره مثبت على المرآة العاكسة مما يمنعه من رؤية المستقبل إلا من خلال زاوية الرؤية الضيقة التي
تعكسه تلك المرآة، فالرؤية الضيقة والمعكوسة وان كانت لاتسمح بأستشراف القادم فانها أقصر السبل الى المأساة
ضباب المحن قد يغشي عن رؤية تفاصيل الطريق ولكن لا يمنع رؤية علاماته بشرط الصبر، والتأني في السير، والحفاظ على الوجهة . أما العلاقة بالماضي الحزبي فقد تتحول الى عائق منهجي في قراءة الواقع ورؤية المستقبل اذا لم تأخذ موقعها الطبيعي من الذاكرة كمخزون عبرة لاكدليل عمل وأفق تفكير.
بعض الخارجين على " حركة النهضة" سعوا ما استطاعوا إليه سبيلا لاستفزازها لأن مربع التنابز مع الإسلامية الحركية جلاب مصالح في ظل سلطة استئصلية في الداخل، وعالم مستنفر ضدها في الخارج.
ينسى هؤلاء وبعض أعضاء النهضة الذين تشنجوا في ردودهم على الخارجين عليهم أن النهضة من مؤسسة والمؤسسة بدون قلب فهي ببساطة لا تحقد
ربما يفسر فائض البرودة لدى جهاز النهضة أزمة التواصل التي حكمت علاقتها بأغلب المنسحبين منها ، وهي تتحمل جزءا قد يكبر أو يصغر بحسب الحالات في ضياع العديد من كوادرها بل ودفع بعضهم إلى أخاديد ردة الفعل المرضية على تلك الحركة .
التراث النضالي لحركة النهضة ملك الذاكرة الوطنية وهو من الاكتناز والثراء والطرافة بما يرشحه للإستمرار في بث المعنى لأجيال قادمة، وأما إرثها الحركي والسياسي فهو ملك للنهضة وحدها تتحمل مسؤليته بجرد الماضي، وبحساب الحاضر، ورصيد المستقبل
2- الخلاص الجماعي يومه كألف سنة مما تعدون
يبقى أن الخلاص الفردي لايمكن تحليل مضامينه وأبعاده إلا من خلال علاقته المباشرة برديفه الخلاص الجماعي
فماذا نقصد بالخلاص الجماعي
1- الخلاص الجماعي هو الخروج من أرضية أزمة عامة مشتركة نحو حلها أو أفق حلها.
2- الخروج من تلك الازمة التي قد تتخمر فتتحول إلى مأزق أو ورطة – يفترض إتفاقا في الحد الاقصى أو توافقا في الحد الادنى على حل جامع للقضية المشتركة .
3- الحل الجامع يفترض مشروعا مشتركا بما هو أرضية متفقا على مرجعيتها ومنهج مجمعا على مشروعيته وأداة مسلّما بنجاعتها وفاعليتها
4- الحل الجامع أو الخلاص الجماعي لا يكون كذلك إلا في إطار تنظيم ملزم لأعضاءه بخطه وخططه، أو في إطار جبهة عمل مشتركة تكون نتاجا لحوار متكافئ بين أطراف متعددة حول الجامع المشترك بينها
المحاججة الطبيعية التي ستواجه هذا الطرح هي التأكيد على غياب ذلك الحل الجماعي أصلا، فضلا عن غياب الأتفاق حوله، وهو ماينفي شرعية محاكمة من أختار التسوية الفردية لوضعه القضائي مع السلطة
ما يفوت أصحاب هذا الاعتراض الوجيه، هو أن، مقياس الحكم على السلوك ذي العلاقة بالشأن العام يقرأ من زاوية القضية ذاتها لا من مسار تنزيلها أو تطورها .
