أجرت مقابلات مع نيلسون مانديلا وديسموند توتو، وروت التاريخ الجنوب إفريقي من الداخل، ولم تكفّ يومًا عن الدفاع عن العدالة الاجتماعية. و اليوم، تجد الصحفية الكيبيكية لوسي باجي نفسها في مواجهة ظلم يمسّ بيتها: إذ ترفض كندا منح الإقامة الدائمة لزوجها جاي نايدو، إحدى الشخصيات البارزة في النضال ضد نظام الفصل العنصري. منذ عام 2022، يواجه ملفهما تعطيلاً من قبل وزارة الهجرة واللاجئين والمواطنة الكندية (IRCC)، التي تشتبه في أن الوزير الجنوب إفريقي السابق يشكل «تهديدًا للأمن القومي» وتتهمه بالمشاركة في «أنشطة إجرامية». اتهامات وصفتها لوسي باجي بأنها عبثية ومهينة، مؤكدة أن زوجها شغل منصب وزير في حكومة نيلسون مانديلا، وحاصل على دكتوراه فخرية من جامعة كيبيك في مونتريال (UQAM)، وتعاون مع عدة حكومات كندية. زوجان في الواجهة، وعائلة متعددة الثقافات… لكنها مرفوضة متزوجان منذ 35 سنة، ولديهما ثلاثة أبناء وثلاثة أحفاد، يتقاسم جاي ولوسي حياتهما بين كيبيكوجنوب إفريقيا. قصتهما، التي وردت في كتاب من الحب إلى الثورة، تحكي عن زوجين متعددَي الثقافة، حظيا بتقدير حتى من رئيس الوزراء الأسبق براين مولروني، الذي وصفهما بأنهما «عائلة المستقبل». و رغم ذلك، فإن تأشيرة جاي ستنتهي صلاحيتها في أكتوبر، وتطالب السلطات الكندية الآن بتقديم أدلة تثبت عدم تورطه في أي جريمة في كل بلد زاره… وهو شرط تعجيزي لرجل كرّس حياته للسلام والدبلوماسية. وتقول لوسي باجي بأسى: «كأنهم يعاقبونني على عائلتي». الحرمان من تأشيرة لحفيد في السادسة يُضاف إلى هذا الوضع الإداري المعقد، مأساة أخرى تطال حفيد لوسي، كانا، البالغ من العمر ست سنوات والمولود في جنوب إفريقيا، إذ لم يحصل على تأشيرة لدخول كندا خلال الصيف، رغم أن والدته وجدته وخاله وعمته جميعهم يحملون الجنسية الكندية. و وصفت لوسي باجي هذا الرفض بأنه غير إنساني، مشيرة إلى إصلاح قانوني أُقرّ سنة 2008 في عهد حكومة هاربر يمنع بعض روابط النسب من نقل الجنسية الكندية تلقائيًا. و تقول بتأثر : «كانا طفل أفريكيبي (مزيج من إفريقي وكيبيكي)»، منددة بقانون يمزق الأسر ويقوّض الروابط العائلية عبر الأجيال. وترى أن القوانين الحالية تدمر ما يُفترض بها أن تحميه من تماسك أسري وخصوصية عائلية. غضب تشاركه آلاف العائلات لوسي باجي ليست وحدها. فحسب قولها، آلاف العائلات في كيبيك تعيش أوضاعًا مماثلة، وهي تتحدث اليوم باسم الجميع. كعضوة نشطة في حركة «كيبيك الموحّد»، تتهم الحكومة الفيدرالية بالتعامل مع العائلات كما لو كانت مجرد ملفات بيروقراطية مجردة من أي بعد إنساني. و أمام نظام تعتبره غير إنساني، تفكر لوسي في مغادرة كندا نحو جنوب إفريقيا… ولو كان ذلك يعني الابتعاد عن بقية عائلتها المقيمة في كيبيك. وتختصر الأمر بقولها: «خيار صوفي هو خيار لوسي أمام الهجرة الكندية»، في إشارة إلى معاناة شخصية عميقة. أوتاوا تلتزم الصمت و رغم طلبات وسائل الإعلام، ترفض وزارة الهجرة الكندية التعليق، متمسكة بسرية الملفات، وتذكّر بإمكانية الاستعانة بجهاز الاستخبارات الكندي (SCRS) لتقييم بعض الطلبات. و في عام 2024، تم تمرير 22,500 طلب إقامة دائمة عبر هذا الجهاز، غير أن تفاصيل الملفات الفردية تبقى سرية، حتى بالنسبة لأصحابها المعنيين. أما لوسي باجي، فهي لم ترفع الراية البيضاء بعد. إذ تواصل مراسلة السلطات، بمن فيهم رئيس الوزراء المعيّن مارك كارني، مطالبة بإنصاف أسرتها. و في الانتظار، تبقى عائلة نموذجية معلّقة على قرار غامض، وسط شعور بالظلم، وتهديد بالمنفى، وشرخ عائلي مؤلم.