النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    لمرضى السكري: عشبة إذا شربتها صباحًا ستخفض السكر في دمّك    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    مفزع/ نسبة الرضاعة الطبيعية في تونس أقل من 18 بالمائة..!    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العرب والصراعات على المياه في القرن الإفريقي
نشر في الوسط التونسية يوم 08 - 02 - 2008

الولايات المتحدة من الناحية الاستراتيجية المباشرة. ذلك أن شمال إفريقيا يغطي الجناح الجنوبي لمنظمة حلف الأطلنطي بينما يقف القرن الإفريقي عند مداخل البحر الأحمر والمحيط الهندي، وفقا لقول روبرت ماكنمارا في كتابه «جوهر الأمن».
يتكون القرن الإفريقي من الدول العربية والإفريقية المطلة على الساحل الشرقي لإفريقيا التي أسهمت بنقل المؤثرات العربية من قبل الإسلام وبعده إلى أواسط القارة الإفريقية وداخلها وتظهر أهميته الاستراتيجية في أن من سيطر على مضيق باب المندب بوصفه المدخل المفضي إلى المحيط الهندي، يسيطر على الممر المائي للبحر الأحمر الذي يعتبر واحدا من أهم الطرق البحرية العالمية على أساس أنه يوفر لقوى إقليمية ودولية إمكانات الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلسي، والمحيط الهندي.
وبحكم موقعه الجيوبوليتيكي أصبح القرن الإفريقي مسرحا لصراعات إقليمية ودولية، وعاملا في الاستراتيجيات العربية والصهيونية في البحر الأحمر. ومنذ الخمسينات دأبت الدول الكبرى على إذكاء نار الصراعات في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، ومنها بالذات الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي (سابقا) بسبب تعدد مشكلات القرن الإفريقي، وتنوعها في إطار خصوصية القارة الإفريقية، وهي مشكلات نشأت نتيجة الرواسب التاريخية التي مازالت قائمة، ومنها ما هو وليد مخلفات عصرنا الراهن كالخلافات العرقية والدينية والثقافية، والمشكلات الحدودية ومستويات الحرمان التي يعيشها معظم سكان المنطقة والتحالفات المتعددة التي ساندتها الدول الكبيرة وشجعتها.
إن منطقة القرن الإفريقي في ارتباطها الصميمي بالبحر الأحمر كانت، ولاتزال، سببا في الصراعات بين الأمم، وظلت على مدى القرن الماضي عامل جذب لاهتمام القوى الدولية المختلفة والمتصارعة، التي ما لبثت أن انقسمت في غمار مناورات ومناقشات وصراعات ومنازعات مسلحة في إطار سعي كل منها إلى تحقيق أهداف اقتصادية وعقائدية وسياسية وعسكرية واستراتيجية، متوسلة في ذلك السيطرة والتأثير على الصعيد الإقليمي. ولما كانت منطقة القرن الإفريقي تشكل جزءا عضويا من منطقة البحر الأحمر، ومركز الثقل الاستراتيجي للمنطقة وعلى «باب المندب»، فقد ظلت مسرحا للصراعات الساخنة الإقليمية والدولية التي تتركز عندها الأهمية القصوى للأمن القومي العربي.
والحال هذه اتسم القرن الإفريقي بأهمية استراتيجية للأقطار العربية، خاصة مصر والسودان، وللكيان الصهيوني على السواء، ومن هنا فإن الاستراتيجيتين العربية والصهيونية، في غمار صراعهما فوق البحر الأحمر، عمدا إلى مد سياستهما المتصارعة في منطقة القرن الإفريقي. فقد وسعت الأقطار العربية والكيان الصهيوني الصراع إلى القرن الإفريقي مضيفة بذلك بعدا جديدا ثم أصبح القرن الإفريقي عاملا في الاستراتيجيات العربية والصهيونية في البحر الأحمر. وأدت العوامل السياسية والاقتصادية والعقائدية إلى تصعيد التنافس العربي – الصهيوني ليكتسب أبعادا متعددة في منطقة القرن الإفريقي.
وسوف أركز هنا على أهم المشكلات والصراعات التي تعانيها هذه المنطقة، بوصفها قضايا حيوية، يطال تأثيرها الإطار المحلي إلى الوضع الإقليمي والدولي. وهي مشكلات وصراعات تمس الأمن القومي العربي بشكل مباشر، سواء كان ذلك على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الاستراتيجي. وأخص هذه المشكلات بالدراسة، قضية المياه.