القضية هي الثابت والمشترك والمرجعي بين الجميع، أما المسار فهو كسب بكدح متحول بين مد وجزر وصعود ونزول ونصر وهزيمة
الثابت والمشترك في قضيتنا الوطنية له كل الشرعية في أن يطرح على من أختار الخلاص الفردي سؤاله المقلق حد الألم
ماذاربحت القضية فيما كسبت؟
ألهذا حملت بنت الصديق نطاقيها واصّاعدت الجبل؟
القضية لها كل الشرعية في أن تذكّر المناضل"أنت الذي لا تحب الصبر ستنهار ولن يصمد الثابت فيك مني طويلا"
الخلاص الجماعي ضمن أفقه الوطني ، ليس لحظة عودة من منفى، ولا لحظة خروج من سجن ، ولاحتى لحظة مصالحة وطنية شاملة، فكل ذلك من شروط ذلك الخلاص ومقدماته ولوازمه .
أما الخلاص الجماعي في ذاته، فهو مسار تاريخي طويل ومعقد ومتشابك ، تبدو فيه الدائرة السياسية أكثر بروزا، واشد الحاحا ،على تركيز الجهد عليها . فهي بؤرة الشحن والتحميل لبقية الأبعاد لذلك يبدو إستشكالها حد الاستعصاء من طبعها . ولذلك بالضبط قد يراهن السياسي على ديناميكيات اخرى كالثقافة والاقتصاد لحلحلة موازين القوى. بل قد تحتاج السياسة ألى المراهنة على فن الانتظار، وهي بالأساس حاجة المعارضة التونسية اليوم. ففي ظل إختلال ميزان القوى وإنتفاء ممكن الحركة الميدانية حتى على هوامش الفضاء العام.
مطلوب من المعارضة الوطنية ممارسة المصابرة بمعناها القرآني، بما هي إنتظارية مستثمرة في الزمن الاجتماعي ، ومراهنة على تحولاته، ومتحفزة لصب المعنى التاريخي على مجاريه . أو ذلك ما تأولناه من قوله تعالى في الآية الاخيرة من سورة آل عمران " يا أيها الذين آمنوا أصبروا وصابروا ورابطوا ,اتقوا الله لعلكم تفلحون"
قد يختلف المعنيون بشؤون البيت الداخلي للمعارضة التونسية على العديد من النقاط ولكنهم متفقون على ان الموجود دون الطموح ،وعلى ان امامهم ورشات تفكير وعمل متعددة الواجهات للخروج من حالة المراوحة والكآبة التي تسمم واقعها . وهم مجمعون ومهما بلغ بهم التشاؤم وجلد الذات، على ان تونس يمكن ان تكون أحسن في ظل نظام بديل، وأن العمل على تحقيق ذلك بالمتاح والشرعي من الوسائل هو واجب وطني ,إخلاقي، لايختلف فيه ولا يتخلف عنه إلا مستفيد من القائم ، أو خائف منه ، أو طمّاع فيه.
ذلك بالضبط هو الأدنى من الثابت المرجعي الذي يرسم دائرة الانتماء للمعارضة الوطنية، ويرسم الخط الفاصل بين من يتحدث عن قضايا المعارضة من داخلها، ومن يتحدث عنها من خارجها. فمن أطمأن الى خيارات النظام القائم، ورأى فيها صالح البلاد والعباد، فقد إنسحب إلى الضفة الأخرى وخرج إراديا من الدائرة النضالية، وأشدد على هذه الملاحظة لا إقصاءا أو إحتكارا للمعارضة، بل لحرصنا على أن يكون الحوار بين أطراف وشخوص واضحة مع نفسها أولا ومع غيرها ثانيا، لأنه بدون الوضوح تختلط الأسماء والمعاني في فوضى قد تبدأ بريئة ولكنها حتما تنتهي إلى خبث .
