"الحظ قد يأتي مرة واحدة"، قاعدة ربما كسرتها مسيرة حياة الصحافي الأمريكي الأشهر بوب وددورد الذي جاءه الحظ أكثر من مرة، ولعبته معه الصدفة دوراً مهماً في شهرته التي ملأت الولاياتالمتحدة علي مدار ثلاثة عقود ونيف. فمن مقاطعة جينفيا الصغيرة بولاية إلينوي حيث ولد، إلي مصاحبة ومحاورة (وإقالة) الرؤساء والزعماء السياسيين في الولاياتالمتحدة، مسيرة حافلة بالانجازات الصحافية غير المسبوقة لبوب وددورد. بين المحاماة والصحافة كان ألفريد ودوورد محامياً لامعاً في جينفيا بإلينوي، ولطالما رغبه هو وزوجته جين في رؤية ابنهما بوب يسير علي نفس الدرب ويصبح رجل قانون ذائع الصيت، بيد أن الشاب اليافع الذي درس بكالوريس التاريخ والأدب الإنجليزي في جامعة يال وتخرج منها عام 1965، درس القانون في مدرسة هارفارد للقانون عام 1970، فضل ولوج مهنة البحث عن المتاعب والعمل كمراسل صحفى، بدلاً من أن يكون محامياً أنيقاً كما أراد له والده. ليست مواهبه الصحفية فحسب، هي التي مكنت وودورد من تحقيق شهرته الواسعة، وإنما أيضا قدراته الفردية وسماته الشخصية لعبت دوراً مهماً في نسج الكثير من قصص النجاح التي حققها، وكانت في نفس الوقت سبباً كافياً لإثارة الخلاف حول طبيعة هذا النجاح، وما إذا كانت العلاقات الخاصة التي بناها وودورد مع السياسيين الأمريكيين هي التي ساهمت في تحقيق جزء كبير منه. الصدفة لها دور كشأن الكثيرين ممن لعبت الصدفة أدواراً مهمة في حياتهم، حدث تحول مهم في مسيرة وودورد كان له أكبر الأثر في صعوده المهني بشكل لافت. فقد بدأ حياته العملية بعد تخرجه من هارفارد كضابط فى البحرية الأمريكية مثل أبيه، وتم إعفائه من العمل فى البحرية فى أغسطس عام 1970 بعد أن خدم كمساعد لقائد العمليات البحرية الأدميرال توماس موورر ، وفى نهاية خدمته تعرف إلى مارك فيلت، ضابط البحرية الذى ساعده لاحقاً فى كشف فضيحة وترجيت فى عهد الرئيس الأمريكى نيكسون. بعد إعفائه من الخدمة تقدم للعمل كمراسل صحفى لجريدة الواشنطن بوست، واقنع المسئولين فى الجريدة بتجربته للعمل كمراسل صحفى لمدة أسبوعين دون الحصول على مقابل مادى، كتب خلالها حوالى 14 تحقيقاً صحفياً، لم ينشر أياً منها، وفشل في الحصول على الوظيفة كمراسل صحفى فى الواشنطن بوست ، لعدم كفاية خبرته كصحفى للعمل فى إحدى الصحف الكبرى مثل الواشنطن بوست ، ورتب المسئولين فى الجريدة ل وود وورد الحصول على وظيفة فى إحدى الصحف الصغيرة ، وهى صحيفة حارس مونتجمرى "Montgomery Sentinel" ، التي عمل فيها لمدة عام على سبيل التدريب، استطاع خلاله أن يصبح المراسل الصحفى الرئيسى للجريدة، وبعدها استطاع الالتحاق بالعمل فى الواشنطن بوست عام 1971. فقد رأى المسئولون فى الجريدة أنه من الممكن إعطاءه فرصة ثانية، وبالفعل تم تكليفه بمتابعة أخبار الشرطة فى الفترة من الساعة السابعة مساء إلى الثالثة صباحا، ولكنه لم يكتف بهذا الوقت ولا بالمهام الموكولة إليه، وبدأ ينتشر ويتحرك فى المكاتب الحكومية فى المدينة، ونجح فى الضغط على الموظفين العموميين من أجل الحصول على كل معلومة يريدها، ويبدو أنها سوف تكون مفيدة له فى إتمام عمله وانجازه على أفضل وجه. نقطة تحول سيظل السابع عشر من يونيو 1972 محفوراً في ذاكرة وودورد للأبد، فهو اليوم الذي بنيت عليه شهرته الواسعة بقية مراحل حياته حتي اليوم. فقد تم تكليفه - بالتعاون مع كارل بيرنستين - بالتحقيق فى فضحية ووترجيت التي كان بطلها الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون، وقد اكتشف وودورد العديد من الخدع السياسية القذرة التى استخدمتها اللجنة التى كانت مكلفة بالعمل على إعادة انتخاب الرئيس الأمريكى فى ذلك الوقت. ومنذئذ بات وودورد يعامل كأحد المشاهير، وكان ذلك سبباً في توطيد علاقاته بالكثير من رجال المال والسياسة في الولاياتالمتحدة، وبفضل ذلك نجح في تحقيق الكثير من المفاجآت الصحفية والكشف عن العديد من قضايا الفساد في الولاياتالمتحدة. وفي عام 2000 كان وود وورد قد شرع هو وزميله دان بالز فى نشر مجموعة