بتاريخ 16 نوفمبر 2007 وفي برنامج أكثر من رأي الذي تقدمه قناة الجزيرة القطرية ,أثارت السلطات التونسية على لسان الاعلامي التونسي برهان بسيس الحديث مجددا عن جريمة عنف شنيعة استهدفت واحدا من مقرات الحزب الحاكم بمنطقة باب سويقة مطلع التسعينات من القرن الماضي ... شكلت هذه الحادثة البشعة موضوع التهاب حارق في العلاقة بين السلطات التونسية وحزب النهضة المحظور , حيث عمدت بعض أجنحة السلطة الى الاثارة المتكررة لموضوع هذه الجريمة البشعة التي راح ضحيتها السيد عمارة السلطاني واثنان من الشباب المتعاطف مع حركة النهضة حين أعدموا رميا بالرصاص بعد أن اتهمتهم الجهات القضائية بتدبير عملية الاعتداء . الثابت تاريخيا أن هذه الحادثة الشنيعة شكلت شرخا سياسيا في جسم النهضة التي جمد بموجبها وقبل عقد ونصف أربع كوادر من أبرز أطرها القيادية عضويتهم , فكان أن اختار كل من الأساتذة عبد الفتاح مورو والفاضل البلدي وبن عيسى الدمني ونور الدين البحيري تجميد أنشطتهم داخل كل هياكل الحركة احتجاجا على افلات الفعل السياسي من دائرة السلوك المدني والسلمي الذي أعلنته حركة الاتجاه الاسلامي سنة 1981 . حركة النهضة التونسية التي تعرضت قياداتها في تلك الحقبة التاريخية الى حملة اعتقالات واسعة , بدى أنها فقدت السيطرة على جهازها الحزبي في ظل وضع السلطات التونسية اليد على أبرز كوادرها العليا والوسطى منذ أواسط وبدايات سنة 1991 . وبالتحري لدى كثير من رموزها عن أسباب فقدان السيطرة على بعض أعضائها ومنتميها سنوات 1991 و1992 , أكد هؤلاء بأن وضع قيادة النهضة وراء القضبان في فترة مبكرة من تاريخ المواجهة السياسية كان كفيلا بتغييب عناصر الاعتدال والتوجيه القيادي الحازم داخل هياكلها الحزبية , وهو ماجعل بعض المتعاطفين معها يتصرفون بروح المبادرة الفردية بعيدا عن أطر الضبط القيادي والتوجيه السياسي المحكم . حين توجهنا قبل يومين فقط بالسؤال الى الشيخ الحبيب اللوز الرئيس الأسبق للحركة حول مايمتلكه من معطيات عن هذه الحادثة , أجهش هذا الأخير بالبكاء وهو يروي لنا الحرج الكبير الذي أصابه مع معظم قيادات النهضة حين سماعهم بنبأ الاعتداء على مقر لجنة التنسيق باب سويقة , وهو مادعاهم الى التعجيل بعقد اجتماع مجلس الشورى ومن ثمة التوجه بسؤال ثقيل في الغرض الى رئيس الحركة انذاك الدكتور صادق شورو , ليضطر هذا الأخير أمام هول الصدمة الى القسم المغلض على المصحف بعدم علم الحركة بتفاصيل ماوقع كما نفي صلتها بهذه الحادثة الاجرامية العنيفة . الأستاذ الحبيب اللوز القيادي البارز في حزب النهضة المحظور والذي تابع باهتمام برنامج أكثر من رأي يوم الجمعة 16 نوفمبر 2007 , بدى متألما فيما رواه لنا حين عبر عن أسفه لاثارة موضوعات أصبحت من قبيل الماضي , مذكرا في هذا الصدد بأنه في المقابل لايريد فتح جراحات ماتعرض له من انتهاكات حقوقية صارخة بلغت حد عزله خمس سنوات في زنزانات ومعتقلات انفرادية لم ير فيها النور ... المهندس عبد الكريم الهاروني القيادي النهضوي البارز بدى هو الاخر متضجرا كثيرا وقلقا من اثارة مثل هذه الموضوعات , حين تجاذبنا معه أطراف الحديث حول برنامج قناة الجزيرة المذكور . مثل هذا الموقف كنا قد استمعنا له أيضا من المهندس حمادي الجبالي قبل حوالي سنة حين تابع مقالا مكتوبا أثار فيه أحد الاعلاميين القريبين من السلطة موضوع حادث باب سويقة المشار اليه فيما سبق. الواضح حينئذ أن قيادات النهضة باتت تشعر بالحرج الكبير من الاثارة المتكررة لهذه الحادثة الاجرامية وهو ماجعل الكثير منهم يتحدث عن الضبط القيادي الذي مارسته الحركة باتجاه مدني وسلمي حين كانت الأمور راجحة نحو العنف المغري على الساحة الجزائرية ... قيادات وأعضاء حركة النهضة ماانفكوا يؤكدون بمناسبة محاورتنا لبعضهم بعد بث برنامج أكثر من رأي على رغبة حزبهم في الطي نهائيا لصفحة الماضي , داعين السلطات التونسية والرئيس بن علي شخصيا الى التفكير في علاقة مستقبلية أكثر ايجابية بين الطرفين ومؤكدين على ضرورة اتخاذ قرارات شجاعة تعيد لهم الأمل في مكان قانوني تحت ضوء الشمس , بعيدا عما شاب مرحلة التسعينات من معركة احتكاك سياسي وأمني حملت الالاف من المناضلين الاسلاميين على خوض تجارب مريرة مابين السجن والتعذيب وقساوات واقع المنفى . *كاتب واعلامي تونسي : [email protected]