عاجل/ تحول أميركي في مفاوضات غزة..وهذه التفاصيل..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    وزارة الصحة تُوضح بخصوص التعهد بحالة طبية أثارت تفاعلات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي..#خبر_عاجل    829 كم في 7 ثوان!.. صاعقة برق خارقة تحطم الأرقام القياسية    خطر تيك توك؟ البرلمان المصري يهدد بالحظر!    عاجل: قرار قضائي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين من أمريكا    عارف بلخيرية رئيسا للجامعة التونسية للرقبي لفترة نيابية جديدة    عاجل: ما تشربوش من''عين أحمد'' و''عين أم ثعلب'' في تالة!    الوحدات الأردني يفسخ عقد قيس اليعقوبي    ضيوف تونس: رشيد بارادي (الجزائر): حبّ تونس لا يحصى ولا يعد    كلمة ورواية: كلمة «مرتي» ما معناها ؟ وماذا يُقصد بها ؟    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    تململ وغضب ودعوات للمقاطعة.. 70 دينارا لحم «العلوش» والمواطن «ضحيّة»!    مونديال الاصاغر للكرة الطائرة : ثلاثة لصفر جديدة أمام مصر والمرتبة 22 عالميا    معاينة فنية لهضبة سيدي بوسعيد    درجات حرارة تفوق المعدلات    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة حافلة    حماس تكذّب المبعوث الأمريكي: لن نتنازل عن السلاح    أستراليا تمنع يوتيوب للأطفال: وداعًا للخوارزميات الخطرة؟    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    إيقاف ياسين تشيوكو الحارس الشخصي لميسي ومنعه من دخول الملاعب    مع الشروق :الاعتراف... نصر أكتوبر الجديد    مباريات ودية: انتصارات لكل من النادي الصفاقسي، النجم الساحلي والاتحاد المنستيري    العواصف الرعدية والبَرَدْ جايين الليلة في المناطق هذي، حضّر روحك!    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة ضمن قائمة اداء الاسواق العربية خلال الربع الثاني من 2025    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    عاجل: سوبر الأحد..الترجي بغيابات مؤثرة والملعب التونسي يسترجع عناصره    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    عاجل/ الحماية المدنية تُحذر من اضطراب البحر حتى وإن كان الطقس مشمساً..    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    بالأرقام: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية في عدد من الولايات..    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    نقابة الصحفيين : مقاطع الفيديو المتعلقة بجماهير المهرجانات والمتداولة ليست لصحفيين محترفين ويجب احترام أخلاقيات المهنة    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    أحمد الجوادي في نهائي 1500 متر: سباحة تونس تواصل التألق في بطولة العالم    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    الفنان "الشامي" يحقق نجاحا جماهريا باهرا ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي.    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    تحذير للتونسيين : برشا عمليات قرصنة ... ردّ بالك من التصاور والروابط المشبوهة    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلسلة في البناء : الرّسالة الخامسة: أيّ دين يحمل رسالة صحيحة؟

إنتهى بنا البحث في الحلقة الرّابعة الموجّهة إلى العلمانيّين إلى خلاصتين اثنتين:
الأولى: أنّ العلمانيّة التّونسيّة بخلاف مثيلاتها في وطننا الإسلامي الكبير عظيمة الحقد على عقيدة الأمّة، شديدة التّنكّر لثوابتها.
الثّانية: أنّ عمليّة الإصلاح لا بدّ أن تنطلق من الدّين، لأنّه الحتميّة الوحيدة الباقية بعد فشل الإيديولوجيّات.
شروط الدّين الحقّ ليكون إصلاحيّا:
وإجابة على السّؤال الذي طرح في العدد السّابق وهو: أيّ دين يحمل الرّسالة الصّحيحة المتكاملة المحقّقة لأهداف الإنسان في هذه الحياة وما بعد الموت.
أقول وباللّه التّوفيق:"إنّ شروطا لازمة لا بدّ أن تتوفّر في الدّين الحقّ الذي يحقّق الإصلاح وسعادتي الإنسان، ولعلّ من أهمّها:
ثبات نصوصه وأن تبقى غضّة طريّةًّ كما نزلت.
أنْ لا تصادم مصادره الطّباع السّليمة والفطر المستقيمة،
ولا تناقض الحقائق العلميّة ولا تصادم التّطوّر الحضاري.
