[email protected] كم هي نسبية هذه الدنيا، كم هي صغيرة ومتناهية في الصغر، كم هي قليلة مهما كثرت، وحقيرة مهما عظمت، وما أحلى هذه النسبية في الحياة حيث لا حال يدوم ولا وضع يثبت ويستقر... دورات تليها دورات تلمس الفرد والمجموعات والجماعات، والدول والحضارات... وتلك الأيام نداولها بين الناس... الكل متغير بين ارتفاع وهبوط، وعظمة وحقارة، وصغر وكبر، ولا يبقى إلا المطلق الكامل الذي لا أول له ولا آخر..، لا يبقى إلا الله! هذه النسبية في الحياة تبقى طاقة شحاذة تدفع إلى عدم اليأس والقنوط والإحباط ومغادرة الصورة، وتثبت أن الأيام دول، يوم لك إن أحسنت وعيه وفقهه فيطول مداه، ويوم عليك إن سقطت أو تقاعست عن أداء دورك في الحياة. وتبقى الحياة كتاب تجارب واعتبار تدخل بابها بدون استئذان وتغادرها بدون استئذان، وبين هذا وذاك تكتب قصة الإنسان!!! هذه التوطئة أملتها ولا شك حالات وجدان ومشاعر لا تزال تهز أطرافنا بين الحين والآخر ونحن نعيش غربة المكان والزمان، ولكنها كانت صنيعة خبرين طرقا مسامعي هذه الأيام ولم يتحولا عني دون تدوين هذه الكلمات... الخبر الأول هو وفاة السيدة سعيدة ساسي عليها رحمة الله، ولمن لا يعرفها فإن هذه المرأة قد حكمت تونس من وراء الحجب والجدران ودون أن تذكرها الوثائق الرسمية... دخلت القصر مع عمها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ولم تغادره إلا صحبته بعد نهاية عهده بالطريقة المعروفة. وكانت السيدة سعيدة خلال تلك الفترة تصول وتجول والتي بلغ أقصاها في فترة آخر حكم عمها بعد إقصاء الماجدة مطلقة الرئيس. حيث ظهرت وكأنها الحاكم الفعلي للبلاد تذل من تشاء وتعز من تريد، وأصبح الجميع، وزراء وكتبة وحاشية يذعنون لها ولرغباتها ويتحاشون غضيها وخلافها، وأضحت سعيدة ساسي سيدة تونس الأولى بدون منازع ولا معاكس. وتمر الأيام وتغيب المرأة عن الأضواء الكاشفة بعد أن انتقلت مفاتيح القصر إلى جماعة جديدة، حتى طواها النسيان... وما كان ربك نسيا... ماتت سعيدة ساسي هذه الأيام في تونس ولم يعلم بها إلا القليل القليل بعد مرض الألزيمار وفقدان الذاكرة الرهيب وذهبت وحيدة إلى لقاء ربها... وعلقت مجلة جون أفريك التي أوردت الخبر حيث قالت أن من حظر لجنازة الفقيدة سوى بعض العشرات من عائلتها وتخلفت كل الوجوه المعروفة و كل الحاشية التي كانت تدور حولها وتسعى ليلا نهارا لاسترضائها. الصورة الثانية التي أطلقت هذه المشاعر وهذه الوقفة هي حديث السيد محمد الصياح الرجل القوي والقوي جدا في العهد السابق، الرجل الذي أخاف الكثير وأذعن له الكثير جماعات وأفراد، ونال الحظوة الكبيرة لدى الرئيس الراحل عليه رحمة الله، حتى قيل أنه كان مؤهلا للإستوزار الأول لولا تدخل الماجدة التي فضلت عليه محمد مزالي... ظهر الرجل في صورة على النات في شيخوخة متقدمة والبياض يلفه من كل جانب، وحديث تلفزي يغلب عليه جانب الدفاع والتبرير..، ظهر الرجل وديعا أليفا عكس الصورة التي حملها جيلنا وعرفناه بها، وتلك الأيام نداولها بين الناس..، بعد الصولة والجولة جاء الهدوء، وبعد الغلبة جاءت المغالبة، وبعد التميز جاءت العادية... وسبحان مغير الأحوال، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام!!! يروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة، كان ذات مرة يمشي بين الناس برفقة أحدهم، فلقيته امرأة من قريش فقالت له : يا عمر، فوقف لها، فقالت : كنا نعرفك مدة عُميْرا، ثم صرت عمرا، ثم صرت من بعد ذلك أمير المؤمنين، فاتق الله يابن الخطاب وانظر في أمور الناس، فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوْت! فقال لها مرافق عمر: إيها يا امة الله قد أبكبت أمير المؤمنين، فقال له عمر: أسكت، أتدري من هذه ويحك، هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من سمائه، فعمر أحرى أن يسمع قولها ويقتدي به!!! المصدر: موقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي www.liqaa.net