تعاني الدول العربية من شحة كبيرة في المياه، بسبب طبيعتها الجافة، وشبه الجافة وهي من أكثر الدول حاجة إلى المياه. ومن المعروف تاريخيا أن المياه للدول وكل الدول، تعكس ثلاثة أمور، الأول أنه رمز لغنى الدولة، والثاني مصدر ازدهارها الاقتصادي، والثالث ورقة رهان سياسي في يدها. وهكذا أصبحت مصادر المياه نقطة تجاذب بين دول المنطقة، وخلقت وضعا أطلقت عليه تسمية «حرب المياه».
وقد برزت في الفترة الأخيرة الأزمة المائية في كل منطقة الشرق الأوسط عامة، والقرن الإفريقي خاصة، إذ تسارعت وتيرة هذه الأزمة بسبب النقص في المصادر المائية، لدى بعض دول المنطقة.
وتعتبر قضية المياه من القضايا الحيوية التي تصل دول حوض النيل وخصوصا دولتي المصب، وهما مصر والسودان. فهاتان الدولتان تتغذيان من نهر النيل، الذي هو أطول أنهار العالم، إذ يبلغ طوله 6825 كلم. ويمتد على مساحة 3,1 ملايين كلم، أي مساحة حوض النيل تحتل 10 في المئة من إجمالي مساحة القارة. وللنيل رافدان رئيسان هما النيل الأزرق والنيل الأبيض. وينبع الأخير من بحيرة فكتوريا، وهي جسم ضخم من الماء العذب تصل مساحته إلى 69,485 كلم مربع. وتعد ثانية أكبر بحيرات العالم بعد بحيرة سومير يور. وفي الخرطوم، يلتقي النيل الأبيض بالنيل الأزرق في منطقة المقرن (أي ملتقى النهرين). وينبع النيل الأزرق من بحيرة تانا في المرتفعات الإثيوبية، ويسير من منبعه إلى الخرطوم قاطعا مسافة 1500 كلم ويساهم النيل الأزرق وأنهار الهضبة الإثيوبية الأخرى بنسبة 84 في المائة من إيراد النيل على مدار العام، وترتفع هذه النسبة إلى 95 في المائة في موسم الفيضان.
وبالتقاء النيلين الأبيض والأزرق يتكون النيل الرئيس الذي يسير من الخرطوم حتى مصبه في رشيد على البحر المتوسط، في سهول منبعه. ويصل إيراد النيل إلى 85 مليار متر مكعب عند أسوان، وهي حصيلة النيل الرئيس، إضافة إلى إيراد نهر عطبرة البالغ 13 في المئة من إجمالي إيراد النهر، ويجري اقتسام هذا الإيراد بين مصر والسودان طبقا لاتفاقية عام 1959 بين البلدين، التي تحدد 55،6 مليار متر مكعب لمصر و18,5 متر مكعب للسودان.
ومن أهم الاتفاقيات التي توضح حقوق مصر في مياه النيل:
- بروتوكول روما الموقع في أبريل 1891 بين بريطانيا وإيطاليا بشأن ترسيم الحدود بين أرتيريا والسودان، وينص على تعهد إيطاليا بالامتناع عن إقامة أي أعمال على نهر عطبرة، قد يكون من شأنها التأثير بدرجة محسوسة في كمية مياه النهر، والذي يعد أحد الروافد الأساسية التي تغذي النيل المصري.
- اتفاق الكونغو وبريطانيا عام 1894، وينص بأن يتعهد الكونغو بعدم السماح بإقامة أي أشغال على نهر سمليكي أو سانجو يكون من شأنها خفض حجم المياه التي تصب في بحيرة ألبرت.
- اتفاقية أديس أبابا عام 1902 بين بريطانيا وإثيوبيا، وفيها يتعهد الإمبراطور منليك الثاني، إمبراطور إثيوبيا بعدم إقامة أي مشروعات سواء على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو على نهر السوناج، ويكون من شأنها التأثير في نهر النيل.
- الاتفاق المعقود في ديسمبر 1906 بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا تعهدت فيه الأطراف الثلاثة بالمحافظة على مصالح مصر في حوض النيل وتنظيم مياه النهر وروافده.
- مذكرات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا عام 1925، وتنص على الاعتراف بالحقوق المائية لمصر والسودان وأحقية مواطني البلدين في استخدام المياه.
- اتفاقية مياه النيل عام 1929 والمبرمة بين مصر والسودان (في عهد الاحتلال الثنائي) والتي تنص على ضرورة المراعاة الكاملة لمصالح مصر المائية وعدم الإضرار بحقوقها الطبيعية في مياه النيل.