أن تكون عقيدته سمحة صافية نقيّة وبسيطة ليست فلسفاتٍ كلاميّة ولا نظرياتٍ جدليّة ولا تعقيدات منطقيّة برهانُها النّقلُ الصّحيح والعقل الصّريح.
أن يكون إلاه هذا الدّين منزّها عن الشّبيه و سليما من الغموض.
أن لا يرى العصمة إلاّ لنبيّ، ولا يغالى في العباد مهما كانوا، وأن يردّّ عليهم مهما كانت درجتهم.
شمول عقيدته على ضبط كلّ توجّهه ومقصده ورغبته في وحدة متكاملة في أمر دينه ولا تتوقف له نجاة على مشيئة أحد من الكهّان، أو أحد من الرّهبان أو أحد من الأئمّة، بل يضبط هذا الدّين علاقة العابد مباشرة مع الله وللّه وباللّه في كلّ مكان.
أن يحرّر مفهوم العبادة من وساطات البشر فتكون العلاقة بين المعبود والعابد مباشرة ليحارب الجمود والكهانة حتى لا يتخذ الناس بعضهم بعضاً أرباباً بدعوى امتلاك الأسرار المقدّسة والمعرفة الخفيّة.
أن يحرّرها كذلك أي مفهوم العبادة من ضيق المكان فلا يحصر في دور العبادة سواء كان مسجدا أو كنيسة أو معبدا. بل يخرج به إلى الأرض كلّها حيث كلّ نشاط إنسانيّ حتّى يسع السّياسة والاقتصاد والجنس والدّفاع عن الأرض والمقدّسات والعرض وقتال المحتلّ إذا خلصت النيّة و طهرت الوسيلة.
أن لا يدّعي أحد امتلاك تفسير النّصّ الإلهيّ، و يفتح أي هذا الدّين الحقّ الذي يحقّق سعادتي الإنسان أبواب المعرفة والتّجديد أمام الجميع ويفتح أبواب الاجتهاد بشرط امتلاك آلياته.
أن يوازن بين منهج النّظر و الاستنباط و يتوافق فيه صحيح المنقول بصريح المعقول و عالم الغيب بعالم الشهادة و يوفّق بين إعمال النّصوص و رعاية المقاصد.
أن يجمع بين الأصالة و الاجتهاد، ويتميّز بالثّبات و المرونة في النّوازل و استيعاب المستجدّات، فهو بثوابته و أصوله يستعصي على التّميّع و الذّوبان، وبمرونته يستطيع التّكيّف و يواجه التّطوّر بلا جمود و لا تحجّر بل يبني الحياة على القواعد الشّرعيّة و النّواميس المرعيّة والحقائق الكونيّة.
أن يكون نظاما كاملا يشمل الدّينَ والدّنيا معاً، في تناسقٍ بديع وبناء محكَم.
أن يقدر أجياله المختلفين على تطبيقه لدى كلّ الأجيال والعصور بحيث يكون مناسبا لكلّ زمان ومكان ومواكبا للأحداث، بحيث لا يشعر معه الملتزمون باغتراب، ولا يحسّون بالقلق ولا يبدو لهم أنّهم يعيشون في غير عصرهم.
أنّه لمّا يحسن معتنقوه تطبيقه يكون سببا للقوّة وسبيلا للإنقاذ ومنهجا للتّفوّق والتّقدّم والنّجاح.
أن يكون هذا الدّين قابلا للإلتزام به من طرف كلّ النّاس في العصر الواحد على تفاوتهم في المكان وفي المعرفة والسّجية والرّأي والمشرب، ولو آدّعى أهله أنّنا في عهد حداثة لا يستقيم معه دين.
أن يريح الضّمير ويطمئن القلب ويريح النّفوس.
أن يكون من الشّمول والإتّساع ليجيب على أسئلة الإنسان الحائرة عن الكون والحياة الأخروية ومصير الإنسان بعد مماته، وعن الخالق وعلاقة الإنسان بخالقه، وأن تكون إجاباته مقنعة.
أن لا يصادم الإنسان في أيّ جانب من جوانبه، وعليه لا بدّ أن يكون هذا الدّين يشبع كلّ غرائز الإنسان في العبادة والعلم والمعرفة واللّذّة بضوابط دينيّة تحافظ على إنسانيّته حتّى لا يتحوّل إلى بهيمة.
