بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور خالد الطراولي في حوار شامل مع صحيفة "الوقت" البحرينية : الجزء الثاني

لا يتردّد خالد الطراولي في البوح بمسعاه الناظر إلى حركةٍ إسلاميةٍ معاصرة، ولكنه يحرص على التواضع قليلاً، فهو في إطار حركة ‘'اللقاء الإصلاحي الديمقراطي'' التي يحتفل بذكرى تأسيسها؛ لا يقدّم حلا دفعيّا لكلّ النقائص التي حملتها التجربة الإسلامية التونسية، التي مثلتها طويلاً حركة ‘'النهضة''، ولكن المهم في نظر الطراولي هو العمل بمبدأ المراجعة والتجاوز والبناء، وهو يخوض المعترك السياسي بمرجعية إسلامية على أمل تمثيل بديل إسلامي مغاير للمطروح. في الجزء الثاني من هذا الحوار، يفصّل الطراولي أهم معالم البديل الذي تمثله حركة ‘'اللقاء''، موضحاً مرجعيتها الإسلامية وعلامات التميّز ودرجاته فيها. ولأجل مطابقة الطرح النظري كان نقاش موضوع الطائفية اختبارا عينياً لجسّ تطبيقات الفكرة وحدودها على واحد من الموضوعات الشائكة اليوم.
الوقت : في الجزء الأول من الحوار، تطرّقت إلى الجمع بين المبدئية والبراجماتية وإلى البناء المعرفي كركائز مطلوبة في الحركة الإسلامية المعاصرة.. هل هناك أمر آخر في هذا المجال؟
- نعم.. هناك ركيزة ثالثة أساسية لبناء هذه الحركة الإسلامية المعاصرة، وهي بكلّ بساطة أن تكون حركة/ مؤسسة وليست حركة/ حلقة مسجدية! أن يكون لها قانونها الدّاخلي وآليات عملها والاحترام الكلي للمؤسسة. فمَأسَسَة الحركة الإسلامية هو بابُ عصرنتها ومعاصرتها والطريق الصّحيح لنجاحها خارجاً، فلا يمكن أن تدعو الحركة الإسلامية لاحترام دولة المؤسّسات، والمؤسسة غائبة في كيانها. هذه المأسَسَة هي رسالة للداخل التنظيمي بما لها من تأثير مباشر على نشر ثقافة المراجعة والتقييم التي ترتبط بالمؤسسة ولا تستظل بعلاقة الشيخ ومريديه. وهي كذلك رسالة واضحة المعالم للبيئة المحيطة، سلطةً ومعارضةً، في تأكيد مدنيّة الحركة الإسلامية كحركةٍ سياسية ذات مرجعية إسلامية. هذه الركائز الثلاث وغيرها شكّلت تحديات ل''حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي''، وقد جعلتنا نسعى بكلّ جهدٍ -رغم صعوبة الحراك ونحن في مسار التأسيس- إلى الإجابة عنها وتجاوز مناطق الظلّ والسّلبيات التي تنجرّ عن عدم تبنيها.
الوقت : ما هي الصّورة التي كان عليها المشروع الإسلامي وأنتم مقبلون على طرح البديل؟
- لقد وجدنا المشروع الإسلامي يعيش نسبياً مأزقا في أطروحاته ومأساة في أبنائه، ضمور في التنظير والبناء وضبابية في المواقف والتنزيل وأخطاء في التدبير، حيث تجلى النقص بواحا في فقه الواقع وفقه المرحلة، وفي دخول المشروع بأسره بوعي أو بغير وعي، اضطرارا أكثر منه اختيارا في فخ مواجهة عقيمة غير متكافئة مع السلطة حاملة معها منهجيات المرونة والتريث وعدم حرق المراحل والقراءة الاستراتيجية الواعية. وانسدت الآفاق وحلت المأساة ووجدنا أنفسنا كمستقلين وأصحاب فكر إسلامي أمام خيارين، إما الصمت ومواصلة مشوارنا الكتابي والنقدي للمشروع الحركي الإسلامي إجمالاً ونحن بغير إطار يبلور نقدنا إلى بناء متكامل، أو إنشاء هذا الإطار الحامل لإرادة التجاوز وطرح خطاب جديد ورؤيا جديدة في التعامل مع أطراف المجتمع المدني بما فيهم السّلطة الحاكمة، فكان ‘'اللقاء الإصلاحي الديمقراطي'' كتعبير حضاري وقارب نجاة لمحاولة التجاوز والبناء.
" اللقاء " حركة مدنيّة بمرجعية إسلامية وديمقراطية
الوقت : ما هي الرؤى الفكرية التي تقوم عليها الممارسة السياسية للقاء الإصلاحي الديمقراطي ؟
- ‘'اللقاء'' كما يبرزه بيانه التأسيسي؛ هو حركة سياسية واجتماعية تسعى لتبني وخدمة وترويج لخطابٍ سلمي ورؤية إصلاحية إجرائية وحضارية ذات مرجعية إسلامية وديمقراطية. وهي تعمل من خلال دستور البلاد وقوانينها والعقد الاجتماعي والسّياسي المنظّم للمشهد العام. وهي تعبّر عن تمثيل لتيار عريض في الوسط التونسي، ينشد الوسطية والتجديد والهوية والأخلاق والحرية والديمقراطية والمصالحة الوطنية. واللقاء الإصلاحي الديمقراطي ليس حركة دينية ولا دعوية ولكن حركة مدنية ذات مرجعية إسلامية وديمقراطية، ولذلك فإنّ أساس العضوية فيها المواطنة ولا غير المواطنة، ولا يتخصّص بأعباء التنظير والتنزيل والقيادة رجالُ دين أو أئمة أو فقهاء، بل إنّ الانتماء مدني والبرنامج السّياسي مدني، وفق اجتهاد مدني، حمله صاحب قبعة أو طربوش. ومنْ اختلف مع خطاب ‘'اللقاء'' ومع برنامجه، فقد اختلف مع فهمه ومع تصوراته ورؤاه، ولا يختلف مع الإسلام. فاللقاء الإصلاحي الديمقراطي حركة مدنية لا تحمل أي قدسية في أفكارها ولا عصمة لرجالها، إنما هي اجتهادات وقراءات بشرية لهدا المقدس الذي جعلته مرجعيتها بما تحمله هذه القراءات من تأويلات وتفسيرات.
الوقت : هل يمكن توضيح المرجعية الفكرية ‘'الإسلامية'' التي يتأسس عليها ‘'اللقاء الإصلاحي الديمقراطي''؟
- مرجعية ‘'اللقاء'' الإسلامية واضحة لا لبس فيها وهي برنامج عمل واضح المعالم، نستمد من الإسلام مبادئنا وثوابتنا وقيمنا، ونعتبر الديمقراطية آلية صالحة لإدارة التدافع بين الناس وإقامة دولة القانون والعدل ومجتمع الرفاه الروحي والمادي، ونحن إذ نؤكد على البعدين الإنساني والديمقراطي في هذه المرجعية الإسلامية، وحتى نبرز هذين البعدين في مشروعنا؛ فإننا جعلناهما مرجعيات ثابتة وقائمة بذاتها، ولذلك نركز في خطابنا على أن ‘'اللقاء'' يحمل ثلاث مرجعيات، مرجعية إسلامية في مستوى المبادئ والثوابت، ومرجعية إنسانية في مستوى المعيار، ومرجعية ديمقراطية في مستوى التعامل والممارسة، وإنْ كنا نعتقد كما قلتُ لك سالفا أنّ قراءتنا لمقدّسنا تكفي لحمل كلّ هذه المرجعيات، ولكن هو الإيضاح والتوضيح لرفع كلّ لبس.
