العنوان كأنه لائحة دعائية وقد يسيئ القارئ فهمه ولا ألوم على ذلك, لكنها دعوة صريحة لوقف الدعاية المجانية للغة التعليب و التصنيف والاستسلام الساذج لما يراد لك أن تكون والحال انك غير ذلك. لست بصدد عرض تحليل فلسفي أبستمولوجي لتحديد المفاهيم أو تبيان السياق التاريخي وطبيعة الظرف السياسي لهاته الضبابية في الألوان , لكني أعتقد أن السياق االعام لاسناد أو تبني لقب "علماني"أو"إسلامي" لا يخلو من مغالطة وإجحاف وهوموقف يحاول بوعي أو بغير وعي خلق نوع من القطيعة بين ما ومن هو مصنف علماني وآخر اسلامي. وبعيدا عن لغة الاضداد لو توخينا تحليلا عقلانيا و واقعيا قد يفاجؤ البعض أن الكثير من مفاهيم العلمانية تتماهى مع البناء الاسلامي الانساني والكثير من الوجوه"العلمانية" أكثر تدينا ممن صنف "إسلامي" . إن الاكتفاء بالتعريف لا يحل المسألة وتصنيف خلق الله وتعليبهم بعد إحكام الطابع لن يضمن صلاحية المريد ولا يساعد في فهم حقيقة الأمر ومتطلبات المرحلة. لهذا السبب أتحدث هنا عن أهمية المواطنة وأهمية كل تونسي بلا تصنيف, فضروري حضور ابن خلدون معنا لتجسيد علمنة المعرفة وعقلنتها وأحمد خيرالدين والشيخ بن عاشور وغيرهم من رجالات تونس ونسائها لاجل وطن يتسع لتعدد وثراء مدارسه الفكرية ويسلم فيه أدب الاختلاف. تلك هي حقيقة تونس والتونسين ,الكل طرف من الحل, جزء من الذاكرة وهكذا أفهم "البعد الاخر" عند برهان بسيس "تونس التعددية عنوان متجذّر ضارب في اصول تاريخنا الوطني الذي صاغته نخب تونسية متعددة المدارس الفكرية.."*و كذالك يأتي التوجه الوسطي لمرسل الكسيبي قائما على"التعدد والتنافس والنسبية كمعالم للمستقبل"* ,إني أرى في مثل تلك الاقلام مستقبل تونس,لما فيها من بحث وجهد مستمر لتحريك المياه الراكدة وبسط قراءة جديدة للتلاقي تعين القارئ على إستعمال ذكائه الخلاق ليتحصن ضذ الخطاب العاطفي الانفعالي أينما كان مأتاه. إن الاستمرارالمقيت في تعليب االناس ووضع" Etiquette" حالة مرضية قائمة على الانتهازية ومحكومة بظروف آنية ذاهبة إلى زوال وهي بعيدة عن أية حقائق علمية أو معرفية. إننا في أشد الحاجة إلى محاولات جادة برغماتية وعملية و صادقة لتجاوز الواقع الحالي والمساهمة السلمية في البناء والتلاقي واستثمار الطاقات بمختلف ألوانها وأشكالها بما يعزز الاصلاحات لمجتمع طموح متعدد الحاجات .