أن لا يعرف الطبقيّة فلا يختصّ بطبقة دون الأخرى أو بفئة دون فئة، بل هو يخاطب كلّ النّاس على اختلاف طبقاتهم وأجناسهم وألوانهم.
أن يتمتّع بثوابت تحقّق توارث هذا الدّين من جيل إلى جيل بما يحقّق تواصلا لا قطع فيه حتّى يصل الامتداد في حسّ المؤمن إلى جميع الأمم المؤمنة السّابقة إلى آدم أبى البشر.
أن يصمد أمام عظم المكر ضدّه، وأن تزيده تلك المؤامرات قوّة حتّى يصير محطّ الآمال ومهوى الأفئدة فيتقاطر النّاس للدّخول فيه من كلّ مكان ويكثر الإقبال عليه من العرب ومن العجم.
أن ينفرد بالجمع بين المثاليّة والواقعيّة في شكل محكم رائع.
أن يكون دينا عالميّا لم ينزل لقوم دون قوم، ولا لبيئة دون بيئة، ولا لجيل دون جيل، إنّما نزل للعالمين جميعا وللنّاس كافة في طوال العصور، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أن يكون دين البناء والإتمام والاستكمال، فيه تواصل ولا تقاطع يؤمن بجميع رسلِ الله لا نفرّق بين أحد منهم، فهم إخوة صلّى الله عليهم جميعا.
أن يقوم هذا الدّين على تحقيق توازن بديع وبناء محكَم بين مصالح الدّين والدّنيا معا حتّى يحيط بالسّعادتين.
أن يكون دينا يحترم العقل فيجعله مناط التّكليف ويحرّم كلّ ما يدخل الفساد عليه سواء كانت شهوات حسّية كالخمر والمخدّرات أو شهوات معنويّة ممّا يطرأ على العقول من تصوّرات فاسدة في الدّين أو الاجتماع أو السّياسة أو غيرها من أنشطة الحياة.
أن يكون دينا داعيا إلى العلم والفهم حتّى لا تزيغ بك الأهواء ولا تضلّ بك الطّريق، فلا يصير المرء درويشا متعصّبا للجهل، فيفوّت الفرصة على الذين يريدون أن يستثمروا في "الرّأسمال الدّينيّ" ولا يصير عرضة للابتزاز ممّن اتّخذ الدّين سبيلا للتّكسّب.
أن يكون دينا يأمر بالرّحمة وبصلة الرّحم والوفاء للوالدين، يقطع مع الأنانيّة والأثرة فيفرض المحبّة والتّآزر والتّكافل عبر أداء فرائض الأموال والأرض والغنم.
أن يكون دينا يشرّف العمل المتقن ويفضله ويعتبره عبادة.
أن يكون دينا يرشّح الإنسان إلى خلافة الله في الأرض وتعميرها بالنّفع والخير.
أن يكون دين خلق حسن، ومجتمع تماسك، تُرفرف على جنباته راياتُ المحبّة والتّسامح والوئام وأعلامُ المودّة والإيثار والسّلام، وتربِط بين أبنائه وشائج الحبّ المتبادَل وأواصرُ الودّ المشترك والتّعاون المشاع.
أن يكون قد كفل حقوقَ الإنسان بجدارة، وضمن له الحرّيّة الشّرعيّة المسؤولة، وصانه عن الانفلات والحياة البهيميّة.
أن يكون قد حوى في أصوله ومبادئه ما يتواءَم وحاجةَ الإنسانية ويتواكب ومصلحةَ البشرية في كلّ زمان ومكان، وما يحقِّق مصالحَ العباد في المعاش والمعاد.
أن يزيّن بهجته اليسر والاعتدال والرّفق، وأن يشين شوكته التّنطّع والغلوّ ولو كان في محض التّعبّد.
أن يكون مرنا يستوعب كلّ شخص و كلّ إنسان، أياّ كان فكره، سواء كان عالما أو فلاّحا، إذ معجزة الدّين الحقّ أن يخاطبك على قدر عقلك، ومهما ارتفع مستوى فهمك.
أن يوازن في مجال النظام الاقتصادي بين حرية الفرد و المجتمع.