فمن أختار السلطة ورأى في سياستها حكمة وتوفيقا ومايجب أو ما يمكن أن يكون، فذلك إختياره وشانه ، ويمكن أن نتحاور معه في حدود ما يسعه الحوار بين الخصوم في الشأن العام، أما هموم وقضايا البيت المعارض فهو من شأن اهل البيت، أي من مازال يؤمن بأن المعارضة التونسية وإن فشلت في إفتكاك حقوقها، فمازالت تطالب بها وتسعى إليها بالممكن والمتاح إلى أن تمسك بالأفضل والأقوم، وتلك المعارضة وإن إفترضنا فيها غباءا، فلن يصل بها حد الدروشة، والتي من علاماتها أن تتحاور مع خصمها في كيفية مغالبته أو المناورة عليه أو إدارة الصراع معه.
ربما تحتاج المعارضة الوطنية إلى رشاقة المشي على الحبال لتناور على خصم تمكن ومن تأميم الفضاء العام بقوة العنف الرسمي. وهي في يوميات كسبها بين مد وجزر، قد تصيب خصمها في موجع ويصيبها بمثله عشرا، ولكن من يقف على أرضيتها يعلم علم اليقين بان مؤشر التحول في المستقبل المنضور يتجه نحو الاصعب بالنسبة للنظام ونحو الاحسن بحساب طموحنا الى نظام سياسي أقل إنغلاقا، وأكثر إنفتاحا من الرث الموجود.
لم يبق لدى خصوم الانفتاح السياسي ببلادنا إلا أدوات العنف الرسمي للأستمرار. وهي أدوات تستلبهم تاريخيا باكثر مما تضر المعارضة جسديا، فورطة الاستبداد هي ورطة المستبد قبل أن تكون ورطة ضحاياه
الخلاص الفردي خلاص جميع أبناء الوطن من ورطة المغامرة الرسمية في الرهان على جدل الخوف والطاعة كبطانة إيديولوجية لإستمرار السلطة في إحتكار الحياة العامة، وتوسلها للعنف كأداة وحيدة لحماية ذلك الجدل البائس والسخيف والمخجل بمنظار تطور العالم والاقليم من حولنا.
من العلامات الصغرى في إنجاز ذلك الخلاص تونسيا، هو دفننا وللأبد ثقافة عبادة الزعيم/الأب .
ومن علاماته الكبرى عندنا أن يستحي جيل من أن يدعونا للعودة الى التسبيح باسم طاغية كان بالأمس القريب يقاومه معنا وكأنه لم يكن يقاومه معنا إلا عبثا.
معركة الحرية من المعارك الوجودية الكبرى التي لاتعرف تاريخيا الهزيمة وقد تذوق مررارة الخسارة، فمنطقها أما أن تنتصر بحساب الملموس أو أن تنتصر بحساب التاريخ .
الارض كل الارض بأوطانها ومنافيها جعلت للحر مسجدا، والبلد الطيب والشوق إليه نهر تجمد في مقلة حرّ، وإن إنسابت منه قطرة فوزّانها الورد والمعنى
أما كيف ومتى نعود؟
ما زلت أدعوكم إلى عودة لا نستأذن فيها صاحب بيت لأننا أصحاب البيت فماذا لو دخلنا عليهم بابنا من بوابة تفتح على إعتزاز بماض لاتخجلنا منه دقيقة وعلى حاضر نتعطر فيه بغبار معركة نبيلة.
...أشتقت ورب الخضراء إلى نزهة في حديقة لا يؤمها أبناء يسفه ابن بطاح
نورالدين ختروشي
باريس في 25/06/2007
********************************
(1) تعمدنا عدم الاشارة لما سمي بمشروع المصالحة الذي أقترحه السيد الحامدي في الايام الاخيرة وطلب فيه توقيع مائة جثة سياسية على مطلب تكفينهم. فالسيد الحامدي يبدو أنه في ورطة شخصية أراد المناورة على حدة الاحساس بها بتصديرها، وتعميمها بفحش تبريرها، فالرجل يبدو في مايطرح كصاحب حاجة وليس بصاحب فكرة وقد أخطأ في تقديري كل من رد عليه بفكرة، حتى من باب وضع النقاط على الحروف .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.