من المقالات عما عرف وقتها بوثيقة Worldwide Attack Matrix، هى وثيقة تكشف عن عمليات غير معلنة تقوم بها الولاياتالمتحدة ضد الإرهاب فى أكثر من 80 دولة حول العالم. استمرت مسيرة وود وورد الصحفية الناجحة، إلى أن وقعت الأحداث المؤسفة فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، انتقل بعدها وودورد أصبح وود وورد المراسل الصحافى الرئيسى للواشنطن بوست فى متابعة تداعيات هجمات الحادى عشر من سبتمبر. أما الآن فان وود وورد هو المسئول عن مشاريع التحقيقات الخاصة فى جريدة الواشنطن بوست ، بالإضافة إلى كونه مساعدا لمدير التحرير في الجريدة. صائد الجوائز حصل وود وورد تقريبا على كل الجوائز الصحفية الأمريكية، ولكن أهم هذه الجوائز على الإطلاق كانت فى عام 1973، حيث حصل على جائزة بالتزر ""Pulitzer للخدمات العامة لدوره الكبير فى كشف فضيحة وترجيت بالتعاون مع الصحفى كارل بيرنستين، أيضا جائزة ""National Reporting Pulitzer بالتزر القومية للمراسلة الصحفية فى عام 2002 كنتيجة لعمله الدءوب وجهوده الكبيرة فى تغطية تداعيات أحداث الحادى عشر من سبتمبر. فضلا عن جائزة جيرارد ر. فورد للتغطية الصحفية المميزة عن الرئاسة الأمريكية فى عام 2003. وخلال مسيرته الصحفية وجهت إلى وود وورد العديد من الانتقادات خصوصا فى عهد الإدارة الأمريكية الحالية ، حيث اتهمه البعض بعلاقته الوثيقة بالإدارة الأمريكية ، وان هذه العلاقة تتناقض مع الدور الكبير الذى لعبه فى كشف فضيحة وترجيت ، فى حين ان البعض الآخر لا يوافق على مثل هذه الاتهامات ، بل ويعتبروا وود وورد من الأهم الصحفيين الأمريكيين قاطبة. من الصحافة إلي تأليف الكتب حاول وود ورد أن يترجم الأحداث المهمة والسوابق الصحفية التى قام بها فى شكل مؤلفات وكتب، أحدث بعضها ضجة كبيرة عند صدورها، نظرا لحساسية القضايا التى تناولتها والمعلومات الهامة التى كانت تتضمنها، والتى بالطبع لا يلم بها ولا يعرفها الكثير من الأفراد. وقد ضمت قائمة الكتب إلى قام وود وورد بتأليفها العديد من الموضوعات والقضايا، ومن أهم هذه الكتب كتاب "كل رجال الرئيس" فى عام 1974 عن فضيحة وترجيت وقد حقق هذا الكتاب أعلى مبيعات فى ذلك الوقت وتحول بعد ذلك إلى فيلم فى عام 1976. أيضا كتاب "الأيام النهائية" عام 1976 والذي تناول فيه ملابسات استقالة الرئيس الأمريكى نيكسون. بالإضافة إلى كتاب "الأخوة" عام 1979 وفيه عرض لأهم التفاعلات التى مرت بها المحكمة العليا فى أيام القاضى وارين بيرجر. هناك أيضا كتاب "الغريب" والذى صدر فى عام 1984 وفيه عرض لوفاة وليام بيلوشى وثقافة المخدرات فى هوليوود. فضلا عن الكتب الأخرى مثل كتاب "الستار" عام 1987 وتناول فيه الحروب السرية التى قامت بها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى عهد مديرها وليام كاسى. وكتاب "القادة: البنتاجون وإدارة بوش الأولى وحرب الخليج" في عام 1991. وكتاب "الأجندة" عام 1994، وفيه تناول فترة حكم الرئيس الأمريكى بيل كلينتون الأولى. وقد حقق كتابه الأخير "حالة الإنكار: بوش فى حالة حرب" والذي نشر عام 2006 ضجة كبيرة، وكان بمثابة كشف حساب للفترة التى قضاها الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فى مقعد الرئاسة الأمريكية، وفى هذا الكتاب رصد العديد من التوترات المزعومة ، وسوء التعامل والتقصير الذى حدث قبل وبعد الغزو الأمريكى للعراق. وقد اعتبر البعض هذا الكتاب أفضل ما كتبه ووورد طيلة حياته، حيث اعتبره بيجى نوونان الكاتب فى جريدة الوول ستريت "انه مساهمة حقيقة فى التاريخ ، ويعطى التاريخ أكثر الأشياء التى يبحث عنها". بالإضافة إلى هذه الكتب سابقة الذكر للصحفى وود وورد ، هناك مجموعة أخرى من الكتب التى حققت أكثر المبيعات وقت صدورها، ومن هذه الكتب كتاب "الاختيار" عام 1996، وفيه تناول أهم التفاعلات والأحداث التي أفضت إلى إعادة انتخاب الرئيس الأمريكى كلينتون. هناك أيضا كتاب "المايسترو" عام 2000، والذى كان يدور بالأساس حول آلان جرينسبان رئيس الاحتياطى القيدرالى.