أن يوازن في مجال الحرّيّة بين الفرد و المجتمع ضمن دائرة المشروع و مجانبة المحذور الممنوع.
أن يكون نظامه السّياسيّ وسطا بين حقوق الرّاعي و الرّعيّة حاثّا على العدل والقسط معليا قيم الحقّ و الكرامة و الأمن و السّلام و السّمع و الطاعة في المعروف مترسّما المنهج الشوريّ.
أن يكون دينا يرسِّخ مبادئَ الحقّ والعدل والمساواة، وينهى عن الظلم و يبغضه ويحرّض على قول الحقّ والجهر به ضدّ الظّلم وأمام الظّالمين، كما ينهى عن التسلّط والبغي والعدوان والفساد في الأرض.
أن يعظّم مسؤولية معتنقيه و يكلّفهم بدور الشّهادة على النّاس، شهادة تصان فيها الحقوق و تتحقق فيها العدالة و تحفظ الكرامة و يبسط السلام العالميّ و تبنى الحضارة العادلة الرّاشدة المرجوّة.
أن يكون دينا إنسانيّا لا عصبيّا و لا عنصريّا عرقيّا أو قوميّا أو طائفيّا أو إقليميّا لا فضل فيه لعربيّ على عجميّ، ولا لعجميّ على عربيّ، ولا أسود على أحمر، ولا أحمر على أسود إلاّ بالتقوى.
أن يكون الدّين صلبا لا يقبل الضّيم والدّنيّة، يقاوم كلّ من يعتدي عليه ويقهره.
أن تكون علاقاته الدّوليّة مبنيّة على المشاركة المتميّزة والتّعارف والوئام لا على الحقد والافتكاك والصّدام.
هذه هي في تقديري أهمّ الشّروط اللاّزمة التي لا بدّ أن تتوفّر في الدّين الحقّ حتّى تكون له الرّسالة الصّحيحة المتكاملة المحقّقة لصلاح الإنسان وإصلاح شؤون الأمم في هذه الحياة وما بعد الممات، ولا شكّ أنّ كلّ هذه الشّروط لن تجدها إلاّ في إسلامنا الكامل الشّامل.
لقد أدرك الغرب أنّ دياناتهم الغامضة والمصادمة للفطرة هي أضعف من أن تكونَ ندّاًّ للإسلام، سواء من حيث سهولة الإيمان به، أو من حيث قوّة موثوقيَّة مرجعيّتيه من قرآن وسنّة.
أمّا الكتاب فلم يتغيَّر فيه حرف، فهو كما هو في اللّوح المحفوظ، و لم تزده القرون إلاّ قوّة وثوقيّة حيث لم تبل منه آية واحدة ولم تطعن حقيقة علميّة واحدة فيما جاء به ولم يكتشف فيه مخالفة أو مناقضة للواقع.
أمّا السّنّة، فقد تبيّن قوّة وثوقيّتها كذلك من خلال سبق المسلمين في تأسيس علم الإسناد الذي لم يسبقهم فيه أحد ولم يخلفهم فيه أحد، هذا العلم الذي غربل الأحاديث وصفّاها بمنهج علميّ دقيق لم يسبق لأمّة أن قامت به. هذا فضلا عن الحقائق الشّرعيّة والعلميّة المبثوثة فيها حيث يجد المرء كلّ ما يحتاج إليه العباد مبيّنا لعقائدهم وعباداتهم ومعارفهم وعلومهم وأعمالهم.
ولقد أضفت تلك الوثوقيّة سلامتهما من المراجعة البشريّة كما يحدث لديانات الغرب وكتبها المقدّسة، بل لا بدّ أن تسلّم تلك الشّعوب للنّبيّ الخاتم لأنّه جاء لهم بشريعة رحمة كلّها ولقد جاءت صفاته في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم. فما أحوج الآخرين إلى ديننا العظيم، وقد جاء في الصّحيح أنّ عيسى عليه السّلام لمّا ينزل إلى الدّنيا سيحكم بشريعة الإسلام، قال تعالى :"الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"1.
هذا هو الذي يجب أن يعلمه العلمانيّون الذين يلهثون وراء الغرب، أنّ الله لم يحوج المسلمين إلى أحد بعدهم بل الأمم الأخرى هي المحتاجة إلينا أبدا. وما أعظم مقولة عمر الخالدة:" نحن قوم أعزّنا الله بالإسلام، فمهما آبتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله".
