في الطريق بين الدارالبيضاء والرباط كانت سيارة شحن صغيرة تقطع المسافة بسرعة، وبين فترة وأخرى كان راكبوها ينثرون حزمة أوراق دعائية لمصلحة إحدى قوائم المرشحين المتنافسين. لم يكن في الطريق ناخبون أو حشود وانما كانت الرغبة في التخلص من أوراق الدعاية، النموذج لحملة يدرك القائمون بها انها بلا جدوى، ذلك أن مجرد دخول 33 حزباً حلبة السباق الانتخابي في المغرب يدفع الى التساؤل عن حظوظ هذا الطرف أو ذاك. ويرد مسؤول على ذلك بأن تزايد أعداد الأحزاب أملته طبيعة المرحلة حين لم يعد هناك مبرر لإقصاء هؤلاء وأولئك من تشكيل أحزاب سياسية تنضبط بقوانين تنظيم الأحزاب. ورأى انه بعد انتخابات الجمعة ستضطر أحزاب سياسية الى الاندماج في أخرى، وقد يتعزز التوجه إلى ناحية إقامة نظام حزبي ذي ثلاثة أقطاب، واحد في الحكومة وآخر في المعارضة وثالث يدعم هذا التيار أو ذاك. غير أن الوضع الراهن لن يحول دون دفع أحزاب كبيرة ثمن تعدد الأحزاب المشاركة في الاقتراع. وعلى رغم ان 26 حزباً شاركت في استحقاقات 2002 فإن السمات البارزة لانتخابات الجمعة ان هناك أربعة أحزاب على الأقل ذات توجهات اسلامية في مقابل ما يزيد على عشرة ذات توجهات وسطية ليبرالية. ويبدو حزب العدالة والتنمية واثقاً من الفوز بما لا يقل عن 70 مقعداً في البرلمان المقبل (325 مقعداً)، على رغم أن جماعة العدل والإحسان (أكبر الجماعات الأصولية غير المرخص لها) أكدت أنها لن تدعم مرشحيه وستقاطع الاقتراع بالكامل. وكما لا يمكن إغفال تأثير الأحزاب الإسلامية الجديدة على وضع العدالة والتنمية، لا يمكن أيضاً إغفال تأثر أحزاب الائتلاف الحكومي بانشقاق أحزاب وشخصيات عنها تشارك للمرة الأولى في الانتخابات. ولم يكن في إمكان الأحزاب التقليدية أن تحد من تنامي ظاهرة تشكيل أحزاب جديدة، كون الموقف يناقض التزاماتها تجنب الاقصاء، خصوصاً وان الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية انضبطت، على الأقل في الخطاب المعلن لقانون الأحزاب الذي يحظر الاستناد الى مرجعيات دينية أو قبلية أو لغوية. وفيما انبرت فصائل يسارية، مثل اليسار الاشتراكي الموحد، إلى الجهر برفض استخدام الدين والتصدي لما تصفه بالخطاب الأصولي الذي يناهض مفاهيم الديموقراطية والقوانين الوضعية، على حد تعبير أحد زعمائها، اكتفى حزب الاستقلال شريك الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية في تحالف «الكتلة الديموقراطية»، بعرض الخطوط العريضة لبرنامجه السياسي الذي يقوم على خطة «التعادلية الاقتصادية والاجتماعية» ضمن التركيز على دعم استقلال القضاء ومحاربة نظام الامتيازات وطبقية الأجور المتباينة بين كبار الموظفين وصغارهم، وكذلك الظواهر الاجتماعية مثل البطالة وتفشي الرشوة ونقص التجهيزات والمرافق. وذهب زعيم التقدم والاشتراكية اسماعيل العلوي، الحليف الثالث للاتحاد الاشتراكي والاستقلال، إلى القول أمام حشد في تساونات، على بعد حوالي 70 كلم شمال فاس عند مداخل الريف، إن البلاد أمام مفترق طرق: إما المضي قدماً في الاصلاحات التي بدأت في عهد حكومة التناوب في عام 1998 أو السقوط في مزالق ما وصفه بالظلامية واليأس، في إشارة الى احتدام الصراع بين أحزاب «الكتلة الديموقراطية» والتيارات الإسلامية. ويعتقد مراقبون ان نتائج الاقتراع لن تكون مفاجئة لناحية عدم توقع تغيير جوهري كبير في الخريطة النيابية.