ليس السابع من نوفمبر أمرا حزبيا يخص الحزب الحاكم وحده بل هو حدث وطني بامتياز، ومع ذلك فان انخراطنا الاحتفالي مع كل التونسيين لا يمنعنا من التفرد بطريقتنا في إحياء هذه الذكرى المجيدة بالالتفات إلى ما راكمته من انجازات طيلة عشرين عاما مضت فقط وإنما أيضا بإبراز مظاهر النقص والمحدودية المطلوب استدراكها في غضون العشرية القادمة خصوصا وأن بلادنا تواجه اليوم وخلال السنوات القليلة الآتية حشدا من التحديات الجسيمة التي تتطلب استقطاب جهود جميع التونسيين بمختلف مواقعهم واتجاهاتهم. تتحدث بعض الأرقام والنسب عن بلوغ بلادنا هذه السنة 30 بالمائة من مؤشر اللحاق ويؤمل أن تصل إلى 45 بالمائة سنة 2016 ومائة بالمائة سنة 2032 ، وهذا يعني أننا بعد عقدين من الزمن سوف نحتل مكاننا في نادي الدول المتقدمة. لا شك أن هذا طموح ينعش القلب ويبعث على التفاؤل فضلا عن كونه يعكس ثقة عالية في النفس إذا أخذنا في الاعتبار أن بلدنا لا يملك من الثروات سوى موارده البشرية، غير أن قبول تحدي اللحاق ضمن الجدولة الزمنية المطروحة وهي قصيرة قياسا بأعمار الشعوب إنما تتطلب الأخذ بمبدأ تسارع التاريخ وبالتالي المبادرة في تسريع نسق الإصلاحات على جميع الأصعدة مع تقديم السياسي باعتباره قاطرة كل تحول تاريخي على ما تشهد أكثر نماذج الازدهار والتقدم في أكثر من بلد في العالم.وطبعا لما تنص عليه تقارير التنمية الإنسانية المتوالية تباعا منذ مدة. رقم آخر يمثل تحديا كبيرا في العشرية القادمة,وله مساس بعديد البعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ,يتعلق هذا الرقم بكتلة حرجة في المجتمع ونقصد بها فئات الشباب من الذين دخلوا سن النضج السياسي المفترض أي السن القانوني الذي يسمح لهم بالتصويت وبالتالي المشاركة في تقرير مصير بلدهم ومجتمعهم .تكشف الإحصائيات الرسمية عن أن 130 ألف شاب كل سنة يلتحقون بصفوف الناخبين وهذا يعني أننا بعد عشر سنوات سنكون إزاء قرابة مليون ونصف ناخب إضافي مفترض ,والسؤال الحاسم مطروح بكل شدة على المجتمع السياسي مالذي سيفعل إزاء هذه الكتل السياسية الضخمة ,هل سيتركها فريسة الطروحات الماضوية أم سيتركها لشانها في حالة من الضياع والاغتراب واللامبالاة ؟هذه الحالة التي دفعت بحوالي 71بالمائة من الشباب التونسي يبدي رغبة في الهجرة ولا يرى مستقبلا له في بلاده وهذا بحسب إحصائية رسمية ايضا اما على صعيد مخرجات المنظومة التعليمية اليوم فالنسبة ذات الدلالة المهمة والقوية تشير إلى أن 60بالمائة من مزاولي التعليم العالي هم من جنس الاناث .وهذا المعطى من منظور مستقبلي هو على غاية من الاهمية وستكون له انعكاسات ملموسة على نسيج المجتمع وطبيعة الحياة العامة في بلادنا .فالمتوقع مع نهاية العشرية القادمة ان يضعف تماما الطابع الذكوري بمجتمعنا وان تزول الهيمنة الرجالية على المجال العام وربما تشهد اكتساحا ملحوظا انثوي الطابع للادارة ولشتى المراكز القيادية في مختلف قطاعات العمل والتسيير ,هذا التحول النوعي المنتظر ليس بالامر الهين خصوصا اذا ما وضعنا في الاعتبار استمرار العقلية الذكورية الى اليوم في استبعاد المراة من أخذ مكانها الطبيعي في الاضطلاع بمسؤوليات قيادية في مواقع الاشراف والتسيير فنسبة حضورها مازالت محتشمة في المناصب العامة سواء في الدولة أو في منظمات المجتمع المدني وأحزابه. هدا التحدي من طبيعة ثقافية في المقام الأول ويتطلب تأهيلا متواصلا للعقليات حتى ترتفع الحواجز نهائيا أمام الفرص المتاحة لكي تتمتع المرأة التونسية بكل حقوق المواطنة الكاملة وغير المنقوصة.تلك هي بعض التحديات المطروحة علينا جميعا سلطة ومجتمع مدني ومعارضة في غضون العشرية القادمة، فالأرقام دالة والنسب معبرة يعيشها المجتمع بكل فئاته وقطاعاته ، تحولات تحمل في ذاتها فرص قابلة للاستثمار الايجابي بقدر ما تنذر بمخاطر ومصاعب يتعين الانتباه اليها ومعالجتها بوعي استشرافي وبطريقة استباقية.