" اللقاء " وحركة " النهضة "
الوقت : وكيف تصف العلاقة الأيديولوجية التي تجمع اللقاء مع حركة النهضة؟
- التقاء المرجعيات أو تقاربها مع الحركات الإصلاحية ذي التوجه الإسلامي عموماً، ومع حركة ‘'النهضة'' خصوصاً؛ لا يلغي اختلاف الاجتهادات تنظيراً وممارسة، فالفعل السياسي يبقى فعلاً اجتهادياً مدنياً وبالتالي قابلاً للتنوع والتعدّد، ومن هذه الزاوية ولجنا بابَ التعدّد السياسي للتمثيلية الإسلامية والتي نعتبرها أداة إثراءٍ للمشروع وحماية له أمام تحدّيات الواقع واستفزازاته واستدراجاته، ولذلك نزعم أنّ المواجهة التي وقعت في الثمانينات بين حركة ‘'النهضة'' والسلطة وتجاوُزها للحقل السياسي وولوجها لمنازل الشعائر والطقوس حيث وقع ما سُمّي لاحقاً بخطة تجفيف المنابع الدينية، فإننا نزعم أنه لو وُجد خطابٌ آخر في ذلك الوقت إلى جانب الخطاب المهيمن والمنفرد بالسّاحة الإسلامية؛ لكان مؤهلاً حسب تقديرنا أن يلطّف عديد المواقف والتجاوزات ويحافظ على الدين في بابه الشعائري على الأقل. والتعددية الإسلامية تعتبر إلى حدّ ما مخرجاً طبيعياً وأساسياً للتأكيد على مدنية المشروع الإسلامي السّياسي وتحرير القراءة السياسية الإسلامية من الرأي الواحد والفكر الواحد والزعيم الواحد. وإنشاء إطار تعددي إسلامي يساهم ولاشك في إثراء المشهد السياسي عموما وتأكيد ديمقراطيته.
مستويات التميّز في " اللقاء "
الوقت : هذا يتطلب منكم توضيح علامات التميّز التي يطمح إليها اللقاء. فما هي؟
- نحن في ‘'اللقاء'' نسعى للتميّز في مستوياتٍ خمسة، وهو تميّز درجات، حيث لا يعني أن الآخر لا يملك جانباً من هذا التميز، ولكن تأكيدنا عليها والعمل على تفعيلها تنظيراً وسلوكا وممارسة يجعلها بارزة في مشروعنا، ولعلها تمثل خصوصيات نسعى للتميّز بها على غيرنا. أولاً في مستوى المرجعية، حيث المعيار الإنساني والديمقراطي يأخذ نصيبه الأوفى في التنظير والتنزيل. والثاني في مستوى التمكّن المعرفي والفكري، حيث ننزّه الفعل السّياسي عن الهرج والشطط والشعارات الفضفاضة ونعتبره رؤيا وتصوّر مبنيان على علم ومعرفة ودراية، ولذلك فإن البناء المعرفي والفكري والشرعي يمثل روافد الحركة في مسارها ومصيرها، ويدعوها إلى إحداث المنتديات ومركز بحث يغذي الحركة السياسية بأفكاره واجتهاداته. والثالث في مستوى العمل السياسي، حيث نميّز بين الحزب والصحوة والجماعة، فلكلّ رجاله ولكلّ خطابه ولكلّ أهدافه، ولا يجب خلط الأوراق في هذا الباب لأنه لعب بالنار وتجاوز لخطوط حمراء يمكن أن تأتي على الأخضر واليابس. والخطاب الشمولي الذي نراه مستفحلاً في بعض القراءات الإسلامية التونسية في الخلط بين هذه الظواهر وتوظيف بعضها للبعض؛ خطير ومنبع للريبة والتوجس والعداء لدى الأطراف المنافسة ويدفع إلى مزيدٍ من المواجهة التي لن تقف في المستوى السياسي ولكن تتجاوزها إلى مناطق التدين والعبادة. والرّابع في مستوى الفعل السياسي، حيث ألزمنا المشروع منذ انطلاقته خط المصالحة وجعلناها صيغة مبدئية في التعامل مع