نشرية اخبارية-العدد السادس-فيفري 2008-لسان حزب العمل الوطني الديمقراطي: كثرت تحرّكات أعضاء البعثة الدّيبلوماسيّة الأمريكيّة في تونس خلال السّنوات الأخيرة وخاصّة منذ قدوم السّفير الجديد قوداك الذي كان قبل قدومه إلى بلادنا العضد الأيمن للحاكم العسكريّ الأمريكيّ الأوّل في العراق بعد احتلاله. لا يمرّ أسبوع واحد تقريبا إلاّ ونسمع أنّ السّفير ذاته أو أحد كبار معاونيه أو "خبراء" قادمين من الولايات المتّحدة الأمريكيّة تقابلوا مع أمين عامّ لحزب معترف به أو قيادييّن من أحزاب غير معترف بها مثل حركة النّهضة أوشخصيّة تونسيّة مرموقة تنشط في الحقل السّياسيّ أو الحقوقيّ أو الجمعويّ (ملاحظة: يجد القارئ في هذا العدد تغطية عن نشاط السّفارة الحثيث في تونس الذي أمكن للجريدة رصده). والملفت للنظر أنّ مواضيع المحادثات التي يجريها المسؤولون الأمريكيّون بتونس تنحصر أساسا في قضايا تونسيّة داخليّة، وفي القضايا السّياسيّة الشّرق أوسطيّة للولايات المتّحدة الأمريكيّة. ويبدو أنّ قضايا أوضاع حقوق الإنسان والإصلاح السّياسيّ في بلادنا هي المحور الرّئيسيّ الذي يؤكّد عليه الجانب الأمريكيّ إلى جانب التّسويق والدّفاع عن سياسة الولايات المتّحدة في العراق وفلسطين ولبنان وكامل المنطقة العربيّة. ويواصل السّفير الأمريكيّ ومعاونوه تحرّكاتهم المشبوهة بكل صلف فارضين أمرا واقعا ببلادنا أو محاولين فرضه على الأقلّ مفاده أنّ السّفارة الأمريكيّة جزء في المعادلة السّياسيّة الوطنيّة، وطرف لا يمكن الحياد عنه أو تجاهله لأنّه طرف مؤثّر اعتبارا لثقلها العالميّ ولإصرارها على انجاز ما تسمّيه كذبا برنامج الإصلاح السّياسيّ في الأنظمة العربيّة القائمة ودمقرطة مجتمعاتها. وللتّذكير مرّة أخرى يقوم هذا البرنامج أو ما تسمّيه الإدارة الأمريكيّة مشروع الشّرق الأوسط الكبير على الأهداف الأساسيّة التّالية: · جرّ بلدان المنطقة نحو انفتاح أكبر على الإقتصاد الإمبرياليّ العالميّ ومصالحه. · جرّ الأنظمة القائمة والموالية للمتّحدة الأمريكيّة إلى اتّخاذ اجراءات سياسيّة انفراجيّة محدودة ضمانا لاستمراريّة تلك الأنظمة نفسها ولمصالح الولايات المتّحدة التي باتت معزولة عن أوساط جماهير الشّعب والنّخب الواسعة. · جرّ الأنظمة القائمة في المنطقة إلى اقحام ما تسمّيه الإسلام السّياسيّ المعتدل والإعتراف به (بالنّسبة لمن لم يعترف به بعد) في الحياة السّياسيّة وذلك لعزل ما تعتبره الإدارة الأمريكيّة حركات أصوليّة اسلامويّة متطرّفة، لكن كذلك عزل القوى الوطنيّة والدّيمقراطيّة وعلى رأسها القوى المتشبّثة بالمشروع الإشتراكيّ والأفكار الإشتراكيّة والحاملة لمشروع مجتمعيّ قوامه استقلاليّة القرارالوطنيّ والدّيمقراطيّة الفعليّة والعدالة الإجتماعيّة والمساواة بين المواطنين وفصل الدّين عن السّياسة وإشاعة القيم والأفكار الحداثيّة والعقلانيّة. · القبول باحتلال أمريكا للعراق والصّمت على جرائم الصّهاينة في فلسطين والتّطبيع مع الكيان الصّهيوني. ولا نعتقد أنّ سعادة "المقيم العامّ الجديد" لا يتحرّك وفق هذه الأجندة الأمريكيّة. السّفارة تستغلّ كلّ حدث يجري في بلادنا لتمرير سياسة نظامها وتحقيق أهدافها المعلنة والخفيّة وفرض نفسها على الجميع دولة وشعبا كطرف وجب التّعامل معه والأخذ بآرائه ومقترحاته ومواقفه وهذا ما نرفضه رفضا قاطعا ولن نسمح له ولن نصمت عنه حتى وإن بقينا وحدنا في هذا الموقف ولا نعتقد أنّنا الوحيدون المعارضون لسياسة الدّولة الأمريكيّة في هذه البلاد والرّافضون للهدف الذي تنشده سفارتها بتونس. ربما يعد سعادة السّفير الأمريكيّ أو يتعهّد لمن شاء له أن يلاقيه بالضّغط أو التدخّل لدى السّلطة التّونسيّة وإقناعها باتّخاذ اجراء "انفراجيّ" ما. وربّما كلّلت مساعيه بالنّجاح كما يقال. لكن هل لا يؤدّي هذا عمليّا إلى دعم رغبة مسعاها في أن يكون طرفا فاعلا في الحياة السّياسيّة الدّاخليّة؟ السّفير الأمريكيّ لا يتدخّل لدى السّلطة ولا يضغط عليها إلاّ في القضايا التي تخدم الأهداف السّياسيّة والإقتصاديّة التي استعرضناها سابقا والتي تخدم مصالح الأطراف السّياسيّة المستعدّة للتّعامل إيجابيّا مع الأجندة الأمريكيّة بغضّ النّظر عن وضعها القانوني. مع الملاحظة أنّ الإدارة الأمريكيّة عملت بالخصوص منذ مدّة على التّضخيم من حجم ما تسمّيه الإسلام السّياسيّ المعتدل والدّعاية له وتقديمه على أنّه القوّة الرّئيسيّة الشّعبيّة المعارضة الأولى في الأقطار العربيّة إلى حدّ أنّها بشّرت بانتصار كاسح له في الإنتخابات التّشريعيّة المغربيّة قبل موعد تنظيمها ونظرا لما أصبح يحظى به هذا التيّار من حظوة لدى وكيله أي أنّ النّظام الأمريكيّ أصبح لا يرى مانعا من مهادنة الحليف الأمريكيّ ومهادنة الأنظمة القائمة نفسها. لا يجب حسب رأينا إهمال هذا الجانب الهامّ والمركزيّ في تحرّكات سعادة السّفير الأمريكيّ، وهو ليس الجانب الوحيد بالطّبع في نشاطه الحثيث والمحموم. ما يشدّ الإنتباه في هذا الموضوع هو الموقف الرّسميّ للسّلطة. صحيح أنّها تردّ الفعل بصورة غير مباشرة عن طريق بعض الصّحف أو المنظّمات القريبة منها. هذه الصّحف تسمح لنفسها بشنّ حملات صحفيّة متشنّجة تتضمّن ثلبا وسبّا وتهجّما وهتك أعراض وتهما لا تبدو مؤسّسة ضدّ بعض الشّخصيّات التي لاقت هذا المسؤول الأمريكيّ أو ذاك. وهي حملة نشجبها ونرفضها شكلا وموضوعا ونؤكّد أنّها غير مجدية وغير مفيدة لأنّها لا تطرح القضايا الأساسيّة من بينها سلوك السّفارة الأمريكيّة الذي تعرّضنا له وانعدام الحوار بين السّلطة من جهة والأحزاب والجمعيّات من جهة أخرى. لكن السّلطة لازمت الصّمت رسميّا تجاه تحرّكات السّفارة الأمريكيّة. فنحن نراها صامتة تجاه ممارسات هذه السّفارة وتحرّكاتها بل لم نسمع أبدا أنّها ذكّرتها بضرورة احترام سيادة البلاد والتّقيّد بالمعاهدات والمبادئ التي تنظّم العلاقات الدّيبلوماسيّة بين البلدان ووضع السّفارات. لم نقرأ أو نسمع تصريحا من مسؤول في الدّولة يتّخذ موقفا واضحا تجاه التدخّل السّافر للسّفارة الأمريكيّة بتونس ولم يتجرّأ نائب أو مستشار منتم للحزب الحاكم انتقاد "سعادة المقيم العامّ الأمريكيّ" ولم نقرأ على أعمدة صحافة الحزب الحاكم أو الصّحافة الرّسميّة مقالا يتعلّق بالموضوع. فلماذا كلّ هذا الصّمت ولمصلحة من؟ لماذا لا تفتح السّلطة حوارا جديّا وبنّاءا مع مكوّنات المجتمع المدنيّ والأطراف السّياسيّة التي قبلت بالعمل في إطار القانونيّة وعلى أسس مدنيّة حول جميع الأوضاع والقضايا التي تعيشها البلاد؟ ألا تؤدّي سياسة الإنغلاق ورفض الحوار إلى تشجيع التدخّل الأجنبيّ والأمريكيّ بالخصوص في الشّأن الوطنيّ؟ ألا تدفع هذه السّياسة إلى إحباط البعض وانعدام الأمل لديه في أيّ تغيير بالإعتماد على الشّعب ونخبه المناضلة والمتمسّكة بالثّوابت؟ هذا النهج سيؤدّي حتما إلى نتائج كارثيّة على الجميع وفي النّهاية على البلاد وشعبها وسوف تخرج منه الدّوائر الإستعمارية هي المستفيدة الوحيدة.