في أعقاب الهجوم الواسع الذي شنّته إسرائيل يوم 13 جوان على أهداف عسكرية ونووية في إيران، سارعت الولاياتالمتحدة إلى تعزيز وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط. وقد أثار هذا التدخل الإسرائيلي، الذي تخللته عمليات اغتيال لقيادات إيرانية بارزة، صدمة إقليمية عميقة. وكانت واشنطن قد أعطت، قبل يوم من الضربات، الضوء الأخضر لمغادرة عائلات الجنود الأمريكيين المتمركزين في عدة دول خليجية، منها البحرين والكويت والإمارات، في مؤشر واضح على قرب تنفيذ عملية عسكرية كبيرة، وانعكاساً لفشل المفاوضات حول الملف النووي الإيراني. وحدات بحرية استراتيجية منتشرة في المتوسط في 16 جوان، أمر البنتاغون بإعادة نشر حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس نيميتز"، إحدى أقدم حاملات الطائرات في الأسطول الأمريكي، التي غادرت بحر الصين الجنوبي متجهة إلى الشرق الأوسط دون التوقف المقرر في فيتنام. وبعد ثلاثة أيام، أكد مسؤول عسكري خطة نشر حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد"، الأكبر في العالم، في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبحسب شبكة "سي إن إن"، يُتوقع أن تُتمركز هذه الحاملة قرب السواحل الإسرائيلية لتوفير قدرات اعتراض صاروخي في حال إطلاق صواريخ من إيران. وبالفعل، التحقت مدمّرة أمريكية رابعة في 20 جوان بمياه شرق المتوسط، فيما تبحر مدمرتان أخريان في البحر الأحمر. شبكة عسكرية واسعة وقديمة تحتفظ الولاياتالمتحدة بوجود عسكري دائم في الشرق الأوسط منذ عقود. ووفقاً لمجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، فإن الشبكة الإقليمية تضم ما لا يقل عن 19 موقعاً عسكرياً نشطاً، منها 8 قواعد دائمة موزعة بين قطر، البحرين، الكويت، السعودية، الإمارات، مصر، الأردنوالعراق. ويُقدّر عدد الجنود الأمريكيين المنتشرين في المنطقة حالياً بين 40 و50 ألفاً، موزعين على منشآت كبرى أو نقاط تمركز متقدمة تُستخدم كمراكز قيادة ولوجستيات ومراقبة جوية وجمع معلومات استخباراتية. لمحة عن أبرز القواعد الأمريكية في الشرق الأوسط * قاعدة العديد الجوية (قطر): تضم أكثر من 10 آلاف جندي، وتستوعب نحو 100 طائرة، وتعد القاعدة الأمريكية الأكبر في الشرق الأوسط. تلعب دوراً محورياً في العمليات بسورياوالعراق وأفغانستان. * القاعدة البحرية "NSA" (البحرين): تأوي حوالي 9 آلاف عسكري ومدني، وهي مقر الأسطول الخامس الأمريكي، المسؤول عن أمن الملاحة في الخليج. * معسكر عريفجان (الكويت): مركز لوجستي بري رئيسي للقوات الأمريكية، ويُعد نقطة ارتكاز استراتيجية لأي تحرك بري إقليمي. * قاعدة الظفرة الجوية (الإمارات): تركّز على المهام الاستخباراتية والدعم الجوي، وتحتوي على مقاتلات "F-22" الشبحية وطائرات دون طيار وطائرات إنذار مبكر "AWACS". * قاعدة أربيل (العراق): نقطة دعم متقدمة للقوات الكردية والعمليات في سوريا، وتعزز الوجود الأمريكي في شمال العراق. "يو إس إس جيرالد فورد": استعراض عائم للقوة يمثّل احتمال نشر حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد"، الأحدث في البحرية الأمريكية، رسالة واضحة. يبلغ طولها 335 متراً وتزن 100 ألف طن، ويمكنها حمل 80 طائرة مقاتلة. وتعمل هذه الحاملة بمفاعلين نوويين، مما يسمح لها بالعمل لأكثر من 20 عاماً دون تزويد بالوقود. وهي مزوّدة بنظام إطلاق كهرومغناطيسي متطور، وقد صُمّمت لدعم عمليات عسكرية واسعة النطاق، حتى في سياق هجمات إقليمية كبرى. تحليل: واشنطن تتحرك للردع والاحتواء يعكس هذا الانتشار العسكري الأمريكي استراتيجية مزدوجة للردع. فمن جهة، يهدف إلى منع اتساع الصراع الإسرائيلي الإيراني، خصوصاً في ظل تعدد الجبهات (اليمن، لبنان، سوريا). ومن جهة أخرى، يمنح واشنطن ورقة ضغط دبلوماسية وعسكرية تُستخدم في أي وساطة أو رد فعل. ويُتيح اقتراب المدمرات من السواحل الإسرائيلية قدرة اعتراض في البحرين الأبيض والأحمر، مع تأمين ممرات بحرية استراتيجية مثل مضيق هرمز وقناة السويس. والرسالة إلى طهران واضحة: أي رد انتقامي واسع النطاق سيُواجه بردع فوري. مكاسب استراتيجية مقابل نقاط ضعف رغم المكاسب الاستراتيجية لهذا الانتشار، إلا أنه يرافقه عدد من التحديات: * تعدد الأهداف: وجود 19 نقطة دعم عسكري كبرى يضاعف احتمال استهداف القوات الأمريكية في هجوم منسق. * القرب الجغرافي من إيران: قواعد مثل العديد وعريفجان تقع ضمن مدى الصواريخ الباليستية الإيرانية. * التهديدات غير المتكافئة: إيران تمتلك شبكة من الميليشيات الحليفة (مثل حزب الله والحوثيين والحشد الشعبي) يمكنها ضرب هذه القواعد بشكل غير مباشر. * صعوبة التنسيق الدفاعي: هجوم متزامن على عدة مواقع يمكن أن يربك أنظمة الدفاع ويُنهك قدرات الرد. نحو تحالف عملياتي مع إسرائيل؟ يشير تزايد التنسيق بين القوات الأمريكية والإسرائيلية، كما تعكسه هذه التحركات اللوجستية، إلى احتمال تشكّل محور عملياتي مشترك غير مسبوق، مما يعزز التحالف بين واشنطن وتل أبيب في منطقة تمرّ بأقصى درجات التوتر.