السلطة مع تحديد ماهية هذه المصالحة ومنهجية عملها وأهدافها وأطرافها وقد أصدرنا في هذا الباب وثيقة سياسية قبل إنشاء ‘'اللقاء'' وتبنتها الحركة فيما بعد وتدعو إلى مصالحة حقوقية وسياسية تستند إلى منهجية التدرج وعدم الاكتساح. فالمصالحة ثقافة تبنى وعقلية تشيَّد وتصان، ومنهجية تعامل بين الأطراف في ظل الشرعية وعلى أساس من الثقة المتبادلة والاحترام، وليست رمياً للمنديل ومغادرة السّاحة على عجل ووَجل. والخامس في مستوى الظاهرة السياسية، حيث نسعى إلى تخليق المشهد السياسي، نظراً وفعلاً، سلوكاً ومواقف، باعتبار أن التنمية أو النهضة أو الحضارة لا يمكن أن تنطلق سليمة وتتواصل سليمة وناجعة ومستديمة إذا لم تستند إلى الأخلاق وإلى منظومة قيمية تواكب محطاتها ومنهجيتها وأهدافها، ولذلك يحمل ‘'اللقاء'' شعارا ذا ثلاثة زوايا: أخلاق، حرية وعدالة.
قراءة في الخطابات الطائفية
الوقت : من أجل مقاربة الطرح الذي تتحدثون عنه فأودّ اختباره بالاستماع إلى وجهة نظركم في موضوع محدّد والخطابات الطائفية المتجددة. فكيف تحللونها؟
- الخطاب الطائفي دليلٌ على استفحال المرض وليس سبباً له، الأمة تعيش أزمة خطابٍ وأزمة فكرٍ وأزمة منهج، وأزمة قيادة وأزمة نخبة وأزمة جماهير، وللحقيقة لم أرَ حالَ جماعةٍ تتلوى من تعدّد أبعاد أزمتها مثل الأمة الإسلامية حالياً! ولكن - وهذه المفارقة العجيبة وكأنها تثبت قول الشاعر اشتدي أزمة تنفرجي - هناك في الوقت نفسه إرهاصات تغيير قادم وتباشير وعي ينتشر، هناك أملٌ كبير في التجاوز والبناء والنهضة لم يوجد منذ السقوط الحضاري للأمة الإسلامية منذ قرون. لأول مرة هناك تململ يتجذّر ويعبر كلّ طبقات المجتمع. نخبة يتزايد عددها عرفت الطريق وتريد الإصلاح والنهوض، فكرٌ واع وراشدٌ بدأ يخط طريقه ولو ببطء لتشكيل ثقافة البناء وعقلية المبادرة وعدم الاستسلام، هناك وعيٌ جماهيري ضاغط ولو بصمت أحياناً.
الوقت : وفي هذا المجال أيضاً؛ ما هي الآليات المنتجة للحوار الإسلامي الإسلامي؟
- لنعد إلى الخطاب الطائفي، وسأفاجئك! لقد كتبتُ منذ مدة مقالين حول المسألة الطائفية عموماً والعلاقة بين الإخوة السّنة والشيعة خصوصاً وضرورة ‘'الخروج من التاريخ'' لرأب صدع هذه العلاقة المتهاوية وحلّ هذه الأزمة المتعاظمة، واعتبرتُ فيهما أنّ كلّ محاولةٍ للتقريب تكون مبنية أساساً على اللقاءات المشتركة وعلى نداءات التفاهم والتفهم لاختلاف الآخر وتميزه؛ ليست مجدية ولا تؤدي في أقصاها إلا إلى عقَود مجاملات وبشاشة تملأ محيّا كلّ الأطراف وتنتهي بمجرد انتهاء اللقاء ومغادرة الجميع قاعة الحفل، ولا تزيد الأزمة في النهاية إلا استفحالاً وتشدّداً، خاصة بين عامة الناس، وإنْ كانت تظلّ تطبخ في بعض الأحيان على نار هادئة! ولقد رأيتُ أنّ سبب الفشل وإنْ كان مقنّعا، يعود أساساً إلى هذه الغفلة في استدعاء التاريخ مجدداً ولو بدعوى الفهم والتفاهم والمصارحة، والبناء على هذا الزخم الهائل من المقدّس التاريخي الذي يستقرئه كلّ طرف لتدعيم أمسه وحاضره ومستقبله.
