في ما يشبه انقلابًا مذهلًا على المبادئ الدبلوماسية، صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي، غدعون ساعر، أن إسرائيل مستعدة لتطبيع علاقاتها مع سوريا... بشرط الاحتفاظ بالسيادة على الجولان المحتل. تصريح اعتبره العديد من المراقبين ذروة التناقض، لتحديه المنطقي لمبادئ القانون الدولي. وفي مقابلة مع القناة الإسرائيلية i24NEWS، قال ساعر: «إذا أتيحت الفرصة لتوقيع اتفاق سلام أو تطبيع مع سوريا، بشرط بقاء الجولان بين أيدينا، فسيكون ذلك أمرًا إيجابيًا لمستقبل إسرائيل.» سلام مشروط بالاحتلال؟ يُعدّ الجولان، وهو أرض سورية تحتلها إسرائيل منذ حرب عام 1967، محور النزاع بين البلدين منذ عقود. ووفق الأعراف الدبلوماسية الكلاسيكية، فإن استعادة الأراضي تُعدّ شرطًا للسلام، لا مكافأة على الاحتلال. غير أن الأمر هنا يبدو مقلوبًا، إذ بات المحتل هو من يفرض شروط التطبيع... مشترطًا الاحتفاظ بالغنيمة. مسؤول سوري — فضّل عدم الكشف عن هويته — أكد للقناة ذاتها حصول «تقدّم كبير» في المحادثات الثنائية، بل وأشار إلى إمكانية توقيع اتفاق سلام بحلول نهاية عام 2025. ويقضي هذا الاتفاق، حسب قوله، بتطبيع كامل للعلاقات، وتحويل الجولان إلى ما وصفه ب«حديقة سلام». مفاوضات خلف الكواليس رغم الاستفزازات ورغم التصريحات التي تبدو مستفزة أو حتى عبثية، تؤكد مصادر عدّة وجود اتصالات مباشرة بين إسرائيل وسوريا. فبحسب وكالة رويترز، أفادت خمس مصادر دبلوماسية بوقوع لقاءات وجهًا لوجه مؤخرًا، في مناطق حدودية، بعضها خاضعة للسيطرة الإسرائيلية. في المقابل، نفى وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، وجود أي نقاشات رسمية حول معاهدة سلام، متحدثًا فقط عن مفاوضات غير مباشرة عبر وسطاء دوليين، تركز على خط فض الاشتباك لعام 1974، المعروف باتفاق فصل القوات. دمشق متمسكة بالجولان من جانبه، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع — الذي خلف بشار الأسد في ديسمبر الماضي — خلال لقائه وجهاء القنيطرة والجولان، بحسب وكالة الأنباء الرسمية «سانا»، أن حكومته تواصل العمل على وقف الانتهاكات الإسرائيلية، من خلال قنوات دبلوماسية غير مباشرة. كما استمع الشرع إلى شكاوى الأهالي، الذين عبّروا عن معاناتهم من جراء الاحتلال الإسرائيلي والهجمات العسكرية المتكررة، خصوصًا منذ التوسع الذي قامت به قوات الاحتلال (تساهال) في المنطقة العازلة في ديسمبر 2024. الغرب يلتزم الصمت أمام دبلوماسية مقلوبة في هذا السياق، تثير مطالبة إسرائيل بالاحتفاظ بالجولان مقابل السلام موجة من الذهول... دون أن تحرّك العواصم الغربية ساكنًا. فلا واشنطن ولا بروكسل علّقتا على تصريح غدعون ساعر. فهل هو صمت متعمّد؟ يبدو أن السخرية الدبلوماسية أصبحت سلوكًا مألوفًا حين يتعلّق الأمر بإسرائيل. ولم تغب عن المحللين سخرية الموقف: فالسارق يطالب بمكافأة مقابل وقف سرقته، والمحتل يضع الشروط لإعادة سلام انتهكه منذ أكثر من نصف قرن. في العمق، تتشكل هنا شرعنة مقلقة للاحتلال عبر مسار التطبيع، بينما المجتمع الدولي يصرف نظره عمّا يجري. وهكذا، إن أفضت المفاوضات الجارية فعلًا إلى معاهدة سلام سورية إسرائيلية، فإن الطريقة التي تُبنى بها تطرح تساؤلات جوهرية حول المبادئ التي لا تزال تحكم العلاقات الدولية. ويغدو الجولان في هذه الحالة رمزًا لما هو أبعد من نزاع حدودي: رمزًا لحق مسلوب، ولسلام مشروط، ولمجتمع دولي باتت موازين القوة فيه تتفوق على مشروعية القضايا.