كثيرة هي الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي تناقش مواضيع الأصولية والتشدد الديني، في محاولة لتوضيح مخاطر هذه الظاهرة على مجتمعاتنا، خصوصاً لما سينتج منها حتماً من أعمال عنف. لكن الفيلم التونسي «آخر فيلم» للمخرج نوري بوزيد هو أول فيلم من نوعه يدخل في تفاصيل دقيقة لهذه الظاهرة. فبوزيد يعرض فيلمه كيف يسقط الشاب في الدوامة، وكيف يتم اختياره، وكيف تجري عملية غسيل الدماغ، مصوراً البيئة التي يخرج منها. هذا الفيلم تدور أحداثه في العام 2003 في الفترة التي دخلت فيها القوات الأميركية الى العراق، حيث انتشر الشعور بالإهانة بين الناس. وعلى هذه الخلفية يروي الفيلم قصة شاب تونسي اسمه «بهتة» يحب الرقص، همه أن يكوّن فرقة وينال الشهرة من ورائها، لكن فشله حتى في إيجاد مكان للتدريب، وملاحقات البوليس له تدفعه الى محاولة الهجرة حتى ولو بالحرقان (الحرقان مصطلح مغاربي يعني الهجرة غير الشرعية الى أوروبا). مشكلات بهتة هذه تضعه تحت مراقبة أفراد خلية أصولية، تسعى الى تجنيده، وتنجح محاولاتهم فتبدأ عملية غسيل الدماغ، بزرع الأفكار الغريبة عن الدين الإسلامي ولا سيما المناداة بضرورة عقاب الناس جميعاً «فهم كلهم مخطئون»، هنا تبدأ تصرفاته بالتبدل وتبدل حركاته وكلامه طبعاً نتيجة نصائح معلميه. ويقول المخرج نوري بوزيد أن الممثل خلال العمل في الفيلم لا يعرف كامل الحوادث إذ تم الاتفاق على أن يكون العمل تلقائياً، وأن من أساليب المخرج أن يتعمد استفزاز الممثل مرات عدة. وهذا أدى الى إشكالات حقيقية ولا سيما منها تلك التي أثارها بطل الفيلم لطفي العبدلي الذي يقول اليوم ان تصوير كل لقطة كان يحمل خطراً، من هنا كان التوقف عن التصوير في المرة الأولى كما يقول لطفي حين حرّم أحد أفراد الخلية الجسد في الفيلم فطلبت من المخرج توضحاً. أما المرتان التاليتان فكانتا بسبب شعور عبدلي نفسه أن الفيلم يتحامل على الإسلام، مع ان المفروض هنا التركيز على الإرهاب وممايزته عن الدين. ويقول لطفي العبدلي إن التوقف في الفيلم كان مبرمجاً، فالمخرج كان قد نوه له بأن هنالك نقاطاً ستثير حفيظته، لكنه لم يكن يعلم أين. المخرج فضّل أن يكون البطل راقصاً، والهدف أن يطرق الفيلم باب عامة الناس، فهواية الرقص منتشرة كثيراً عند الشباب، خصوصاً في الأحياء الشعبية، كما أن عقلية هواة الرقص متفتحة، والمقصود هنا أن مهما كانت عقليات وأفكار الناس فالضغط يولد الانفجار. أما الرسالة التي قصدها المخرج هنا فهي ضرورة طرح إشكالية الدين والعلمانية، وفهم الدين المغلوط. يذكر أن الفيلم بقي محاصراً من دون عرض لثمانية أشهر، لكن حوادث عدة في تونس أدت الى خروجه لدور السينما والعرض. نهاية الفيلم مؤلمة، حيث أن بهتة يفجر نفسه خلال ملاحقة الشرطة له، لكنه يفضل أن يكون التفجير بعيداً من الناس وحتى من أفراد الشرطة الذين يلاحقونه. ربما هنا قصد المخرج صحوة ما بعد السبات. في النهاية لا بد من القول أن الفيلم من الناحية الفنية جيد يشد المشاهد، كما انه يتعرض فعلاً لتفاصيل دقيقة في عملية غسل الدماغ عند الشباب، ويسلط الضوء على الفئة التي تسعى تلك الجماعات الى تجنيدها، ويمكننا القول في اختصار إن المخرج تمكن من جمع الكثير من القضايا المتعلقة بظاهرة التشدد خلال مشاهد فيلمه.