في ربيع سنة 2007 وفي قمة الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية أعدت مجموعة من الدبلوماسيين والباحثين الفرنسيين الملمين بشؤون منطقة المغرب العربي دراسة أطلق عليها إسم ''ابن سينا'' تناولت السياسة الفرنسية تجاه دول شمال إفريقيا خلال 20 سنة الماضية، وقد اقترحت الدراسة على خلف جاك شيراك مقاربة جديدة للقضايا المغاربية والعربية تخرج السياسة الفرنسية حسب رأي الباحثين من الجمود والغموض، واعتبر التقرير أن دول شمال إفريقيا هي الغائب الأكبر عن تفكير الدبلوماسية الفرنسية. وجاء في التقرير ''تفتقر مقاربتنا لقضايا هذه المنطقة إلى رؤية مستقبلية شاملة، وهي قائمة على علاقات ثنائية، ذاتية متأثرة لحد كبير بأحكام قديمة مسبقة''، وأضاف التقرير الذي شارك في إعداده دوني بوشارد المدير الأسبق المكلف بشؤون إفريقيا الشمالية والشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية، في إشارة إلى الثقل الكبير الذي خلفته حرب الجزائر ''أن الجزائر منغلقة على عقدها متمسكة بتحفظاتها ولن تغفر لنا مهما ما نقوم به من أفعال بسهولة، أما تونس الدولة البوليسية فالعلاقات معها تثير الريبة. والمغرب ''الابن المدلل'' فهو في ذات الوقت دولة نبيلة مغرية وحساسة''. خلال الخمسة أشهر الأولى لتوليه قيادة قصر الإليزي قام ساركوزي بأربع زيارات متتالية لدول المغرب العربي ففي 11 يوليو حط بالجزائر وبعدها توجه إلى تونس، وفي 25 يوليو التقي ساركوزي بنظيره الليبي معمر القذافي بعد أن وجدت أزمة الممرضات والطبيب البلغار حلا لعبت باريس دورا حيويا في التوصل إليه.بعد ذلك ويوم الاثنين 22 أكتوبر قام ساركوزي بزيارة دولة إلى المغرب كانت الأولى في جولته في المنطقة، ويوم الأحد 2 ديسمبر قام بزيارة الى الجزائر. ويدلل طاقم ساركوزي على مدى اهتمامه بمنطقة المغرب العربي بزياراته المتكررة وأنه على عكس جاك شيراك الذي أجل زياراته الرسمية إلى بلدان شمال إفريقيا والتي اقتصرت على المغرب وتونسوالجزائر إلى فترة رئاسته الثانية. وقد وصف احد الصحافيين الفرنسيين المتخصصين في ميدان الاقتصاد على أعمدة صحيفة لوموند هذه الزيارات بأنها الأهم التي يقوم بها رئيس فرنسي سواء كان من ناحية حجم الوفود أو عدد الشركات التي شاركت في الزيارات وخاصة تلك التي تمت للرباط حيث رافقه ممثلوا 70 شركة. ومن خلال هذه المشاركة الاقتصادية القوية، يريد ساركوزي أن يبين بأن الدبلوماسية الاقتصادية ستكون في قلب سياسته المغاربية.ليس جديدا أن فرنسا رغم ان رئيسها ينتمي الى من يوصفون بالمحافظين الجدد وهم حلفاء نظرائهم في البيت الأبيض، تخوض معركة على النفوذ في شمال أفريقيا مع واشنطن.وكانت أوساط أوروبية في بروكسل قد حذرت بشدة وعلنا منذ سنة 2005 من زيادة الاهتمام الامريكي بمنطقة المغرب العربي خاصة بعد توقيع اتفاق التبادل التجاري الحر مع المغرب، وتعزيز تعاونها مع كل من الجزائروتونس واستخدام ذلك منطلقاً لتعزيز الوجود الامريكي العسكري والإقتصادي في غرب البحر الابيض المتوسط. وأكدت تلك الأوساط ان الاهتمام الامريكي الجديد بالمنطقة يهدف التضييق على فرنسا وبقية دول الاتحاد الاوروبي التي تعتبر هذه المنطقة امتدادها الثقافي والاقتصادي والأمني، وأضافت ان محاولة واشنطن إقامة مركز قيادتها ''أفريكوم'' في المغرب يأتي في سياق توسيع نفوذها. الحكومة الفرنسية الحالية تأخذ ربما أكثر من سابقاتها بمقولة ''حاجة الاتحاد الأوروبي إلى شمال أفريقيا مستقرة ومزهرة ودينامية، تعتمد عليه في تحدياتها الاستراتيجية الديموغرافية والاقتصادية والثقافية والسياسية، لمنافسة التجمعات الاقتصادية الجديدة''.ويحقق الاتحاد الأوروبي فائضاً تجاريا مع دول جنوب البحر الأبيض المتوسط يزيد على 50 مليار يورو، وتقدر التجارة البينية ب390 مليار يورو. الإهتمام الفرنسي المتزايد بتوثيق العلاقات الإقتصادية والصناعية وحتى العسكرية مع دول المغرب العربي رغم فشل فرنسا في تمرير صفقة طائرات رافال للمغرب ونجاح واشنطن في بيع الرباط طائرات ف ,16 يدفع في إتجاه إزالة كل التوترات التي تؤثر سلبا على الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. فتوثيق الروابط الإقتصادية بين دول اتحاد المغرب العربي من شأنه فتح امكانيات كبيرة للشركات الفرنسية خاصة والأوروبية بشكل عام في سوق يضم أكثر من 85 مليون نسمة ويمتلك احتياطات هامة من المواد الخام وخاصة الطاقية. العديد من الدبلوماسيين يعتقدون أنه خلال زيارات ساركوزي للرباط والجزائر تم طرح قضية الصحراء المغربية من زاوية ضرورة إيجاد حل سريع للصراع حتى يمكن اتمام مسيرة إتحاد المغرب العربي.