هذا طريح الفراش... وذاك يعالج بالأشعة الكيمياوية... والآخر يحتضر.. وتوفي زميل وانتقل صديق حميم إلى الرفيق الأعلى وفقدت الساحة الأدبية وجهًا معروفًا... وبعد.. »قلبي طاب« قلتها لأحد أصدقائي. صحيح أنّها سنّة الحياة، فلابد من المرض والموت، ولكنّني تعبت.. تعبت... فلم أعد أتحمّل كثيرا مثل هذه الأخبار المفزعة والمحزنة، خاصة عندما يتعلّق الأمر بأصدقاء وزملاء، وأقارب وجيران عرفتهم، وعاشرتهم سنين طويلة. وبتاريخ 11 جوان 2002 صدر لي مقال تحت عنوان: ڤلبي تحدّثت فيه عن الحياة التي تعقدت وكثرت مشاكلها ومشاغلها لدرجة أنّنا أصبحنا نغفل عن السؤال عن هذا المريض، والذي غاب عن الساحة.. هو مقال طويل ذكرت فيه بعض الأمثلة كالزملاء عبد اللطيف الفوراتي وعبد الجليل دمق والمختار غزيّل وهشام بن هادية وعبد المجيد الساحلي.. أطال اللّه في أعمارهم.. وابراهيم المحواشي والطاهر مبارك وصلاح الدين العامري ومحمد عرفة منسية... رحمهم اللّه وأذكر أنّني ختمت مقالي هذا بالجملة التالية: صداقة وزمالة؟؟!!! ألم أقل لكم أنّه زمن رديء؟ وأشدّ رداءة من الزمن هم نحن ... نعم.. عدت من مدينة »ميلانو« الايطالية بعد غيبة غير طويلة لأفاجأ بأخبار وفاة شيخ الصحفيين توفيق بوغدير وبصاحب أطرف كتابات صحفية محمد ڤلبي، وبالشاعر الأديب جعفر ماجد، وقبل الشروع في كتابة هذه الأسطر بدقائق، وبعد أن أعلمني الزميل جمال الكرماوي بتأبينه للمرحوم محمد ڤلبي علمت بوفاة الصديق العزيز والزميل الكريم عزالدين السويسي السبت 6 مارس 2010). ارزقني صبرا جميلا يارب كي أتحمّل.. لقد تعبت.. انّني لم أغفل مرّة واللّه أعلم عن الكتابة عن العلاقة التي كانت تربطني ببعضهم أمثال الطاهر مبارك وابراهيم المحواشي وصالح جغام ونجيب الخطّاب وسحنون مختار والنوري عبيد وعبد العزيز الرياحي وعبد المجيد بن جدو. وها أنّي أعود للكتابة عمّن علمت مؤخرا بخبر وفاتهم والمعذرة عن التأخير. عزالدين السويسي: لم يكن يناديني باسمي بل كان يناديني قائلا: »يا أبا القطاطيس« ولم يكن أحد يعرف السبب سوى أنا وهو، وهاهو السر يُدفن معه.. كان ذلك في عام 1966 عندما كنت مصحّحا بجريدة »الصباح« وكان هو مصفّفا.. أيّام الرصاص.. الرصاص الذي كانت تُطبع عليه الجرائد آنذاك وكانت »الصباح« تُطبع بمطبعة »لابريس« فلم تكن لها مطبعة. والذي أذكره عن المرحوم عزالدين السويسي الروح الخفيفة والنادرة والنكتة الطريفة والمرح ولا غير المرح حتى يُخفّف عن المحيطين به من عمّال المطبعة عبء الجو الخانق والعمل الشاق، ولم أكن أعرف أنّ هذا الذي أعمل إلى جانبه مناضل سياسي ونقابي ومسرحي وصحفي، بل إنّ كل ما كنت أعرف عنه أنّه »شاف الفنيين« بمطبعة الجريدة. وحتى عندما كنا نغادر المطبعة فجر كلّ يوم إلى احدى مقاهي شارع قرطاج كان يتحدّث عن كلّ شيء الاّ عن نفسه. محمد ڤلبي: ... وما أدراك: وكما كانت بداياتي مع الصحافة، كنت أيضا مصحّحا بجريدة »الشعب« في ظروف صعبة ودقيقة اذا به يمدّني بمقال هو عبارة عن »لمحة« فكانت »الحربوشة« وأوّل »حربوشة« بحق وتساءلت: هل انّ هذا للنشر؟ مستحيل! انّها نكتة، وإلاّ فلنذهب كلّنا إل.. وإذا به يتردّد عليّ ويصحّح ويتثبّت في كل حرف وكلّ كلمة قائلا: »رُدْ بالك« وكان هو جادّا وكنت أنا أضحك.. وإذا »بالحربوشة« تنشر بجريدة »الشعب« وإذا به »بحرابش« أخرى تتبعها الى أن انتهت سلسلة مقالاته ب »باكو حرابش« وإذا بقرّاء »الشعب« يقتنون الجريدة من أجل حربوشة »محمد ڤلبي« رحمه اللّه. جعفر ماجد: لم تكن تربطني به علاقة صداقة سوى مطالعتي لما كان يكتبه، وآخر ما طالعته له قصيدة جميلة بعنوان: نصائح جد لرجل الغد أهداها الى حفيده قيس ماجد استبشارًا بقدومه وعندما كنت بمصلحة الاستماع للبرامج الاذاعية كان له برنامج لا يتعدّى الخمس دقائق يلخّص فيه للمستمعين آخر ما صدر من الكتب للكتاب والمؤلفين التونسيين، ولا أذكر شيئا عن المرحوم جعفر ماجد يختص به لأنّني لا أعرفه من قريب سوى دم الشباب الذي يجري في عروقه، اذ كان سريع الخطى في مشيته وهذا يعرفه عنه الجميع كسرعته في الكلام، ولا فائدة في تعداد خصاله وكتاباته التي أفاد بها الجميع لأنّ الجميع يعرفه. توفيق بوغدير: لقد قضيت أكثر من نصف مشواري الاعلامي إلى جانبه.. في »الصباح«، في »الشعب« في مجلة »الاذاعة«.. في الاذاعة الوطنية وقد كانت علاقتي به الشخصية طيّبة جيدا. أمّا علاقتي المهنية به فكانت متوتّرة في غالب الأحيان.. والسبب هو أنّه كان شديد الحرص على احترام أوقات الدخول والخروج وكنت عكسه تماما، وعبثا حاولت اقناعه انّ المكتب ليس هو المكان المناسب للصحفي... هذا لا يمنع أنّني كنت أبالغ في عدم الحضور وأعترف أنّني لم أر في حياتي صحفيا بمثل نشاط الاعلامي الكبير توفيق بوغدير، فأينما أذهب أجده أمامي، اذ رغم تقدّمه في السن كان يحرص على حضور مختلف التظاهرات وخاصة الثقافية منها... وآخر هؤلاء وسوف لن يكون الأخير صديق حميم وزميل عزيز، هو الآن طريح الفراش يعاني من مرض خطير وحالته الصحية حرجة جدّا.. إنّي أتمنّى له الشفاء العاجل.. ولكن.. لكنّني زرته اليوم وندمت عن الزيارة.. وغادرت بيته باكيًا...