مباشرة بعد الانتخابات التشريعية بالمملكة المغربية قام العاهل محمد السادس بتعيين السيد عباس الفاسي زعيم حزب الاستقلال رئيسا للحكومة تنفيذا لما كان أعلنه جلالته من أنه سيشكل الحكومة طبقا لمستوى تمثيل الأحزاب في البرلمان و تجسيدا أيضا للدستور المغربي المعدل و الذي يراعي التوازن الحزبي و السياسي في عمل الحكومة على أساس المشاركة الفاعلة و الديمقراطية في الحياة العامة و سن الخيارات الوطنية. و بالنظر الى العلاقات الطيبة التي ربطتني منذ ربع قرن بالأستاذ عباس الفاسي فاني مطالب بتقديم التهنئة لهذا المناضل المغربي و المغاربي و التمنيات للشعب الشقيق بالرفاه و التقدم و السؤدد. فقد عرفته عام 1982 حين كان وزيرا للصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية عن حزب الاستقلال و كنت ضيفا تونسيا على لسان حزب الاستقلال صحيفة( العلم )المجاهدة و التي قمت بمعية مديرها الصديق محمد العربي المساري بانجاز توأمة بينها و بين لسان الحزب الدستوري التونسي ( العمل) التي كنت أديرها في ذلك العهد. فالروابط التاريخية بين الصحيفتين كانت عميقة و عريقة تماما كالروابط النضالية التي كانت تجمع بين الحزبين: الدستوري التونسي والاستقلال المغربي و بين زعيمي الحزبين بورقيبة التونسي و علال الفاسي المغربي منذ مرحلة الجهاد من أجل تحرير المغرب الاسلامي من الاستعمار والتنصير و المسخ. و منذ ذلك التاريخ لم تنقطع متابعتي الطبيعية للشأن المغربي الوطني و لا لمسيرة أخي الفاضل عباس الفاسي المعروف بالاستقامة و سعة الثقافة و الانحياز للأصالة المعتدلة و التفتح الواعي. فقد عين الأخ عباس منذ 1985 سفيرا للمملكة بتونس و مندوبا دائما للمغرب لدى جامعة الدول العربية و ازدادت علاقتي به متانة حيث لمست بصماته على صعيد العلاقات الأخوية المتينة الرابطة بين تونس و المغرب و على صعيد التأسيس لاتحاد المغرب العربي و على صعيد تفعيل دور بلاده و حكومته في صلب جامعة الدول العربية في مرحلة دقيقة من الحياة القومية العربية ليس أقل حلقاتها تواجد منظمة التحرير الفلسطينية و زعيمها ياسر عرفات في تونس استعدادا للعودة الى فلسطينالمحتلة بعد اتفاقيات أوسلو. ثم بعدها أرادت الأقدار أن يعين الأخ عباس سفيرا في باريس و كنت متواجدا في العاصمة الفرنسية و أشهد اليوم على دماثة خلقه و طيب صداقته و أصالة معدنه بازاء المثقفين العرب و المغاربيين العاملين في بلاد المهجر الى جانب قيامه بواجبات الدبلوماسي المتميز و المفاوض الذكي مع حكومة فرنسا و هياكل الاتحاد الأوروبي الذي بدأ أيامها في التشكل و العمل المشترك و التوسع الى القارة الأوروبية بأسرها. وهي رسالة يعلم الله أنها ليست هينة و ليست مفروشة بالورود. هذا هو عباس الفاسي كما عرفته وهو الذي تربى و ترعرع في البيت الكريم الذي دعم أركانه عمه علال الفاسي المجاهد العربي الذي قارع الاستعمار، وهو كذلك الذي بدأ مسيرته السياسية عام 1961 رئيسا للاتحاد العام للطلاب المغاربة ثم أمينا عاما للرابطة المغربية لحقوق الانسان ثم نقيبا للمحامين بالمغرب عام 75 و انضم للحكومة عام 1977 وزيرا لاعداد التراب الوطني و تقلد بعد ذلك المناصب الدبلوماسية التي تعرضت لها و انتخب بالاجماع أمينا عاما لحزب الاستقلال عام 1998 و اختاره الملك محمد السادس عضوا بالحكومة من جديد الى أن عينه رئيسا لها هذه المرة حيث عادت الصبغة السياسية للحكومة لتعويض الصبغة التقنوقراطية التي أدت مهامها. و لا بد من التذكير بأن انتماء الأستاذ عباس الفاسي الى حزب الاستقلال يفرض علينا أن نذكر بعقيدة هذا الحزب التاريخي، فالحزب يعلن منذ تأسيسه عام 1944 بأنه يجاهد من أجل استقلال المغرب حين كان المغرب يرزح تحت نير المستعمر و من أجل استقلال المغرب اليوم بمعنى استكمال السيادة و تسوية قضية بقية الأرض المغربية التي ما يزال الاستعمار الأسباني يحتلها، الى جانب اعتبار المغرب جزءا لا يتجزأ من الأمة العربية الاسلامية و العمل على تجسيد الحريات العامة و المشاركة الديمقراطية في كنف العرش المغربي رمز وحدة و تماسك المملكة. هذه هي المعاني و العبر التي نراها جديرة بالتذكير حينما نتقدم بأخلص التهاني وأصدق الأماني للشعب المغربي الأصيل الذي يحصن ذاته و حرياته بالديمقراطية والاعتدال و اعمال العقل و نعتقد بأن أفضل من يجسد هذه الخيارات اليوم هو الرجل الكفء الذي اصطفاه جلالة الملك لرئاسة الحكومة المغربية وفقه الله تعالى الى ما يحبه و يرضاه. *رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس