يحلو لعدد من الناس ولكي يسوقوا لفكرة لا تجد كثير رواج في الساحة أن يحاولوا حشد عدد من الأسماء حولها والإيحاء بأن هؤلاء من مناصريها لمجرد أنهم مخالفين أو متباينين مع أفكار غيرهم. وهذا لعمري من أسوء أنواع المتاجرة بالأسماء وتوظيفها بدون إذن وبطريقة غير موضوعية. إنه تلبيس على القارئ وجمع ما لا يجمع . إن المحاولات المتكررة للتحشيد ضد الحركة وقياداتها منهج يزرع الفتنه ولا يبتغي المصالحة ويدفع المراقب إلى الشك في نوايا الداعي لها وحقيقة ما يدعو إليه. إن مفهوم المصالحة شوه من طرف الداعين لها أكثر مما شوه من طرف المخالفين. فقد أصبحت المصالحة دفعا بدون مقابل وتقديما لولاءات الطاعة والتوبة وتجريما للذات وتبرئة للسلطة وقلبا لحقائق الأشياء وإلغاء للنقد والمعارضة وكيلا للمديح والمغازلة. وإعمالا للمشرط في الحركة وقياداتها. كما أن المصالحة فقدت معناها ببقائها مفهوما نظريا يتحاور حوله ويتخاصم أخوة الأمس على صفحات الانترنيت ولا يجد الواحد له أثرا على أرض الواقع. مما يدفع إلى الشك عند البعض بأن الهدف المقصود من وراء ذلك هو شق الصف الإسلامي وإثارة الفتنة داخله وإيجاد بدائل عن الحركة. نريد أن نشير إلى أن رأينا في المصالحة الذي طرحناه، طرحناه من خلال الحركة نفسها التي نحن لازلنا أعضاء وقياديين فيها، وقد شرفنا بحضور مؤتمرها الثامن ولا نطرحه من موقع المناكفة لرأي داخلها أو رمز من رموزها ونعتبر أن لا معنى للمصالحة إلا إذا تمت مع الحركة نفسها وكل حشر لأسمائنا ضمن أي دائرة خارج هذا الإطار توظيف لا نوافق عليه ولا نتبناه كما فعل الأخ محمد الهاشمي ألحامدي في مقاله " الحاجة لمبادرة جديدة " . وإذا اعتبر البعض أن مسألة الحركة الداخلية لم تعد تهمهم وقد حسمها مؤتمر الحركة الثامن وليكونوا عند وعدهم ويلتزموا بعدم التدخل في شؤون الحركة الداخلية وأن لا يوظفوا مواقف قياداتها وآرائهم ضمن سياق غير مقبول لا مبرر. نريد أن نخلص إلى مفهوم المصالحة الذي طرحناه عبر الانترنيت حتى لا يوظف سلبيا من طرف أصحاب الرأي الأول الذي لا يرى في المصالحة إلا تنازلا من طرف الحركة عن كل مطالبها وتنصلا من تاريخها وتحميلا لها وحدها تبعات المحنة والمواجهة. المصالحة ليست تنازلا على الصفة السياسية للحركة ولا إلغاء لمطالبها ولا تنازلا على حقها في الوجود في الساحة كحركة معارضة تتبنى الإسلام كمرجعية فكرية كما يتبنى غيرها الاشتراكية والقومية والعلمانية مرجعية. ولا هو بحثا عن بديل لها عوض البحث عن موقع لها داخل الساحة. والمصالحة ليست تقديم صك توبة وندم وطلبا للمغفرة. والمصالحة لا تعني بحال من الأحوال الاكتفاء بالحد الأدنى من المطالب وعدم إحراج السلطة بمطالب أخرى. والمصالحة ليست السكوت عن سلبيات السلطة وإلغاءا للمعارضة وقلبا لحقائق الأمور. المصالحة إن كانت كل ذلك أو بعضه فهي شهادة وفاة للحركة ما نحسب أن أحدا على استعداد لإمضائها بعد كل الذي جرى ويجرى في بلادنا. المصالحة من خلال ما نرى هي البحث والحوار مع السلطة القائمة باعتبار الحركة كيانا قائما ومسئولا لإيجاد حلول للقضايا المطروحة. المصالحة هي مسار نسعى للوصول إليه وليست نقطة بداية نريد أن ننطلق منها. وهي تعتمد أسلوبا آخر غير المناكفة والمغالبة في المعارضة والعلاقة بالسلطة قوامه التمسك بالثوابت والحقوق واللين في الوسيلة والمنهج والتعويل على أن يفعل هذا النهج فعله مع الزمن ويقيم الحجة على الخصوم ويبرز الحركة كحركة مسؤولة وجادة. تمارس الحركة من خلالها معارضتها بحجة وإقناع وبأسلوب وخطاب ييسر سبل دفع السلطة إلى الانفتاح والحوار وتبتعد عن الأسلوب الذي يغلق الأبواب ويوسع الهوة ويدفع الخصم إلى المزيد من التطرف والمشاحنة في الخصومة. إن الهدف من كل ذلك تيسير السبل لموقعة الحركة داخل الخارطة السياسية من خلال الحوار والتفاهم بصيغ تحقق الأهداف ولا تقطع الطريق أمام المقابل. إن مسؤولية رفع الخوف من تبعات عودة الحركة وممارسة حقها في الوجود الطبيعي السلس وهاجس الماضي بما حمل من استقطاب ومناكفة للسلطة يقع على عاتق الحركة من خلال إرسال إشارات واضحة تتجلى في الخطاب وممارسة المعارضة بمسؤولية والابتعاد عن تذكية الخوف منها وعدم الاطمئنان لها ولحجمها ولموقعها كأكبر حركة معارضة. كل ذلك يجب أن يتم متواز مع محاولات لطرق الأبواب الموصدة وإقناع لكل الأطراف بجدوى الحوار وفض المشاكل على مائدة المفاوضات والتفاهم. إذا كان أسلوب المغالبة والمناكفة يوصد الأبواب أمام مصالحة حقيقية ويرجعنا إلى المربع الأول مربع الصدام مع السلطة ومفهوم مصالحة التنازل إلى درجة إلغاء الذات يعد استسلاما غير مشروط لا يقود إلا إلى الفناء ولا يحل المشكل مهما انخرط المنخرطون في بدائل من هذا النوع. فإن المصالحة كما نراها هي تمسك بالثوابت وتحقيق للمصالح من خلال معارضة معتدلة ومسئولة تؤدي إلى تركيبة سياسية تأخذ داخلها الحركة الإسلامية موقعها الهادئ والهادف. وتترك الصيغ والأشكال والتدرج للتفاهم والحوار. الأزهر مقداد / سويسرا محمد النوري / فرنسا