: تحت عنوان : هل "آن الأوان لتغيير الخطاب " كتب الدكتور منصف المرزوقي رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية التونسي مقالا يبدو أنه كان ردا على سلسلة من مقالات حررتها في الفترة الأخيرة تفاعلا مع مقولته المعروفة ب"لايصلح ولايصلح " , وقد تفاعل المرزوقي في مقاله المذكور مع نقدي لنهجه السياسي الذي سبق وأن جرب مطلع التسعينات وكان سببا في قيادة الفضاء العام الى الانغلاق السياسي المحكم والى حجم غير مقدر من الخسائر الحقوقية الثابتة . وبالتأمل في عمق المقال المذكور فانني أقدر للمرزوقي جرأته وتحطيمه لموضوعات التابو السياسي تونسيا واقليميا , غير أنني وددت الوقوف معه في هذه المحطة الأولى على جملة من النقاط التي أرجو أن ينتبه لها مستقبلا عند الرد على مخالفيه في الرأي : 1- أعيب على المرزوقي في مؤاخذة شديدة تحامله على ناقديه عبر وصمهم ب"الميكروكوزم " , ومحاولة اسقاطهم الفاشلة من خلال محاولة الايهام بعمالتهم للسلطة وأجهزتها الأمنية , وهو مالايليق بكاتب محترم أو مثقف معتبر أو سياسي يطمح لتصدر المشهد السياسي العام . 2- أذكر رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية بأن لنا وغيرنا من منتقديه صولات وجولات في المعارضة التونسية وبأننا دفعنا ضريبة أفكارنا ورؤانا نفيا ومطاردة وفقدانا لكثير من الأهل والأحبة هذا علاوة على خسائر مادية متواصلة نتيجة حرماننا من حقنا في العيش الطبيعي فوق أرضنا ووطننا . 3- ان التراجع الذي يشهده اليوم المؤتمر من أجل الجمهورية مقارنة بما كان عليه فعله سنوات 2003 و2004 هو خير دليل على أن النهج السياسي الذي يقود به د. المرزوقي حزبه في حاجة الى كثير من اعادة النظر والمراجعة ولاسيما في ضوء خروج واستقالة العديدين من مؤسسيه ومناضليه من الرعيل الأول . 4- ان كثرة الحضور في الفضائيات واستغلال الفرص وتوظيفها من أجل اثبات شرعية وصدى الخطاب السياسي المعتمد هو من قبيل المغالطة التي لايمكن أن تنطلي على أحد , اذ أن مقياسا مثل هذا يمكن أن يبرر أيضا للأنظمة الرسمية معيارا اخر في النجاح والتألق وهو حجم انتشار وحضور التها الاعلامية الموجهة , وهو مالايمكن الجزم به من خلال الرجوع الحر الى صناديق الاقتراع النزيهة والشفافة . 5- أرجو من الدكتور المرزوقي أن يتعلم وفي تواضع جم بعيد عن النرجسية درسا عظيما من الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة , الذي استطاع بمقولته الشهيرة "خذ وطالب " أن يحقق الاستقلال وأن يتفوق على الة الدهاء الفرنسي الاستعمارية ,وهو ماجعله أيضا يتفوق وفي وقت تاريخي مبكر على ذكاء الزعيم الخالد جمال عبد الناصر حين كانت مقولته "سنرمي بهم في البحر " تملأ الشارع العربي وتحركه ثورة من المحيط الى الخليج ولكنها سقطت في ظرف ساعة ونصف حين تحطمت على وقع تدمير 80 بالمائة من قدرات سلاح الجو لثلاث قوى اقليمية عربية ذات شأن . 6- لقد سبقناك يادكتور بداية التسعينات الى رفع شعارات وطنية جميلة حالمة , وحينها كانت الحركات السياسية المعارضة وقوى المجتمع المدني أكثر تماسكا وصلابة من اليوم , غير أننا حين تحركنا في الميدان بأحلامنا الطلابية واجهنا بصدور عارية انسحاب الصف المعارض الذي اثر الانكفاء على الذات في أحسن الحالات أو اقتسام الغنيمة والفيء من ظهور الضحايا الذين مازالوا يتوزعون مابين المنفي والسجن جراء خطاب سياسي غير مسؤول ونتاج عدم تقدير منجزات الدولة الحديثة أو على الأقل فهم اليات البناء والتعاون من داخل المؤسسة الحاكمة بدل خوض مغامرات ومغالبات مازالت أجيال التونسيين تدفع ثمنها الباهض . 7 - أحلام الدكتور المرزوقي ليست جديدة علينا ومواقفه المفعمة بالنخوة والكبرياء ليست عيبا نقدح فيه , غير أننا نستغرب استمرار هذا النهج السياسي المتعالي في الخيال والبعيد عن الواقع والميدان , حيث توجد دولة تونسية حديثة تعاني من مشكلات حقوقية وسياسية لايمكن حلها على الطريقة الكينية أواللبنانية أو العراقية أو السودانية حيث تتيح بعض المعارضات من خلال تهافتها على طلب السلطة الفرصة واسعة وشاسعة للقوى الدولية النافذة من أجل عودة الاستعمار من بوابته الخلفية المباشرة . 8 - أرجو من رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية الاحساس بالام شبان تونس الذين دفعوا ضريبة الخطاب المغامر جيلا بعد جيل ولم تزدهم مثل هذه المغامرات وعواقبها الوخيمة الا عزوفا عن الشأن العام وارتماء في قوارب الموت أو نفورا من الشأن الوطني وارتماء في أحضان الشأن الشرق أوسطي ومن ثمة جعل تونس هدفا سهلا لأجندات دولية توسعية معروفة لانتمناها لبلدنا أو لمنطقتنا المكتوية بنيران جماعات الموت والتعسف في لي عنق النص الديني . 9 - ان السياسي المعاصر الناجح ليس الذي يزايد على مواطنيه في موضوعات الوطنية والتصعيد الخطابي أو الذي يتعزز حضوره بشكل متصاعد على المواقع والفضائيات , بل انه ذاك الذي يحقق لشعبه وبلده أفضل النتائج وأحسنها وأصدقها بأقل ثمن وتضحيات , وهو مايعني أن النخبة التونسية المعارضة أو الحاكمة لابد أن تغير أداءها من منطلق ماتجلبه من مصالح أو تدرؤه من مفاسد عن الوطن والمواطن والأمة أو ماتحققه من عدل وأمن ورفاه انساني. 10 - ألفت نظر الطبيب منصف المرزوقي وفي تواضع واحترام الى أن قواعد العملية السياسية النظرية والتجريبية تختلف كليا عن قواعد علوم الطب , ومن ثمة فان أي خلط بين المجالين يعتبر من قبيل الحكم على مصاب السكري درجة ثانية بدواء الغراغرينا وهو البتر بدل ممارسة الحمية وتعاطي الأقراص وهنا تحدث الكارثة في السياسة كما تحدث حينها في علوم الطب ! أرجو في الأخير من الدكتور المرزوقي سماحة الصدر واتساعه بعد هذه الجولة النقدية القاسية وألفت نظره الى أن علوم السياسة وخبراتها ليست حكرا على "كبارات الحومة" الذين صادروا حق جيل كامل في المعارضة من داخل المعارضة من أجل مصلحة تونس وشعبها . والله تعالى يهدينا جميعا الى سواء السبيل . كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 26 جانفي 2008 للتفاعل مع الكاتب : [email protected] الهاتف : 00491785466311