يرتبط التعتيم المالي غالبًا بإخفاء الثروات و التهرب الضريبي و هو عامل رئيسي في تشكيل التدفقات الاقتصادية على المستوى الدولي. و قد كشف تقرير حديث عن المفارقة التي تعيشها الدول الإفريقية: مساهمة ضعيفة في إنتاج هذا التعتيم، لكنها تتكبد تبعاته بشكل كبير. إفريقيا… مساهمة هامشية في إنتاج التعتيم وفقًا لتصنيف سنة 2025 الصادر عن مؤشر السرية المالية (Financial Secrecy Index)، و الذي ينشره "شبكة العدالة الضريبية" (Tax Justice Network)، تأتي الدول الإفريقية في مراتب متأخرة جدًا مقارنةً بالمراكز المالية العالمية الكبرى من حيث المساهمة في التعتيم المالي. فالقارة الإفريقية لا تمثل سوى 0,4% من المؤشر العام، في حين تتركز الممارسات الأساسية للسرية المصرفية والتهرب الضريبي في ولايات قضائية مثل الولاياتالمتحدة وسويسرا وسنغافورة. و يمكن تفسير هذا الدور المحدود بضعف بنية الأنظمة المالية في معظم الدول الإفريقية، إضافة إلى وجود تشريعات غالبًا ما تكون أكثر شفافية بفعل الضغوط الدولية. عواقب الشفافية المفروضة رغم أن دورها في إنتاج التعتيم المالي ضئيل، إلا أن الدول الإفريقية تتحمل عواقبه بشكل غير متناسب. فالتدفقات المالية غير المشروعة، التي تمر عبر مراكز مالية خارجية أو بلدان ذات نظم ضريبية تفضيلية، تحرم الدول الإفريقية من موارد ضريبية حيوية. و هذا الواقع يحدّ من قدرة الحكومات على تمويل الخدمات العامة ودعم النمو الاقتصادي. كما تساهم هجرة رؤوس الأموال في زيادة تقلبات العملات المحلية وتعميق الاعتماد على الاستثمارات الخارجية. بيئة دولية غير مواتية يشير التصنيف إلى وجود خلل واضح في قواعد اللعبة. فالولايات القضائية الأكثر غموضًا، والتي غالبًا ما تكون خارج القارة الإفريقية، توفر ملاذًا آمنًا للأموال المنهوبة. وتخرج هذه الديناميكية الدولية عن نطاق سيطرة السلطات الإفريقية، التي تواجه صعوبات كبيرة في استرجاع الأموال غير المشروعة وفرض نظام ضريبي عادل. و رغم الإشادة ببعض جهود التعاون والشفافية، فإنها لا تزال غير كافية أمام تعقيدات الترتيبات المالية العابرة للحدود. في ظل هذا الواقع، تبقى مسألة العدالة الضريبية والشفافية المالية في صميم انشغالات القارة الإفريقية. وتُعد المبادرات الرامية إلى تعزيز التعاون الدولي وتحسين تتبع التدفقات المالية ضرورية لتمكين الدول الإفريقية من الاستفادة الكاملة من مواردها ودعم نمو اقتصادي شامل. و يبقى التحدي الأكبر في القدرة الجماعية على بناء نظام مالي عالمي أكثر توازنًا و شفافية.