تشهد فرنسا حالياً أزمة إدارية حقيقية تطال آلاف الأجانب، بسبب الرقمنة الكاملة لإجراءات طلب بطاقات الإقامة، والتي كان يُفترض أن تُحدِث نقلة نوعية في عمل الإدارات المحلية. فقد تم إطلاق هذه العملية على نطاق واسع عبر منصة ANEFمنصة ANEF(الإدارة الرقمية للأجانب في فرنسا)، غير أن الواقع الميداني جاء بعيداً عن الوعود بالفعالية والتبسيط. ثغرات رقمية وعوائق إدارية معقدة يعاني مقدمو الطلبات من مشاكل تقنية متكررة، ورسائل إلكترونية تلقائية غامضة، وغياب تام للتواصل البشري، إلى جانب صعوبة الوصول إلى النماذج الإلكترونية، وقرارات رفض لا يمكن الطعن فيها. كل ذلك حوّل أبسط طلب لتجديد بطاقة إقامة أو تقديم أول طلب إلى متاهة رقمية تولّد التوتر والتهميش. انتقادات من داخل المؤسسات نفسها نبّه المدافع عن الحقوق وعدة جمعيات داعمة للأجانب منذ أشهر إلى تفاقم حالة الإقصاء. فعدا عن استحالة التواصل مع موظف إداري، تتسم الإجراءات بالغموض، وغالباً ما لا يحصل المتقدّم على وصل إيداع، مما يمنعه من إثبات وضعيته أمام ربّ العمل أو المالك أو المؤسسات التعليمية. هذا الانسداد يُلقي بظلاله مباشرة على الحقوق الأساسية للأشخاص المعنيين، مثل العمل، والسكن، والعلاج، وتسوية الوضع العائلي. إجراء بديل في مقاطعة موزيل أمام سيل الانتقادات، أعلنت محافظة موزيل عن تغيير في الإجراءات ابتداءً من نهاية جوان 2025، حيث سيكون بالإمكان تقديم بعض طلبات بطاقات الإقامة عبر منصة بديلة تُدعى "الإجراءات المبسطة"، شريطة ألا يكون الطلب قد تم تقديمه مسبقاً عبر ANEF. وسيُطبّق هذا الإجراء الجديد على طيف واسع من الحالات، من بينها: * الطلبات الأولى للحصول على بطاقة إقامة (بما في ذلك الإقامة طويلة الأمد للاتحاد الأوروبي) * الروابط الشخصية والعائلية * الشباب الراشدون الذين دخلوا فرنسا قبل سن 13 * أولياء أمور الأطفال المرضى * حالات القبول الاستثنائي للإقامة * العمال، والمهن الحرة، والمتدربون * الطلاب، والشباب المقيمون لدى عائلات، والباحثون عن عمل * تجديدات الوصل وشهادات الإقامة وتهدف هذه الخطوة بوضوح إلى تخفيف الضغط عن المحافظات، وتقليص الآجال، وتقليل التكاليف الإدارية، خاصة تلك المتعلقة بالإرسال البريدي. حل جزئي وسط مطالب بالمواكبة البشرية لكن الجمعيات المختصة تعبّر عن قلقها من غياب الدعم البشري الكافي لمساعدة الفئات غير المتمكنة من الأدوات الرقمية. فرغم إعلان المحافظة عن تخصيص نقطة استقبال رقمية، إلا أن المواعيد المتاحة نادرة، والعاملين يواجهون ضغطاً كبيراً. وفي الممارسة، فإن الفئات الأكثر هشاشة — من لا يملكون اتصالاً بالإنترنت، أو لا يتقنون اللغة، أو لا يحسنون استخدام الوسائل الرقمية — هم الأكثر تضرراً من هذا النظام. بين التحديث الإداري وتفاقم الهشاشة رغم أن الرقمنة أصبحت توجهاً لا رجعة فيه داخل العديد من الإدارات، إلا أن نجاحها رهينٌ بمراعاة الفوارق في الوصول إلى التكنولوجيا. فمن دون مرافقة بشرية حقيقية، قد تُفاقم منصة ANEF ونظيراتها الهوة الرقمية، وتحول الحق في الإقامة القانونية إلى امتيازٍ حصري لمن يملكون الاتصال الرقمي والمعرفة التقنية. في صيغتها الحالية، تصطدم الوعود بخدمة أكثر فاعلية بتعقيدات إدارية وبرود الواجهات الرقمية. ومن هنا تبرز الحاجة إلى إصلاح هيكلي شامل وشامل للجميع، يضمن أن لا تتحوّل الرقمنة إلى أداة إقصاء بدلاً من أداة تحديث.