يشهد الدينار الليبي فترة تراجع حاد في قيمته. ففي غضون بضعة أشهر، انخفضت قيمته بأكثر من 17% مقابل الدينار التونسي، منتقلاً من نحو 0.6529 دينار تونسي في جانفي 2025 إلى 0.539 دينار تونسي في مطلع جوان، وفقًا للمنصات الدولية لتداول العملات. و قد أثارت هذه النزعة المقلقة قلق الفاعلين الاقتصاديين الليبيين و شركائهم الإقليميين، و على رأسهم تونس، التي يعتمد جزء من تجارتها الحدودية على هذه المعادلة النقدية. عملة هشّة نتيجة عوامل متعددة تراجع الدينار الليبي ليس ظاهرة معزولة، بل هو نتيجة تضافر عوامل اقتصادية و سياسية و هيكلية متشابكة : – عدم الاستقرار السياسي المزمن : منذ سقوط نظام القذافي في 2011 ، تعيش ليبيا في حالة من عدم اليقين، تطبعها صراعات بين حكومات متنافسة و غياب سلطة اقتصادية مركزية. هذا الوضع يثني عن الاستثمار و يفاقم ظاهرة هروب رؤوس الأموال. – ازدواجية السلطة النقدية : ساهم وجود مصرفين مركزيين (في طرابلس و بنغازي) على مدى سنوات في إضعاف إدارة السياسة النقدية. و على الرغم من الجهود المبذولة لتوحيد المؤسستين، فإن الثقة في النظام المالي الليبي ما تزال هشّة. – هيمنة الاقتصاد الموازي : في ظل غياب رقابة الدولة، ينشط جزء كبير من الاقتصاد في القطاع غير الرسمي، ما يغذي السوق السوداء للعملات، حيث يُتداول الدينار بأسعار أدنى بكثير من السوق الرسمية. – الاعتماد على النفط و تقلب الإيرادات : تحصل ليبيا على أكثر من 90% من إيراداتها العمومية من تصدير النفط. غير أن الإغلاقات المتكررة للموانئ النفطية و تراجع الإنتاج يؤديان إلى انخفاض احتياطي العملات الأجنبية الضرورية للحفاظ على استقرار سعر الصرف. – التضخم و تآكل القدرة الشرائية : يؤدي تراجع قيمة الدينار مباشرة إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة ، مما يتسبب في موجة تضخمية حادة تمسّ الأسر الليبية و تزيد من فقدان الثقة في العملة الوطنية. ما الحلول الممكنة لوقف انهيار الدينار الليبي ؟ أمام هذا المنحى التنازلي ، يمكن تفعيل عدة آليات لاستعادة الاستقرار النقدي : – تعزيز استقلالية مصرف ليبيا المركزي و تحسين تنسيقه من خلال تبنّي سياسة صرف واضحة، ترتكز على بيانات شفافة و آليات للحدّ من نشاط السوق السوداء. – توحيد السياسات المالية و الميزانية بين السلطات السياسية المختلفة، لإرساء استراتيجية اقتصادية وطنية متماسكة. – تقليص التبعية للعائدات النفطية عبر تنويع الاقتصاد و الاستثمار في القطاعات الإنتاجية و تحديث البنى التحتية المالية. – إرساء منظومة فعّالة لمراقبة تدفقات العملات الأجنبية لكبح المضاربة في السوق الموازية و تشجيع استعمال القنوات المصرفية الرسمية. – تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي ، خصوصًا مع تونس و مصر، من أجل استقرار المبادلات و تيسير عمليات الدفع العابرة للحدود. عملة في صميم التوازن الوطني لا تقتصر أهمية استقرار الدينار الليبي على بعدها المالي فحسب ، بل تمثّل ركيزة أساسية لإعادة إنعاش الاقتصاد و تحقيق التماسك الاجتماعي و صون السيادة الوطنية. و في سياق يتّسم بهشاشة المؤسسات و توترات إقليمية متزايدة، يمرّ إنقاذ الدينار حتمًا عبر توافق سياسي و إصلاحات مؤسساتية جريئة و إرادة جماعية لاسترجاع الثقة في المنظومة الاقتصادية الليبية. و تتابع تونس، باعتبارها بلدًا مجاورًا و شريكًا اقتصاديًا، عن كثب تطورات هذا الوضع ، لما للاستقرار النقدي في ليبيا من تأثير مباشر على المبادلات الثنائية، تحويلات الأموال و التجارة غير الرسمية في المناطق الحدودية.