الإسلام هو الدّين الوحيد المؤهّل للإصلاح والرّيادة:
إنّ الإسلام هو الدّين الباقي على صفائه ونقائه، زد على ذلك أنّه القادر على الإجابة على كلّ مشاكل الحياة وعلى الإقناع بذلك. لما تميّز به من كمال وتمام وشمول وتكامل وتناسق وآتّزان وآئتلاف وفطريّة.
إنّ ديننا قد شمل خصائص أعوزت ديانات سابقة فذهبت معالمها، وتلاشت في الحياة سدى، حتى أصبحت تبيع كنائسها ومعابدها وصار رهبانها وقدّيسوها فضلا عن عقلائها وأبنائها يدخلون في دين الله أفواجا. ولم ينفع الزّخم الإعلامي والمادّي والسّياسي والعسكري وراء تلك العقائد لتصدّ عن الإسلام.
لقد تفرّد الإسلام عن غيره بخصائص كفلت له الصّمود والبقاء والدّوام، واجتمع له من الخصائص ما لم يجتمع لدين قبله، حوى من المحاسن و الكمال والجمال والصّلاح والرّحمة والعدل والحكمة ما لم يشتمل عليه غيره.
ولن يجتمع لنظام بعده مثل ما اجتمع فيه، من أجل ذلك اختتم به رسالاته، وأكمل به دينه، وأتمّ به نعمته على البشر، فلا بدّ أن يكون فيه من عناصر المقاومة والبقاء والحفظ ما يجعله إلى قيام السّاعة.
لقد ظهر الإسلام إبان دولة الكهانة والمراسم وواجه أناساً من الوثنيّين و من أهل الكتاب الذين صارت بهم تقاليد الجمود و والتّعويل على المعبد والكاهن في كلّ صغيرة وكبيرة.
فلمّا ظهر الإسلام بالتّوحيد الخالص في وحدة متكاملة طاعة لله عزّ وجلّ في كلّ ما يحبّه ويرضاه، زهقت كلّ تلك الأباطيل وتبخّرت كلّ تلك الأساطير.
إنّ الإسلام هو الدّين الوحيد المؤهّل لقيادة البشريّة بعيداً عن سلطان الكهّان وجبروت الكنائس والمعابد، وطاغوت السّاسة ورهبوط فقهاء السّوء، لأنه يحترم عقل الإنسان، ولا يصادم فطرته ويعلي من آدميّته بإخضاعه لإله مشرّع حكم واحد حكيم عادل.
لقد جاء الإسلام ليقيم توازناً بين روحانيّة الإنسان ومادّيته بعد أن تشعّبت به المسالك، وتاهت به الدّروب بين أهواء فلسفية تمجّد الجسد وتعلي من قيمة الشّهوات، وبين مدارس هلاميّة أهملت جثمانية الإنسان وعاملته كأنه روح وفقط.
وبهذا التّوازن والاعتدال يحيا الإنسان حياة سليمة سعيدة هنيّة بلا تناقض ظاهريّ، ولا اضطراب داخليّ، ولا تمزّق منهجيّ، لأنّه انضبط في معاشه تحت ظلال سبيل واحد وهو التّوحيد: "قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ"2.
هذا هو الإسلام، دين الحقّ المؤهّل لقيادة البشريّة من جديد بعد نضوب الفلسفات المادية، وفشل الدّيمقراطيّة العقائديّة الغربيّة وعجز الدّيانات المحرّفة عن الإجابة على تساؤلات الإنسان الرّئيسيّة.
لئن حال العالم إلى ما نراه اليوم من تسلط و صراع حضاري خطير فإن الأمل بعد الله في أمة الدّين الحقّ، وخاصّة في نخبتها الحاكمة من سياسيّين ومثقّفين وعسكر أن يكبوا من عثرتهم و يفيقوا من غفلتهم و يجمعوا من شتاتهم ويعودوا إلى دينهم الحقّ. ويوم تلتحم تلك النّخبة بشعوبها التي سلّمت أمرها للإسلام منذ زمان، يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله عزّ وجلّ.
قال الله تعالى:"فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"3.
1 الأعراف 157
2 الأنعام162 163.
3 الرّوم:30.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.