وفي السنوات الأخيرة برزت الأزمة المائية في مصر، التي أصبحت قلقة على حصتها من مياه النيل، ويعود ذلك إلى العوامل الرئيسة التالية:
1- النسبة العالية في النمو السكاني الديموغرافي، وهي من أعلى النسب في العالم وتصل إلى 3,5 في المائة، الأمر الذي جعل قسما من السكان ينتقل بصورة مكثفة من الريف إلى المدن، وبالتالي أدى هذا إلى تزايد في الطلب على المياه للاستعمالين المنزلي والصناعي. وهناك فارق ضخم بين عدد السكان في مصر وعدد السكان في دول الحوض الأخرى. وبالتالي ستختلف الحاجة إلى التنمية الاقتصادية في الدول الأخرى، وذلك من حيث الكم والتكلفة، على أن التقديرات تشير إلى أنه في عام 2025 سينخفض نصيب الفرد سنويا في مصر إلى 500 متر مكعب من الماء، وهو أقل حد في المياه العذبة، وبالتالي أي تصرف من دول الحوض من شأنه أن يؤدي إلى إنقاص حصة مصر المقررة من المياه، يهدد مباشرة المصلحة الوطنية المصرية.
2- وضع مشاريع طموحة جدا (سدود ضخمة على الأنهر) موضع التنفيذ لدى إثيوبيا، بهدف تحقيق زيادة مهمة في المساحات الزراعية المروية، وإنتاج كمية كبيرة من الطاقة الكهربائية. ولا شك أن المشروعات التي تخطط لها دول حوض النيل منذ سنوات خاصة من قبل إثيوبيا، تؤثر في الأمن القومي المصري.
3- إن مصر ملزمة، بشكل أو بآخر، بتنسيق واستعمال ثرواتها الطبيعية وقواها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والعسكرية ضمن مخططات التنمية الطموحة الهادفة إلى تحقيق المصلحة القومية والثروة المائية. وهي أحد أهم الشرايين في جسم الدولة المصرية وبالتالي هي جزء جوهري من مصلحتها في التنمية القومية. ولما كانت مصر لديها خطط تنموية طموحة، فإن احتياجاتها من المياه ما انفكت تتعاظم، إذا انتقلت من55,5 مليار متر مكعب إلى حوالي 63 مليار متر مكعب. ومع دخول مصر القرن الواحد والعشرين، فإن احتياجاتها من المياه تصل الآن إلى حوالي 73 مليار متر مكعب.
والحال هذه، فإن مصر في حاجة شديدة إلى المياه، ولكن استراتيجيتها المائية الداخلية (استراتيجية التنمية) أصبحت محكومة ومحددة، إلى حد كبير، باستراتيجيات الدول الأخرى بسبب اختراق النيل دولا عدة تربطها علاقات صراع وعداوة، الأمر الذي يصعب تحقيق استراتيجية مائية مستقلة داخل مصر وحدها، بسبب وجود استراتيجيات دول حوض النيل الأخرى، التي تعمل على إقامة مشروعات منذ سنوات تضر بالأمن القومي المصري، ومن هذه المشروعات، نستعرض ما يلي:
- بالنسبة إلى دول البحيرات العظمى، تشرع تنزانيا ورواندا وبوروندي في إقامة مشروعات عدة للري وتوليد الطاقة على نهر كاجيرا على بحيرة فكتوريا.
- بالنسبة إلى بحيرة تانا وحوض النيل الأزرق، فقد شرعت إثيوبيا في تنفيذ 33 مشروعاً للري ولتوليد الكهرباء حول النيل الأزرق. وهناك مشروعات أخرى ما زالت قيد التنفيذ منها إنشاء محطة لتوليد الكهرباء على بحيرة تانا، وإنشاء سد على نهر فيشا لزراعة قصب السكر. كما تقيم المجموعة الاقتصادية الأوروبية مشروعات عدة لتوفير مياه الري للمنطقة المحيطة ببحيرة تانا ولتوليد الكهرباء من البحيرات الواقعة جنوب غرب إثيوبيا، كما تقوم روسيا ببناء سد صغير على نهر البارو لري عشرة آلاف هكتار.
وهناك اتفاق بين الكيان الصهيوني وإثيوبيا على إقامة سد لتوليد الكهرباء. فقد استعملت إثيوبيا كمصدر تهديد لمصر عن طريق مياه النيل، تارة بين أميركا أيام الإمبراطور هيلاسيلاسي في أواخر الخمسينات للضغط على مصر في موضوع السد العالي، وأخرى من الاتحاد السوفياتي في أواخر السبعينات للضغط في موضوع مياه سيناء. وهذا يفسر، إلى حد كبير الدعم المتبادل للحركات الانفصالية في كل من إثيوبيا والصومال والسودان، بمعنى أنه مقابل إشهار سلاح المياه من دولة ضد أخرى تشهر الثانية سلاح الأقليات في وجه الأولى.
