: بتاريخ 14 كانون الثاني أي جانفي 2006 , كتبت مقالا شهيرا شخصت فيه أزمة الدولة التونسية من خلال الحديث عن اختراق مؤسساتها من قبل حزب سري وضحت معالمه واستراتيجيته في كثير من التفصيل , ولعلني أعود اليوم الى موضوع هذا الحزب من خلال بيان أوجه علاقته بمستجدات وتطورات الساحة الوطنية ... نعود مجددا الى الحديث عن فكرة هذا المقال بعد أن اقتنعنا من خلال بالون اختبار أطلقناه قبل أيام بخصوص موضوع التفكير الرسمي في الاعتراف بحزب مدني ذي خلفية اسلامية معتدلة , بأن العائق الحقيقي في مسار المصالحة الوطنية وفي طريق التمشي الحقوقي والسياسي الديمقراطي وفي مسار تصالح التونسيين مع هويتهم الدينية والحضارية ليس الا نخبة مخترقة للمؤسسات المدنية والأمنية في شكل حزب سري منظم جعل من العمود الفقري لأجندته السياسية معاداة الدولة مع شعبها ومواطنيها ومع ارثها الحضاري المتسامح , ومع رصيد سابق في الريادة السياسية التحديثية . الحزب السري المذكور بدى هذه الأيام قلقا متشنجا من الشعبية التي حققتها اذاعة الزيتونة المباركة والتي بادر الى تأسيسها رجل الأعمال التونسي السيد صخر الماطري بعد أن تلقى في ذلك اذنا رئاسيا استحق من التونسيين كثيرا من الاشادة . تصريحات حاقدة ومناوئة قوبلت بها هذه الاذاعة اليتيمة شهران فقط بعد الاعلان عن تأسيسها , حيث بادرت بعض الأطراف الموغلة في مناوئة كل ماهو ديني واسلامي الى اعلان قلق غير مفهوم تجاه المصير السياسي لتونس ! , في مقابل صمت مطبق تجاه خروقات حقوقية وسياسية ساهمت هذه الأطراف بنفسها في صناعتها وتصعيدها من باب الحرص غير المعلن على الانحراف بمسيرة الاصلاح التي أعلن عنها صبيحة 7 نوفمبر 1987 ... حين أعدنا اطلاق بالون الاختبار السياسي الذي لم ينبع من فراغ توهمناه تجاه امكانية الاعتراف بحزب مدني ذي خلفية اسلامية معتدلة , هاج رأس الحزب السري وتململ ليطل جبل الجليد برأسه من على سطح الماء الراكد , فكانت تصريحات اعلامية وسياسية وأخرى تلبست بالثقافي معلنة نفسها ناطقا رسميا باسم السلطة أو قل معلنة نفسها وصية على الجمهورية وعلى رئيس الدولة وعلى الحزب الحاكم !!! لن يضرني شخصيا وجود ألف جمعية تدافع عن اللائكية وليكن معها ألف حزب يدافع عن القيم الماركسية أو الماوية أو اليسارية أو الاشتراكية أو الليبرالية أو الرأسمالية...في مقابل عدم سماحي للاخر المغاير بمصادرة حق التيار الاسلامي المعتدل في التمثيل السياسي وفي المشاركة في الفضاء العمومي بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن . ماضر هؤلاء القوم أن ترفع تونس القيد عن حرية الاختيار في اللباس ! , وللسافرة أن تسفر بعد ذلك عن تحررها وللمحجبة أن تغطي مارأت فيه طريقا لحفظ الحشمة والحياء ... ماضر هؤلاء القوم أن تكون في تونس تعددية حقيقية تتيح الفرص للجميع تنظما وحرية تعبير ومشاركة رصينة وهادئة في حياتنا العامة ! فليطمئن هؤلاء السادة الموقرون الى أن مكانة المؤسسة الرئاسية رفيعة والى أن مكانة التجمع الدستوري الديمقراطي كحزب وطني عريق هي أكبر من أن تستحق المنازعة . كل مانريده لتونس وشعبها هو فضاء سياسي اصلاحي حر مع ايقاف لموجات الاعتقال والاضطهاد الحقوقي التي تهدف الى اسقاط الرصيد التاريخي للرئيس بن علي حين وضع البلاد على سكة اصلاحات هامة سرعان ماالتف عليها هؤلاء في أقل من ثلاث سنوات مرت على أبرز حدث عرفته تونس منذ حقبة الثمانينات وربما أواخر القرن الماضي ! اتركوا للخيرين من أبناء هذا الشعب داخل أجهزة الدولة الأمنية والسياسية فرصة للانقاذ والاصلاح ولاتكونوا لاعبا سريا يتامر على خصوم الفكر والسياسة من خلال توظيف رخيص لقدرات تونس المادية والبشرية! انها فرصة تاريخية كي يتراجع أنصار نظرية المؤامرة من داخل السلطة الى الوراء تاركين المجال واسعا لجيل يؤمن بتونس اليوم وتونس الغد من خلال تطوير واصلاح هياكل الدولة الحديثة التي بناها الرئيس بورقيبة رحمه الله وحرص الرئيس بن علي على انقاذها قبل عشرين سنة , ولكن تامر الاستئصاليين والمعادين للحرية والديمقراطية حال دون تواصل الحلم منذ أن زجوا بالبلاد في أتون المحاكمات السياسية الجائرة والانقسامات الايديولوجية الحادة ! أمامنا جميعا اليوم ومن جديد فرصة للاعتراف المتبادل بالمصالح المشتركة وبعلوية المؤسسات الدستورية للبلاد , ويقيني بأن الأجواء سامحة لادخال جرعات محترمة من الاصلاح الحقوقي والسياسي ووضع تونس على سكة التنمية بمفهومها المتوازن والمستديم , لكن ليس قبل ترويض وتشذيب الحزب السري داخل هياكل ومؤسسات الدولة , هذا الحزب الذي نتطلع الى أن يمارس أدوارا مكشوفة بدل التخفي وراء مؤسسات قانونية ودستورية هي أكبر من أن توضع تحت تصرف الأحزاب السرية المناوئة لمصلحة تونس وشعبها ! حرره مرسل الكسيبي* بتاريخ 28 نوفمبر / 28 تشرين الثاني 2007 *