حددت بكين بوضوح مطالبها: لا يمكن بدء أي مفاوضات تجارية جدية مع واشنطن ما لم ترفع الرسوم الجمركية الأحادية الجانب التي فرضتها الولاياتالمتحدة. ويأتي هذا الإعلان في وقت بدأت فيه الشركات الأمريكية تشعر بتأثيرات الصراع الاقتصادي الممتد. في بيان نشر يوم الجمعة وتم تداوله من قبل وكالة بلومبرغ، صرح وزارة التجارة الصينية بأنها تدرس "بجدية" الطلبات المتكررة من كبار المسؤولين الأمريكيين لفتح مناقشات ثنائية جديدة. ومع ذلك، تشترط بكين إلغاء الرسوم الجمركية العقابية التي فرضتها الولاياتالمتحدة على المنتجات الصينية مسبقًا. وقال الجانب الصيني: "إذا لم تصحح الولاياتالمتحدة إجراءاتها الأحادية الخاطئة، فإن ذلك يعني عدم صدقها. وسيؤدي هذا إلى تعميق تآكل الثقة المتبادلة". الشركات الأمريكية تواجه صعوبات متزايدة تأتي هذه المواقف الصينية في وقت تشهد فيه المؤشرات الاقتصادية الأمريكية تدهورًا. فقد أعلنت شركة آبل عن مبيعات فصلية مخيبة للآمال في الصين، مشيرة إلى أن الرسوم الجمركية الجديدة قد تزيد من تكاليفها في الربع القادم. من جانبها، حذرت أمازون مستثمريها من بيئة تجارية "أكثر صعوبة" في الأشهر المقبلة. ولا تقتصر التأثيرات على عمالقة التكنولوجيا. حيث تكافح الشركات المصنعة الموجودة في الأراضي الأمريكية مثل فورد وتسلا للحفاظ على سلاسل الإمداد الخاصة بها بسبب الضرائب على المعدات المستوردة من الصين. فقد تم تقديم أكثر من 1100 طلب إعفاء فردي من قبل أكثر من 180 شركة، بحثًا عن تخفيضات ضريبية. المستهلكون الأمريكيون أيضًا يتضررون الأثر بدأ يظهر الآن في أروقة المحلات التجارية. ابتداءً من اليوم، تدخل رسوم جديدة على المنتجات الصينية منخفضة السعر حيز التنفيذ، مما يؤثر على التجار الصغار عبر الإنترنت الذين يعتمدون على هذه الواردات. تأثير الدومينو هذا سينتهي بتقليص العرض ورفع الفاتورة على المستهلك النهائي. وفي تصريح ساخر، أشار دونالد ترامب إلى الوضع قائلاً: "لن يتمكن الأطفال من اختيار سوى دميتين فقط، بدلاً من ثلاثين كما كان الحال من قبل"، موضحًا تراجع تنوع المنتجات المتاحة في المتاجر. التباطؤ الصناعي في آسيا والتوترات الإقليمية الركود التجاري لا يقتصر على الولاياتالمتحدة فقط، بل يطال أيضًا آسيا. حيث تشير مؤشرات مديري المشتريات (PMI) التي نشرتها S&P Global إلى انكماش القطاع الصناعي في كوريا الجنوبية وتايوان، نتيجة لتراجع الطلبات والشكوك المحيطة بالأوضاع الاقتصادية. وفي الوقت نفسه، يراقب اليابان عن كثب علاقاته مع الولاياتالمتحدة. حيث تحدث وزير المالية كاتو علنًا عن إمكانية استخدام الاحتياطي الواسع من سندات الخزانة الأمريكية الذي تملكه طوكيو كأداة للتفاوض. ويأمل المفاوض الرئيسي الياباني ريوجي أكازاوا في التوصل إلى اتفاق بحلول جوان، رغم الحاجة لتوضيح التفاصيل الفنية. أمريكا بين التقشف المالي والطموحات العسكرية على الصعيد الداخلي، تستعد البيت الأبيض لتقديم مشروع ميزانية عام 2026 مع توجهات متناقضة: خفض الإنفاق المدني إلى 557 مليار دولار، أي بتقليص 163 مليار دولار مقارنة بعام 2025، وزيادة كبيرة في الإنفاق العسكري ليصل إلى 1010 مليار دولار، بزيادة قدرها 13%. يمثل هذا التوجه الأولويات الاستراتيجية لإدارة ترامب، رغم الضغوط الاقتصادية المستمرة. وهكذا، بينما تشترط الصين أي تقدم في المفاوضات برفع الرسوم الجمركية الأحادية، تواجه الولاياتالمتحدة تحديًا مزدوجًا: الحفاظ على تنافسيتها الاقتصادية بينما تحافظ على موقف حازم. في الخلفية، قد تتصاعد التوترات التجارية، مع تداعيات متزايدة على الشركات والمستهلكين… واستقرار التجارة العالمية بشكل عام.