وكان البرلمان الاثيوبي قد وافق على مشروع قرار تقدمت به الحكومة في 9/6/1996 بإنشاء خزانين: الأول على النيل الأزرق للاستفادة منه لأغراض زراعية وإنتاج الطاقة الكهربائية والثاني على نهر دايوس. وسوف يمول هذين المشروعين البنك الدولي وجهات أخرى على الأغلب إيطاليا والولايات المتحدة.
وجدير بالملاحظة أن البنك الدولي قد وافق على تمويل المشروعين الإثيوبيين الأخيرين من دون اشتراط حصول إثيوبيا على موافقة باقي دول حوض النيل كما هو معمول به ارتكازاً على نظرية القانون الدولي في الاستفادة المشتركة للدول المتشاطئة للأنهار الدولية، وعلى الأعراف السائدة بين هذه الدول في شأن استخدام المياه من دون الإضرار بالدول ذات الحق التاريخي في النهر الدولي. وتعتبر موافقة البنك الدولي بالشكل الذي تمت عليه سابقة خطيرة على مصالح دولتي المصب مصر والسودان.
وتستمد إثيوبيا أهميتها بين دول حوض النيل ليس من كونها دولة منبع فقط، وإنما بوصفها المصدر الرئيس لمياه النيل إذ تمثل إيرادات الهضبة الإثيوبية (النيل الأزرق وعطبرة والدندر والرهد والسوباط) نحو 15 في المائة من إجمالي إيرادات النيل ومن الناحية الأخرى، فإثيوبيا أقل اعتمادا على مياه النيل مقارنة بمصر والسودان.
أما مصر والسودان فهما الدولتان المستهلكتان الرئيستان لمياه النيل، وبالتالي فهما صاحبتا المصلحة الرئيسة في تطوير إيرادات النيل وفي صياغة الأسس الناجعة لتقرير الاتفاقيات والهياكل الراهنة التي تحكم ضبط وتوزيع المياه طبقا للقانون الدولي.
لقد أصبحت المياه أحد عناصر الأمن القومي العربي، وهي في الوقت عينه عنصر جاذب، أي يجذب إليه، وعنصر نابذ أي يبعد منه. والمياه كثروة طبيعية متجددة (مياه الأنهار والخزانات الجوفية) هي قاسم مشترك بين كثير من دول المنطقة، لكنها في ظل النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد الذي يعتبر أحد فروع النظام الدولي الجديد الأميركي الأحادي القطبية، كما أعلنه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب أمام الكونغرس الأميركي عشية حرب الخليج، هي الآن أكثر حيوية من النفط، وتحولت إلى سبب للنزاعات بين الدول، ومدخل لحروب المستقبل.
لهذا السبب تصر الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في إطار رؤيتهما لبناء النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد على أن تكون المياه بندا أساسيا في كل تسوية. وتنطلق الولايات المتحدة من قاعدة التعاون بمضمونها الأميركي - الصهيوني، وعبر المفاوضات العربية – الصهيونية (الثنائية والمتعددة) لتفرض على الدول العربية حلا يحقق الأهداف الثلاثة التالية:
- فرض نظام أمني إقليمي جديد يحتل فيه الكيان الصهيوني مركز الصدارة في تركيبته، مع الاحتفاظ بتفوقه النوعي التكنولوجي العسكري والاقتصادي.
- فرض نظام مائي إقليمي جديد يؤمن للكيان الصهيوني حاجته المستقبلية (أي بعد توطين اليهود الجدد) وليس الآنية وحسب.
- فرض نظام إنمائي إقليمي جديد يستفيد من خلاله الكيان الصهيوني من الثروات المائية الإقليمية الموجودة، كما يستفيد من الأسواق العربية المفتوحة.
وفي هذا السياق تطورات العلاقات الصهيونية – الإثيوبية، بهدف العمل على محاصرة مصر والسودان وخنقهما مائيا، إذ تعارض إثيوبيا الآن العديد من خطوات التنسيق بين دول حوض النيل، أو على الأقل تنظر إليها بحذر، خصوصا أن العلاقات السودانية – الإثيوبية قد مرت بفترة طويلة من التوتر، كما توترت العلاقات المصرية – الإثيوبية مع أواخر السبعينات لبعض الوقت وتحديدا بسبب المياه.
إن المياه أخطر سلعة لها تأثير مباشر في الأمن القومي العربي. لذا سوف يفقد العرب قدراتهم الاستراتيجية إذا لم يعملوا على حماية رأسمالهم المائي (وهو محدود) من المطامع الدولية. فالأمن القومي العربي الشامل (وحتى الإقليمي) لن يكون ممكنا بمعزل عن الأمن المائي. وهذا يعني ضرورة وضع أو تطوير استراتيجية عربية مشتركة تقوم في حدها الأدنى على منع سرقة المياه العربية.
كاتب تونسي
أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.