الوقت : إذن في رأيك أنّ المصارحة لم تنفع في التقريب التعددي المذهبي؟
- نعم، لقد سقطت منهجية المصارحة لأنها سعت إلى فتح قنابل موقوتة وتستدعي اللجوء إلى مقدسات حاسمة ومتناقضة، مثلما سقطت المجاملة لأنها لا تستطيع الوقوف عند بابها وتقنع الطارق أنْ لا يجتاز العتبة، وهو لا يرى دخول الدّار إلا مطية لما بعده وهو البيت العقائدي الذي يراه المنزل والمستقر. لم تكن المصارحة حلاً ولم تكن المجاملة حلاً، فكلاهما يصطدم بمقدّس صلب وتاريخ أصلب ويصبح اللجوء إليه حتميا، حينيا ومباشرا أو بعد حين ومتأخراً وعلى مراحل، يعود إليه كلّ طرف ويستند إلى رواياته ورجاله، فتقع المواجهة مصارحة أو مجاملة.
الوقت : إذا فشلت هذه المنهجية في التقريب.. فما هي المنهجية البديلة إذن؟
- إن أربعة عشر قرنا لم تفلح في لمّ الشمل ولن تعيده القرون المقبلة إذا تواصل الاستناد لهذه المنهجية التي ظلت ترقب التاريخ من طرف خفي، هذا التاريخ الذي يحمل جراحا وتوترات ويستند إلى مقدسات يعتبرها كل طرف أنها الحق ولا سبيل إلى رفضها أو حتى تأويلها. تبقى المنهجية السليمة القادرة على رأب هذا الصدع التاريخي في عدم اعتماده، وإذا كانت القاعدة تقول ان من ليس له تاريخ لن يكون له حاضر ولا مستقبل، فإنها تنتفي في حالنا ونحن ننسج علاقة الوفاق والتفاهم بين طرفي الأمة، وإذا أردنا أن يكون لنا حاضر يجمعنا ومستقبل يوحدنا، فإنه يجب ترك هذا التاريخ في هذه النقطة بالذات بعجالة ودون تردد. لن نستطيع تغيير هذا التاريخ ولا مقدسات كل طرف، ولن نستطيع سوى قراءته من خلال ثقافة وعقلية ومقدس كلّ مجموعة، ولن نكون داخل التاريخ مجدّداً إلا إذا كنا خارجه في هذه النقطة المنعزلة والأساسية في مشوار مجتمع وأمة وحضارة، وهي مفارقة غريبة ولا شك ولكنها تمثل حلاً هيكلياً ودائماً يبني للحاضر ويؤسّس للمستقبل على وعي ورشدٍ واحترام متبادل.
الوقت : هل من كلمة أخيرة في نهاية هذا الحوار؟
- نعم ، يقول الإمام المازري وهو أحد أعلام المالكية القدامى في تونس ‘'منْ كثر علمه قلّ إنكاره''، وهي تعني أن ازدياد العلم مطية للفهم والتفهم واستيعاب المحيط وعدم استنكار تنوّعه واختلافه، وأن قلة العلم وضمور المعرفة سبيل إلى التقوقع والانحسار والانفراد. وهذا الحكم العام يصلح لمسار الحركة الإسلامية كما يصلح لأي ظاهرة أو حالة أو علاقة أو مشهد يسعى في مساره ومصيره إلى إحداث عقلية بناء وتصميم وثقافة وتحضّر وتمكين.
صحيفة "الوقت" البحرينية بتاريخ الجمعة 8 جوان 2007 / 22 جمادى الأولى 1428


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.