تثير بعض الاجراءات التي تقدم عليها الدول الأوروبية والغرب عموما لمكافحة الهجرة السرية الاستغراب لأنها تدخل في باب السوريالية، ومقارنة مع باقي الاجراءات السابقة مثل استخدام طائرة كانت مخصصة للتجسس علي الاتحاد السوفييتي المنحل في مراقبة مياه افريقيا الغربية، يبقي الحدث الأخير الذي وقع في مضيق جبل طارق منذ أيام الأكثر سوريالية بعدما اعترضت غواصة نووية أمريكية قاربا للهجرة علي متنه مهاجرون مغاربة. ووقع الحادث مساء الجمعة الماضي في مضيق جبل طارق علي بعد كيلومترات من الشاطئ المغربي، حسبما أفادت جريدة الباييس الاسبانية في عددها أول أمس الأحد. إذ نشرت أن قاربا كان علي متنه أربعة مهاجرين سريين مغاربة تفاجأوا بخروج عملاق حديدي من مياه البحر أمامهم، وبدون شك بقوا متسمرين من هذه المفاجأة التي لم تخطر علي بالهم. ففي البدء اعتقد المغاربة التعساء أنهم أمام حوت ضخم من تلك الحيتان الأسطورية مثل موبي ديك وسينتهون في بطنه، لكن الجسم الحديدي الذي كان أمامهم كان أكبر وأضخم وأشبه بتلك الوحوش التي تتحدث عنها الأسطورة اليونانية. لم يكن الوحش سوي غواصة نووية تحمل صواريخ توماهوك وتزن ستة آلاف طن وطولها يفوق المائة متر واسمها USS San Juan. المعلومات المتداولة تؤكد أن الغواصة شككت في هوية القارب، معتقدة أن الأمر يتعلق بكوماندوس إرهابي، إذ جرت العادة أن تكون قوارب الهجرة أشبه بسفينة نوح لكثرة المهاجرين علي متنها لتحقيق الربح المالي، فكيف بقارب علي متنه أربعة مهاجرين سريين فقط؟ هاجس الخوف وعقيدة التشكيك التي يؤمن بها المارينز دفعت الغواصة الي دراسة القارب جيدا، فهناك سوابق سنة 2002 كانت مجموعة من العرب تريد ضرب السفن والغواصات الأمريكية في مضيق جبل طارق وبالضبط من الشاطئ المغربي، أي ما عرف وقتها ب خلية القاعدة في المغرب . اتصلت الغواصة النووية بالقاعدة البحرية نورفلوك في فرجينيا لتجري اتصالا مع السلطات المغربية والاسبانية حول القارب، وكان الدرك الملكي المغربي أسرع من نظيره الحرس المدني الاسباني في اعتقال المغاربة، وليس ذلك مستغربا، ففي اليوم الموالي كان القصر الملكي في مدينة تطوان شمال المغرب والتي تبعد 30 كلم عن مكان هذا الحادث السوريالي سيحتضن توقيع اتفاقية منح واشنطن قرابة 700 مليون دولار كمساعدة وهبة ضمن ما يعرف ب وكالة الألفية الثالثة ، الرباط لم تعلن عن اعتقال الأربعة، وبدون شك يوجدون في أحد المعتقلات السرية مثل تمارة التي يتميز بها العهد الجديد في البلاد، لأن الكشف عنهم للرأي العام قد يحدث القيل والقال ويفقد المغرب الكرم الأمريكي. وصرح أحد المغاربة ساخرا الحمد لله أنهم اعتقلوا بدل أن تتعامل معهم البحرية الأمريكية علي سبيل التدريب ضد القوارب النفاثة التي تهدد بها إيران العم سام في حالة الهجوم علي المنشآت النووية الفارسية . ويضيف مواطن مغربي آخر العجب، مضيق جبل طارق المليء بالسفن والغواصات الأمريكية يشهد حركة دؤوبة لمهربي مخدر القنب الهندي، فكيف ارتأي البنتاغون إيقاف قارب لحالمين بالفردوس الأوروبي وترك مهربي المخدرات؟! . هذه الحالة السوريالية تضاف الي بعض الحالات الأخري، فمنذ ثلاث سنوات، اقترح كل من الرئيسين السابقين لحكومتي إيطاليا وبريطانيا، سيلفيو بيرلوسكوني وتوني بلير استعمال السفن الحربية لإغراق قوارب الهجرة، وتسبب ذلك في ضجة. أما الطريف، فهو الطلب الذي تقدمت به حكومة مدريد الي نواكشوط وداكار باستعمال طائرات عسكرية اسبانية الأراضي السنغالية والموريتانية ضمن مخطط مكافحة الهجرة السرية، وكان هذا سيعطي طابعا عسكريا لمعالجة هذه الظاهرة الانسانية الناتجة عن خلل في التفاوت المعيشي بين الدول. والمثير أن الطائرات لم تكن عادية بل طائرات أوريون التي اقتنتها مدريد من واشنطن في الثمانينات لمراقبة غواصات الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة.