أصدرت وزارة الهجرة واللاجئين والمواطنة الكندية (IRCC) أول تقرير سنوي لها حول سوء السلوك والممارسات غير الأخلاقية للعام المالي 2023–2024، كاشفًا عن صورة مثيرة للقلق بشأن الانحرافات داخل المؤسسة. ويؤكد التقرير 62 حالة مثبتة من بين 86 تحقيقًا داخليًا، تتعلق بسلوكيات غير ملائمة تتراوح بين التحرش، وإساءة استعمال السلطة، والوصول غير القانوني إلى ملفات حساسة. ورغم أن أياً من هذه الحالات لا تندرج قانونيًا تحت "الخطأ الجسيم" حسب قانون حماية المبلغين من الموظفين العموميين، إلا أن طبيعة الانتهاكات تطرح تساؤلات جدية حول نزاهة الوزارة المكلفة بمصير ملايين الأشخاص عبر العالم. من التجاوزات الإدارية إلى تطبيع الإهمال قرابة 60% من الحالات المؤكدة (37 حالة) تتعلق بتجاوزات إدارية، من بينها غيابات غير مبررة، تأخيرات متكررة، سرقة وقت، أو استغلال غير مشروع للإجازات. وفي إحدى الحالات، تم طرد موظف تجاهل مرارًا طلبات توضيح بخصوص غياباته. وفي حالة أخرى، عُلّق موظف عن العمل بعد إصراره على تمديد فترات استراحته رغم التحذيرات المتكررة. وتشير شهادات داخلية إلى أن بعض هذه السلوكيات أصبحت "أمرًا معتادًا في بعض الأقسام"، بسبب غياب ثقافة المساءلة والمحاسبة. عنف، إهانات وتعبيرات عنصرية في بيئة العمل شمل التقرير تسع حالات تتعلق بالتحرش أو العنف أو السلوك غير المحترم، بما في ذلك حادث خطير حيث يُقال إن مديرًا هدد زميله بالقتل. ورغم اعتذاره، تم إعفاؤه من مهامه وفرضت تدريبات إلزامية في القسم المعني. كما تم تسجيل مشادات كلامية علنية، وإهانات عنصرية، وسلوكيات إقصائية. وقد عُلّق موظف عن العمل لمدة خمسة أيام بعد استخدامه عبارة عنصرية داخل المكتب، بينما وُجّه توبيخ رسمي لموظف آخر وأُلزم بحضور تدريب حول التنوع، إثر تصريحات مهينة تجاه معتقدات زميل دينية. وصول غير مشروع إلى الملفات وتجاوزات أخلاقية سجل التقرير 12 حالة استخدام غير مشروع لأنظمة الوزارة، حيث قام موظفون بالاطلاع على ملفات أقارب أو شركاء سابقين أو شخصيات إعلامية دون تصريح. وقد تم تعليق عمل عدد منهم، بينما استقال أحدهم قبل صدور العقوبة. وفي ثلاث حالات منفصلة، تورط موظفون في تجاوزات أخلاقية خطيرة: أحدهم أقام علاقة مع طالب لجوء، آخر سهّل حصول أحد معارفه على وظيفة بتقديم معلومات مزيفة، وثالث سلّم وثائق سرية لجهة خارجية. وقد أُبعد الثلاثة من مناصبهم الحساسة. كما اشتبه في موظف يعمل في الخارج بطلب هدايا مقابل تسريع منح تأشيرة دراسية. ورغم عدم توفر أدلة كافية لتوجيه اتهام جنائي، تم سحب اعتماده وإنهاء عقده. وزارة تحت الضغط وسط توقعات عامة ومتطلبات العدالة يُوظّف IRCC حوالي 14 ألف شخص، ويؤدي دورًا محوريًا في الديمغرافيا والاقتصاد والدبلوماسية الكندية. وبحسب محامٍ مختص في الهجرة (فضّل عدم الكشف عن اسمه)، فإن هذه التجاوزات تقوض مصداقية النظام بأكمله: "حين يقوم موظفون بالوصول إلى ملفات بطرق غير قانونية أو يتورطون بعلاقات غير مناسبة مع طالبي اللجوء، فإن ذلك يقوّض ثقة الناس ويهدد مبدأ العدالة." من جهته، شدد نائب وزير الهجرة، الدكتور هارپريت كوشار، على أن الوزارة تأخذ هذه القضايا "بمنتهى الجدية"، وأنها جزء من إستراتيجية لاستعادة النزاهة: "نريد خلق بيئة عمل محترمة ومهنية، تعكس القيم التي ندافع عنها لجميع الكنديين والوافدين الجدد." وتلتزم الوزارة ب: * توسيع التدريبات في مجالات الأخلاقيات والتنوع؛ * تعزيز حماية المبلغين عن التجاوزات؛ * إدراج بيانات السلوك المهني في تقييم الأداء السنوي؛ * إطلاق وحدات جديدة لتأهيل القيادات والإطارات العليا. ويعتبر مسؤول سابق في الوزارة، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، أن هذه المرحلة تمثل "تحولًا ثقافيًا حقيقيًا": "لطالما كانت هذه المشاكل تُصنف ضمن ضوضاء الموارد البشرية، لكن اليوم هناك ضغط من أعلى المستويات لجعل المساءلة جزءًا من هوية المؤسسة." سياق سياسي حساس وتحول إستراتيجي في سياسة الهجرة تقرير صادم: تجاوزات إدارية وأخلاقية تهز نظام الهجرة في كندا يأتي هذا التقرير في وقت تُعيد فيه كندا مراجعة سياستها الهجريّة. فقد أعلن في نهاية 2024 عن خطة ثلاثية (2025–2027) تشكّل منعطفًا تاريخيًا، حيث تم التخلي عن مسار الزيادة في عدد الوافدين مقابل تقليص سقف الإقامات الدائمة وفرض حدود على عدد الطلبة والعمال المؤقتين. وفي هذا السياق الانتقالي، تُضفي الاختلالات داخل وزارة الهجرة أهمية مضاعفة، وفق تحذيرات الخبراء. فالانسجام، والنزاهة، والشفافية، ستكون مرتكزات أساسية للحفاظ على شرعية السياسات العمومية في مجال يُعد من أكثر الملفات حساسية في المشهد الكندي المعاصر.